وفد من اتحاد الكتاب ببسكرة
( الجزائر ) يزور الشاعر الكبير
أبي القاسم خمّار
بقلم:
عبد الله لالي
لقاء طالما تشوّقت إليه وشاعر
كبير قريب الدّار إلا أنّ الظروف أبعدت
المزار ، إنّه صاحب (مذكّرات نسّاي ) الشاعر الكبير المعروف ورئيس اتحاد الكتّاب
الجزائريين لفترتين ، الرّجل ذو الروح الخفيفة والنكتة القريبة ، والقلب
الكبير ، نزيل ( قدّاشة ) البسكرية أبو
القاسم خمّار صاحب السّادسة والثمانين ربيعا..
عَلَمٌ يشار إليه بالبنان لكنّه
في تواضع السّنبلة المثقلة ، والأرض التي تُخرج الخِبءَ الثمين ، بإذن ربّها..
زرناه لنتبرّك بأدبه ولنتمسّح بأعطاف شعره
، عساه يشفع لنا في زكاة الإبداع وخصوبة العطاء الأدبي، ولنقبض قبضة من أثر جيل الكبار المؤسّسين.
كان الوفد مكوّنا من عصبة مولعة
بالأدب والبحث العلمي والتاريخي ، شَغِفَة بالشعر وشجونه ، والكتابة وشؤونها ،
الشاعر شارف عامر عرّاب القصيدة العموديّة في بسكرة وحارسها الوفي ، وشحرور
الزيبان الشاعر المهندس الأخضر رحموني ( موسوعة بسكرة الثقافية وديوانها المتنقل)
، الشاعر ( المفتّش ) والقاص النّابغة الأستاذ عبد القادر صيد ، والأستاذ عبد
القادر بومعزة الباحث في التاريخ، عبد المجيد شريفي مثقف ومحبّ للأدب، وصاحب هذه
الأسطار مع ابني أحمد شكيب (أرسلان ) ، وقاد هذا الوفد ميمّمًا قداشةَ المباركةَ ! ؛ الرّوائي والقاص الأستاذ محمّد
الكامل بن زيد رئيس اتحاد الكتّاب الجزائريين فرع ولاية بسكرة ، ونحلة الثقافة في
بلدية بسكرة الأستاذ صلاح جودي.
لقينا في بيته ببشاشة وحفاوة بالغة ، وكان إلى جانبه ابن
أخيه الرّجل المهذّب المثقّف قيس خمّار ، وجلسنا حوله في شغف نتطلّع إلى كلّ كلمة
تخرج من فيه ، فندسّها في الصّدور كما تخبأ الماسات والجواهر في حرز مكين ، وقد
بدأنا بطُرَفِه التي عرف بها ، إذ قال :
" أنا في الشيخوخة .. ومن كان في الشيخوخة حُرِمَ
الشخشوخة " أو كما قال بارك الله لنا في عمره وأدبه. وتشعّب بنا الحديث في
شؤون الأدب المتشابكة. وأوّل ما ذكر في الحديث مجلّة ( ألوان ) التي كان رئيس
تحريرها وكان يحرّر افتتاحيتها
، ويكتب مقالا ساخرا تحت عنوان ( مذكرات
نسّاي ) كما كان يُعدّ ركن ( مطارق ) وهو ركن لطيف للغاية ، وكان معه
في المجلّة الشاعر عمر البرناوي رحمه الله تعالى .وعندما سألناه عن مذكرات ( نسّاي
) هل طبعت في كتاب أم لا ، قال أنّه حاول جمعها ، لكن ضاعت منه أعداد مجلّة (
ألوان ) التي كانت تنشر بها ، فقال له الأستاذ الأخضر رحموني ، لقد طبعت في مجلدين
حسب علمي ، فقال الأستاذ أبو القاسم خمّار : بل طبعت في أربع مجلدات ، فقال له
الأستاذ الأخضر: عندي معظم أعدادها سأزوّدك بها ، وقال الأستاذ عبد القادر بومعزة
عندي أربعون عددا منها. هي تحت تصرّفك نصوّر لك ما تريد منها ، وشكا لنا الشاعر من
كثرة ما ارتكبته المطابع من أخطاء فادحة في دواوينه.. !
كان الأستاذ الأخضر رحموني يستثير قريحته بأسئلته
الدقيقة ، ويفتح له مغاليق الحديث ، فذكر حياته ودراسته في دمشق وحلب بالخصوص ، وكيف
قضى فيها أربع سنوات ، إذ حصل فيها على شهادة تعادل شهادة البكالوريا اليوم ، ونشر
في صحفها كثيرا من شعره ومقالاته ، كما اشتغل بشكل رسمي في صحيفة تشرين التي كانت
تصدر في دمشق ، وأثنى على السوريين وقال أنّهم أصحاب حضارة ، وظهر أثر تلك الحضارة
في أخلاقهم ، فكانوا في صحيفة تشرين لا يسأل عمّا يكتب أبدا ، كرما منهم ورفعة
خلق.
سألته إن كان كتب مذكراته فقال أنّه لم يجد الوقت الكافي
لكتابتها ، وهنا كانت المفاجأة والكرم الحاتمي من قبل الأستاذ محمّد الكامل بن زيد
إذ اقترح عليه أن يتفرغ للسماع منه ( كاتب هذا المقال) في خمسة جلسات ويكتب ما
يسمع منه من مذكراته ، وستقوم دار علي بن زيد للطباعة والنشر بالتعاون مع اتحاد
الكتاب ولجنة الحفلات بطباعة هذه المذكرات ، فقال الشاعر الكبير: إن شاء الله
نتمنى ذلك.
وساد الجلسة روح النكتة والطرفة ، فقد قال الشاعر أنّه
بدأ يعاني من ( الزهايمر ) ، فقال له الأستاذ عبد القادر صيد : كلّنا نعاني منه ،
فقال الشاعر على الفور:
-
إذن نؤسس جمعية نسميها جمعية الزهايمر.. !
وكانت طرفة رائعة جاءت على البديهة ضحك لها الجميع ،
وبعثت في الجلسة سرورا ومرحا رائعا.
وكنّا كلما ذكرنا عَلَما من أعلام الأدب والشعر في بسكرة
إلا ويقول :
ذلك صديقي وكانت بيني وبنه مودّة وكان يزورني في بيتي في
( قداشة ). وقال عن محمّد العيد أنّه كان معتزلا الناس منقبضا عن مخالطتهم ، إلا
أنّه كان يزوره في بيته ويقضي معه أوقاتا ممتعة ، وقد مدحه بقصيدة ، يوليه فيها إمارة
الشعر ويسلمه لواءه ( كما أوضح رحموني خلال الحديث ) ، ويقول في مطلعها:
أبا قاسم من خمرة الشعر فاستقِ * * فأنتَ بها لا خمرة
الكَرْم خمّارُ
وفي ختامها يقول:
وقم بفروض الشّعر عنّي فإنّني * * كبرت وعاقتني عن الشعر
أعذارُ
وبعد جلسة ثقافية دامت حوالي ساعة ونصف ، استأذنا في المغادرة
خشية الإثقال على الشاعر أبي القاسم خمّار وإرهاقه ، فقال لنا:
-
لا أبدا ..لقد كانت هذه الجلسة أسعد جلسة لي منذ قدمت بسكرة ( الشاعر يقيم
في العاصمة منذ سنوات طويلة ).
والتقطنا معه بعض الصور للذكرى ، ثمّ انصرفنا ثملين
ثقافة وفكرا وأدبا رشه بالطيب على قلوبنا ، صاحب قلم ( مذكرات نسّاي ) التي نشأ
على أسلوبها وسَنَنِها جيل كامل من الشباب ، كثيرون منهم اليوم هم من أرباب القلم
والإبداع.. !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق