2016/09/18

أشياء مؤجلة.. قصة قصيرة بقلم: د.وفاء الحكيم



أشياء مؤجلة
بقلم: د.وفاء الحكيم
أنت من يطلبني الآن على الهاتف... دقات قلبي تبتسم ، تتراقص ، تراهنني بأنه ربما تكون أنت بنسبة مائة في المائة .  يأتيني صوتك مغايرا كأنه عود حطب جاف فلا تحاول إقناعي – بثرثرة - أنك لم تعد تحزن. أسمع كلماتك المتأرجحة بين دخان سجائرك ، وسلك الهاتف // وحشتينى .. ربما لم تعد تمارس طقوس الحزن الفجة، لكن لم تعد تحزن ... أشك كثيرا!!!
أنفلت من دخانك المتكاثف على سلك الهاتف ، وأختبئ بوجهي في آخر مرة حادثتني بها.  وقتها فاجأتك جرأتي المتوثبة // أنا أعشق حزنك..  لحظتها تملكك الصمت ، ولم تستطع إقناعي بأن العشق يتجه بحتميته نحو هدف واحد!! ألم يتجرأ عشقي ولو مرة واحدة ليلمس تلك المنطقة حول حرف العين ، وأقوم بلا حياء أنثوي بعد تلك الخطوط . أراهنك بأن عدد الخطوط أصبح مابين ثلاثة عشر إلى خمسة عشر فالخطوط تتوالد حول حزنك بمعدلات متساوية .  أعلم مسبقا لمَ تعاود الاتصال بى في هذه اللحظة فأناوشك بسؤالي المباغت // كم يبلغ عمرك الآن؟؟ ترد ضاحكا ابلغ الأربعين بعد عدة ساعات ... ترميها بلامبالاة ككرة النار في ملعب عمري.
احترسي يا صغيرتي "الأربعين" قنبلة موقوتة على وشك الانفجار.  فأتساءل بيني، وبين نفسي لمَ كل الأشياء مؤجلة إلى وقت لاحق ؟! لمَ نؤجل دائما زمن المواجه ، وحتمية الاختيار إلى وقت لاحق ؟! أم ترانا اعتدنا أن نربت على سطح الأشياء المتوترة ، وأبدا لا نهدد بشد الفتيل في أي لحظة .
/أستفعلين!!
/أتغرينى ، أم تحذريني؟؟
ما أقسى العلاقة عندما يكون تراكم الأيام "ثالثهما" وأقسى  الأشياء00 هو ممارسة التوجس بين ثلاثتنا في محاولة لرمي الكرة خارج دائرة الأيام الرتيبة ، بالرغم من اعترافي الكامل بعدم رغبتي في تحريك الأشياء . فكل الأشياء مؤجلة0لكنها الأيام تعطيني إحساسا بأنني مراقبة حتى النخاع. تواصل الصمت على الهاتف،  لا نسمع سوى دقات قلوبنا ، وأنا أرتشف الشاي على مهل ربما قطرات منه تبلل عود الحطب .
لك عالمي الصغير بتفاصيله المرهقة ، ولي عالمك بكل مترادفاته اليومية.  لك عمري المتوثب، ولي سنواتك الماضية أحفظها ككتاب مبهم.  لك حزنك ،ولي قدرتي على استفزاز دمعك.
تواعدني ككل عام على لقاء وتعطيني حق الاختيار لأحدد الزمان ، والمكان،  وأنا أتواطأ مع نفسي لأحدد لك نفس الزمان، ونفس المكان.
التكرار دائرة تجرف معها كل أزمات الحزن المبهج، ولا يتبقى سوى ملل الدوران.
أتنهد، وأنا أعبث بسلك الهاتف، وأتخيل نفسي في نفس الزمن، ونفس المكان حتى نفس الإيماءات، ونفس الخجل ، والشوق الباهت.
لكنني وأنا أغلق الهاتف- تواجهني حقيقتنا الغير قابلة للتأجيل- فأنا لم أكن في حياتك سوى متعة للروح – رخيصة أسكبت فيها حزنك، ولم تكتوي بالندم منها لحظة.  فمتى سأجابهك بأنني – مللت – حتى الدوران في فلك حزنك.
ولمَ لا أمد يدي الصغيرتين لأشد فتيل الأشياء –بنزق طفولي - وأعتذر إن علا صوت الانفجار... وأقسم باكية بأنني لن أفعل ذلك مرة أخرى .
حتى لا تسقط في حزن – أعشقك كثيرا – حين يواتيك0 لكنك لن تتخذه بعد الآن غطاءً كثيفاً تؤجل به لحظة اشتعالك في ...  فربما ندخل في مفارق طرق ، أو نتوه في صحراء  نبحث فيها عن بئر للماء لم نتذوق أبدا طعمه في لحظة سابقة .