2016/03/18

قراءة في كتاب ظاهرة العنف في الخطاب الروائي العربي للكاتب عزت عمر بقلم: رولا حسينات

قراءة في كتاب ظاهرة العنف في الخطاب الروائي العربي للكاتب عزت عمر
بقلم: رولا حسينات
لقد وقع بين يدي كتاب اقتادني بأسلوبه الشيق من البداية إلى النهاية، وهو كتاب قد صدر حديثا عن مجلة دبي الثقافية مع عدد مجلتها 118، وقد ابتدأ الكاتب عزت عمر بما أقتبسه:" أن ظاهرة العنف كانت بمثابة بنية أساسية فاعلة في تاريخ البشرية، وأن الباحث في هذا المبحث لا بد لنا من العودة إلى ( الميثولوجيا)، أو ما نسميه بالجذور السردية الأولى، التي انبتت عليها ملحمة الخلق الإنساني، لكي يربط بين تمثلات العنف فيها وبين السرديات المعاصرة." وهو صراع الإنسان منذ قابيل وهابيل وصراع الحضارات كالبابلية والأشورية والنضال ضد الاستعمار لممالك البشرية ومقدراتها، والسيّر التي تشابهت والأساطير كسيرة أبي زيد الهلالي والملاحم التاريخية كالأوديسة والإلياذة وغيرها، ولم تكن الثقافة العربية ببعيدة عن موجة الصراعات بل حافلة بكثير من موجاتها على مدار الزمن، وامتدت لتوجد تضادية في الديمغرافية التي أوجدت صيغ جديدة كالتسامح والسلام، في أزمان اجتمعت قوى العنف على اعتبار السلطة هي المحصلة لكافة أشكال الحرية، وإن كانت الروح جزءا منها، ليتطور المشهد بتضادية الصراع بين العقل والقلب ليصيغ أشكالا مشوهة وأشبه بالمسخ من الشخصيات. العنف الذي بات واضحا في الروايات العربية هو العنف الاجتماعي، ولم يتطرق للعنف السياسي وقد تناول الكاتب دعمه لصيغ إثباته، لنص العنف من خلال دراسة أسلوبيته في الروايات العربية، فابتدأ برواية (يالو) لإلياس خوري، و التي تناولت العنف السياسي والحرب الأهلية اللبنانية، حرب الميليشيات والشوارع في بيروت، وضحاياها من جراء النزاع الطائفي والقهر، تمثلت في الطفل (يالو) المسكون بالحكايات، وفي رواية" العنف والسخرية" للكاتب المصري ألبير قصيري بإدانة النظام الثوري، الذي قضى على الحكم الملكي وما تأثر به الشارع المصري من اعتقالات وقوانين جائرة. لقد قدم لنا الكاتب بأسلوبه النقدي العديد من الروايات التي واجهت العنف بكافة صوره والتي تنوعت بمهارات روائية تعددية، ولم يفاضل الكاتب في نقده بين المشهد الروائي النسائي والرجالي، بل ثمن الوجود النسائي الذي وقف على احتراز من القيم المجتمية المتحررة وآثرن إضفاءها بطريقة سلسة واقعية، كدور المرأة الهائمة أو المقيدة أو الرغبة الكامنة في التحرر من القيد الذكوري بسياسة مجتمعية قاسية. وقد وقف الكاتب عند ميثولوجيا المرأة كشخصية محورية في الكثير من الروايات برمزيات الصورة، ومنها القيود كالثياب والنظرات الأحاديث، بل في الصورة المرأة التي تفاضل بين الذكورة والأنوثة على اعتبار أن الذكورة هي أساس الوجود والكرامة والشرف، وأن التهلكة والجحيم للوجود الأنثوي. وقد بث الكاتب إيقاع التمازج في الصراع وتحريره من صورة الرجل والمرأة ليرقى إلى مستوى النضال المشترك، ضد الهيمنة الاستعمارية، وبأسلوبه الإثرائي في الرواية العربية وأبرز مفهوم الخطيئة والعقاب، ورغبة الرجل في منح المرأة القليل من مفردات الحرية، التي لم يتمكن البطل في الكثير من الروايات نيل ولو جزء منها، على الرغم من كونه ذكرا بحصانة الذكورة، كرواية "طوق الاحلام" لمحمد شويحنة. ببساطة لقد مكنني الكاتب من الرقي بحسي القرائي المجرد إلى استبصار البنيوية الروائية وتحليلها السردية بقيمة فنية مرتفعة، حيث تمكن الكاتب من مفصلتها من حيث الدلالة، العنوان والنرسيسية، ورمزية الخروج وتعدد الحبكات والرواة، ثم درس الرواية العربية في الوجود الصهيوني على الأرض العربية، وبعث الوجود الثوري المشخص بالمرأة ملازمة للرجل والكفاح المسلح في رواية "رجال تحت الشمس" لغسان كنفاني. وإن تعددت الروايات برمزية حواراتها، لكنها مجتمعة أوجدت النمط الأوحد للعنف الذكوري في الوصية المجتمعية أو الجنسية أو التقويمية على المرأة، ككائن مضطهد خال من الحقوق، عليه فقط التبعية لرمزية السطوة والسلطة المتمثلة بالرجل، ليكتمل المشهد بالعنف السياسي الثوري ضد الاستعمار والوجود الصهيوني على اعتبارية الخروج من نطاق العنف الداخلي ورصده ضد العنف القهري الذي بسط سطوته على المجتمع العربي ككل. وعلينا في النهاية أن نثمن هكذا إصدارات ورقية تفيد فيها مجلة دبي الثقافية القارئ العربي وترقى بذائقته وحسه الفني والأدبي على حد سواء.

ليست هناك تعليقات: