2018/01/17

"الطريقة النِرْمِينِية " قصة بقلم: عبدالعزيز دياب



الطريقة النِرْمِينِية
عبدالعزيز دياب

نسبة إلى الأستاذة "نرمين مَرْعَشْلي" أعلنت وسائل الدعاية: الملصقات بالشوارع. الجرائد. المجلات. القنوات الأرضية والفضائية، عن انتظار صدور التحفة النادرة، والجوهرة الآسرة، الفيض الغامر، والعلم النادر، ألا وهو كتاب "الطريقة النرمينية" لمؤلفته الأستاذة القديرة، الفقيهة المتفقهة، الواعدة الرائدة "نرمين مَرْعَشْلى".
كل وسيلة من وسائل الدعاية تفننت في طرح إعلانها عن الكتاب، جميعها وضعت غلافًا مُتَخَيَّلا، كل على طريقته وحسب توقعاته، فلم يكن قد تم طباعة الكتاب بعد، فهذا مكتب "ضرغام" للدعاية والإعلان قام بعمل تصميمًا متخيلا للغلاف، يضم صورة شاب يمسك بكفى حبيبته وهما يقفزان من فوق بناية عالية.
أما جريدة "الصباح" قدمت صورة غلاف مقترح قامت بتصميمه كنوع من الدعاية للكتاب عبارة عن امرأة تقوم بدق زوجها في الهون بكل قوة وشراسة، كان الغلاف معبرًا وموحيًا، فيه الكثير من الطرافة، بل فيه الكثير من الغرابة، خاصة وأن الزوج كانت ملامحه وهو في الهون تحمل مزيجًا ما بين الرعب والسعادة، ما بين الدهشة والانكسار.
   وكان تصميم قناة (MMM) لغلاف قامت بعرضه على شاشتها أكثر فنية، فكانت صورته عبارة زوج طيرته نفخة زوجته في الفضاء بعيدًا عنها متضائلا تبحث كفاه عن شيء وهمى لتقبض عليه.
حملة الدعاية المكثفة عصفت بالجمهور عصفًا، وفى استطلاع للرأي قالت سيدة كانت تمشى في طريق كورنيش النيل: حتما يستحدث كتاب الطريقة النرمينية عن الطريقة المثالية لامتصاص غضب الزوج، قالت ذلك ولَعَّبَتْ شفتيها المضمومتين إلى اليمين وإلى اليسار، كأنها تقول ليس هناك زوجة واحدة على ظهر الأرض تستطيع أن تمتص غضب زوجها.
وتحدث عن الكتاب رجل كان يجلس في مقهى شعبي، وصف نفسه بأنه خبير في هذا النوع من الكتب بأن الكتاب حسب الحملة الإعلانية التي كُرّسَتْ له حتما سيكون موضوعه هو الإجابة على السؤال: هل يستطيع الرجل الشرقي التخلي عن نظرته الذكورية؟
وفى هذا المقام، نسوق بعض آراء الجمهور التي قام بعرضها تقرير معهدSMS)) للدراسات الاجتماعية عن كتاب "الطريقة النرمينية "كالآتى:
   هي الطريقة التقليدية لعمل فطيرة بشرائح الموز.
   الطريقة المثالية لقصات شعر عصرية.
   الطريقة المهذبة للتخلص من خصومك.
الطريقة التي تجعلك جذابًا ومحبوبًا من الجنس الآخر.
   الطريقة التي تستطيع من خلالها تحقيق ثراء عاجلا.
   ..............
الخلاصة أنه لم يكن هناك قولا حاسمًا حول موضوع الكتاب، لكنني قلت عن الكتاب، عندما استضافنى برنامج الإذاعة المدرسية، أنها الطريقة المبتكرة التي يستطيع خلالها مدرس فلسفة مثلى الإجابة على سؤال طلابه عن الطريقة النرمينية في لقائه بهم خلال الإذاعة المدرسية.
   ضحك طلاب المدرسة ولم يفهموا معنى أن يتحدث الإنسان عن كتاب لم ينشر بعد، فقط عنوانه هو كل ما هو معروف عنه.
   بدأت الضجة حول كتاب "الطريقة النرمينية" تخفت قليلا، رغم الانتظار الممل لصدور الكتاب..فقد الكثيرون الأمل، ولم أكن أتوقع أثناءجولتيلشراء بعض الكتب، أنني سأجد أمامي كتابًا يحمل نفس العنوان: الطريقة النرمينية، لنفس مؤلفته: نرمين مَرْعَشْلى، سارعت واشتريته على الفور، ولأنني كنت مزدحمًا بمهام كثيرة، أجَّلْت تصفحه إلى ما بعد أن أصل إلى البيت، الغريب أنني في طريقي وقعت تحت مشاعر غريبة لا أعرف كنهها،تارة كنت أشعر أن الكتاب خفيف ليس له أي وزن، وتارة أشعر بثقله الشديد.
عندما وصلت إلى البيت، وقفت في الشرفة، وبدأت في تصفح الكتاب هالني ما رأيت: كانت كل صفحاته بيضاء بما تحمله من كل سوء: بصمات لأصابع وأكف ملوثة، بقع لألوان مختلفة تكتنف العديد من صفحات الكتاب، حشرات محنطة ليس على طرقة طلاب المرحلة الثانوية، إنما سوء حظها أوقها بين دفتي الكتاب قبل أن تغلقها كَفَّانِ مجهولتان.
ندمت على الجنيهات التي دفعتها ثمنا له، شعرت وأنا أطوحه إلى الفضاء، أن قوة ما غير مرئية تطوحه معي لينفلت، يوغل، يسافر بعيدًا.. بعيدًا حتى صار نقطة صغيرة بالكاد استطيع أن رؤيتها.



ليست هناك تعليقات: