خلف
بقلم: عبدالقادر صيد
تعالوا معي إلى السوق لتتفرجوا فقط ، فأنا
متأكد من أنكم لن تندموا على هذه الجولة ، لا تفعلوا شيئا ، و سترون كيف أهيمن على
كل شيء ، آه نسيت أن أعرّفكم بنفسي ؛ أنا من أسرة الواحد ،و لكي لا تذهبوا بعيدا
في التأويلات ، فأسرتنا منذ زمن بعيد ، الذكور منها لا ينجبون إلا ذكرا واحدا
تتجمع فيه قوى ألف رجل ، لذلك تراني لا أبالي بأي أحد في هذه الحارة ، ينادونني
(البغل) ، لا يؤذيني هذا الاسم ،فأنا آخذ منه جانب القوة ، و أدع لهم الذكاء، بيني
و بينكم و لا أحد من أجدادي يعرف القراءة أو الكتابة ، و
لا حتى الحساب ، لكننا توارثنا هذه السلطة على السوق ،لن أتواضع ، فلطالما جنى
التواضع على أصحابه، تقول جدتي بأن بذورنا الأولى من الملوك ، لكننا ما ورثنا منهم
إلا الموائد العامرة و الراحة طول النهار. قد تسألون عن مهنتي ، لا مهنة لي سوى
القوة ، أتذكر عندما كنت صغيرا كيف ثار بعض تجار السوق علينا ، كان يوما كبيرا و
عصيبا ، أغلق جدي و أبي السوق، و أصبح كل شيء في الأرض آلة قتال ، في نهاية اليوم
انصاع الكل لنفوذ عائلة الواحد.
أقف الآن أمام تاجر الخضر ،أكتفي بالإشارة إلى النوع الذي أرغب فيه ، محددا العدد بأصابعي ، فينفذ ، لكنه هذه المرة على غير عادته يزن السلعة بنوع من التأفف ، لا شك أنه متعب ، أو أنه يريد حفر قبره بيديه ،لا يهمّني أمره ، ربما أزعجته زوجته ، أو اكتشفت خيانته ، فهو ينفق ما يربحه نهارا على الفاسقات اللواتي يزرنه بحجة التبضع ليضربن معه المواعيد الليلية ، أيضا اليوم على غير العادة أحس بنوع من الإزعاج من الزبائن ، إنهم يحاصرونني ، بعضهم يصطدم بي عنوة ، لكن الكبير يبقى كبيرا ،لن أتنازل من برجي العاتي لأشتم هؤلاء الصعاليك ، فلربما يكونون جددا على السوق ، سيحذرهم القدامى من بطشي ، علمتني الحياة هنا التريث..
ما بال هذا البائع يمسك بضاعتي عنده و يحسبها ؟! لا شك أنه قد أصابه مسّ من الجن ،إنه الآن يتلفظ بعبارات مهينة ، يقول :
ــ السلعة بألف و عشرين دينارا..
ــ كرر ما قلت ، لم أسمع جيدا..
ــ لن أكرّر ، فليس لدي الوقت ، غيرك ينتظر دوره ..
ــ يبدو أنك لا تحب أن ترجع إلى أولادك !
يا إلهي ، لا أصدق ما أسمعه ، رواد السوق يصرخون في وجهي ، لأترك لهم المكان ، سيرون ، و سأبرهن لكم أنتم أيضا عن بأسي ، إنني أضم أصابعي لأهيئ لكمتي الجبارة المرهوبة من الجميع ، أرفع يدي ، رحلة طويلة حتى تصل إلى وجه البائع ، لا شك أنه قد سقط ، ماذا يحدث ؟ يا إلهي ..ضربتي لا تصله؟! أتلقى صفعة على وجهي ،بالكاد أنهض ، الآن فقط تذكرت أنني بلغت الثمانين ، لكن هل بلغتها اليوم ؟ الأكيد لا ، فما الجديد ؟السبب أنني دفنت ابني أمس ، انتهت أسرة الواحد، يا ويلكم من الأوباش..احذروا ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق