منديل معطوب بخطوط زرقاء
حسام الدين يحيى
حين لمحتها من نافذتى ، خبئت صدريتى الحمراء التى كنت
على وشك أن أعلقها على منشر الغسيل خبئتها اسفل جلبابى ، واعطيتها ظهرى ، وكدت أن
اغلق ضلفتى النافذة حينما استوقفتنى متهكمة :- ألم يأن بعد ان تتزوجى ، أم ان
فاكهتك معطوبة ...؟
استشيط غضبا ، انشج وارتعش ، ولا تستطيع قدماى ان تحمل
ذلك الثقل ، اغلق ضلفتى النافذة فى عنف ، وابتلع لسانى .
فى المساء ، اسمعها تتأود ، تصرخ منتشيه ، وكأنها تعلن
للجميع عن ميعاد معركتها ، وانتصارها ، حتى وإن خرجت عن المألوف .. ولكنها فى
النهاية كانت كنخلة عجوز ..لا تطرح .. سوى العطش .
بعد موت امى وابى لم يعد لى احدا سوى خالتى التى تأتى
لتطل على كل حين ، وغير عملى فى ذلك المعمل الحكومى صباحا لا يوجد مكان اخر ارتادة
سوى منزلى ، بعد ان فاتنى قطار الزفاف ، وقد قاربت العقد الخامس ، لم افقد جمالى ،
بشعرى الأسود الحريرى المسترسل على وجهى الخمرى ، شفتان حمراوتان تشتاق لقبلات من
عصور ملكية ، جسدا بض مقدس قد عمد منذ صغر ، وامام المرأة اقف طويلا ، من يتملكنى
.. يتملك جنة ونعيمها ، ولكنه رحل ..
وترك فاكهتى معطوبه.
شيئان كانا يحيلان ايامى لسواد مظلم ، تلك الليالى
الشتوية التى ترتادنى فيها عبق النشوة فأحتضن وسادتى واعتصرها فى سريرى البارد حتى
اهداء راحلة فى خيالى الحالم ، وتلك العجفاء الأربعينيه..جارتى ( أم يوسف ) كأنت
كلما رأتنى فى نافذتى او عند الخروج من منزلى تغمز وتتلوى وتلقح بالكلمات الفاجرة،
تهمس فى اذن النسوة الاتى يتحاشان سوط لسانها القبيح ، بالخوض فى خصوصياتى
والأنصياع لما تقول :- يقولون ان فاكهتها معطوبة .. يضحكون .. وكل منهم يرمقنى
شذرا .
كان ميعاد وصولى للمنزل هو ميعاد وصول زوج تلك الأفعوانه
التى تكبره بما لا يقل عن خمسة اعوام ، كثيرا ما كنا نتلاقى فى ( المصعد ) او يصعد
معى على درجات السلالم حينما يكون ( المصعد ) لا يعمل ، نظراته المختلسه لجسدى ،
وجسده المتعرق المرتعش ، يخرج منديلة المعطوب المذركش بخوط زرقاء كلما توتر ويمسح
عرقه المتصبب من جبهته الصلعاء ، كان دائما ما يعرض على المساعدة اذا ما كنت احمل
عدة حقائب ،وفى محاولة منه اخيرة يده لامست يدى .. سرت فى جسدى رعشة لم اشعر بها
سوى فى لياليا الباردة ، تسقط حقائبى ارضا، فيساعدنى فى جمع محتواها ، فألتصق
بجدار المصعد مرتعشة .. وهو.. يلتصق بى .
اتذكرملامحه الوسيمة ، تلك الأبتسامة الساحرة التى جعلت
قلبى يخفق فى سرعة ، جعلتنى استسلم له حينما رحلت عنى امى منذ عقد مضى ، تلك
الأبتسامة الساحرة التى قضمت فاكهتى .. واضرمت فى جسدى النيران ، قضم فاكهتى ،وترك
فيها ديدانه العفنة حينما رحل عنى ، رحل ذلك النذل بعد ان جعل من فاكهتى ..فاكهة
معطوبة .
هى تغمز وتتمايل بجسدها ، تضع يدها على نهديها وتعض
شفتيها ، والنسوة يضحكون ، يتهامسون ، فأفتح ضلفتى النافذة .. عن اخرهما ، واطيل
النظر لها ، اخرج حمالة الصدر الحمراء ، واعلقها على المنشر ، واعلق منديل معطوب
مزركش بخطوط زرقاء .. بجانبه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق