2018/01/17

"ضرورة الساكسفون " قصة بقلم: عبدالعزيز دياب



ضرورة الساكسفون
عبدالعزيز دياب
قبل أن يمزقوا جسدي كنت أتمايل بالساكسفون في رشاقة، أتمايل ويخر النغم شرسًا. طازجًا. ثملا، أمضى مسحورًا بآلتي الموسيقية وأستند بظهري إلى جدار.
لماذا إذًا يسخر البعض منى عندما ألفظ بهذا الاسم: ساكس. ساكس. ساكسفون، رغم أن الحشد الراقص أمامي من فرط البهجة لم يكن يبيت ليلته، السفهاء أنكروا ذلك وتربصوا بي... الليل غطاء المجرمين، الكلاب التي تعوي أسكتوها بسم قاتل، حمله واحد منهم يقطن بحي دير الألومونيوم، وزعه عليها دون أن يظلم منها أحدًا، لمبات الكهرباء أطفأوا وهجها برمي اثنى عشر زوجًا من الحجارة، أصابوها ولم يفر من حولها الشيطان.
لم يكن بالحي أحد، وكانت بأيديهم كل أدوات القتل، ذكروا اسم الله  ومزقوا جسدي، لاأتذكر ماذا فعلوا بكفي التي تشبثت بالساكس، كان ينبغي أن أعرف ما سيصير إليه أمري عندما أهتف بهذا الاسم: ساكس.....
خطفوا الساكس وانطلقوا فرحين، لم تمض عليهم سوى ليلة واحدة عندما فاجأتهم، كانوا يرقصون رقصات برية هناك خلف البيوت في ساحة واسعة، لهم أناشيد تشبه تلك التي كان يرتلها الكفار وهم يطوفون حول الكعبة في فيلم "فجر الإسلام"
كانت ألعابهم حول الساكس مجنونة، يشجون رءوس بعضهم البعض، يهتفون: الدم. الدم، يشعلون فتيل حروب صغيرة، يتبارزون، وعندما يبصق الليل عليهم مشمئزًا يبولون على الساكسوهم يلعقون الدم الذي ينز من جراحهم.    
الناس الذين خرجوا من بيوتهم بوجوه متعبة تذكروا أشلائي المتناثرة هناك، شاهدوا الساكس في يدي، أشرت بأصبعي إليه دون أن أنبس، قهقهوا، وقاموا بتوبيخ من ادعى أنه ليس آله حقيقية، وأن الفراغ الذي على هيئة ذلك الساكس ما هو إلا نوع من المزاح.
خطفوا منى الساكس، وكنت أركض في الشوارع والأزقة، في الخلاء أعبر وراءهم الغيطان، والزرع الكثيف، والترع والمصارف، والبحار، أتجاوز البلاد والعباد، العزب والكفور، بعد استراحتي أخبروني أنني عزفت للعيال ما جادت به قريحتي، حاولت أن أتذكر، لكنهم عندما سألوني قلت لهم اسمه ساكسفون، واسم الدلع ساكس.
رضيت أن أركب على ظهر عربة كارو، إلى جوار زكائب الباذنجان والكوسة والفلفل، الجوز الخيل والعربية، بل كان حصانًا واحدًا، بالأحرى هو بغل، بغل لايعرف شيئًا عن المزيكا، تدلقنىالكاروإلى الخلف عندما يَفِزْ البغل فجأة، وإلى الأمام عندما يشد العربجي اللجام:
   "هِسْ. هِسْ......."
لماذا أوقفت البغل أيها العربجي، لاتخشى على زكائب الفلفل والباذنجان والكوسة، أنا في حراستها مادام البغل يخطو وراء من مزقوا جسدي، تحدث كأنه يطحن زكيبة قمح: سَمَّعْنَا حاجه يا أستاذ.
   "تقصد الساكس؟"
   "هوا اسمه ساكس، طب سمعنا شوية عاالساكس"
تأملته بنظرات دَهِشة، انتبهت، لعل العربجيهو الآخر يرى الساكسفون في يدي هذه اللحظة، تفلسف وهو يضحك ضحكة خشنة:
"من أجل أن يعدي ذلك النهار"، وحث البغل على المسير.
   هل كان ينبغي علىَّ أن أخبره أن الساكس ليس معي، وأنهم خطفوه منى، بدأت أعزف كأنالساكس بين يديَّ، كان النغم حلوًا وطازجًا سمعته بنفسي وسمعه العربجي الذي تمايل منتشيًا، وسمعت شيئًا يخرفش في حنجرته:
   " سمعنا تانىيا أستاذ....."
لن أسْمِعَكَ أيها العربجي حتى تخبرني لماذا يسخرون منى عندما ألفظ بهذا الاسم: " ساكس......"، لن أسْمِعَكَحتى تطوح زكائب الباذنجان والكوسة والفلفل للآكلين، وتكون خالصًا لي أنت وعربتك الكارو، حتى أستطيع اللحاق بمن مزقوا جسدي وخطفوا منى الساكس، هل يفهمني العربجي لو حدثته عن أحد أفلام الرسوم المتحركة:
   "يبدأ الفيلم عندما ينفلت "ساكس"في رشاقة من جوارصاحبه الذي يغط في النوم، يذهب إلى المرضى في المصحات النفسية، يمشى على مؤخرته، ينبت له ساقان رشيقان وذراعان، يرقص رقصة غجرية وسط عشرات الطبول الغليظة بين المجانين فينتبهوا.
شخشخت حنجرة العربجي وهو يتمتم، عرفت أنني يجب أن أعيد العزف على الساكس، لا ينبغي أن أخبره أنه ساكس وهمي بين يدي، هذه اللحظة استطيع أن أكمل حديثي عن الساكس في فيلم الرسوم المتحركة: يسافر الساكس إلى بلاد بعيدة، بلاد تنطق الشين سين، والقاف جيم، حتى يلتقي بقوم نفوسهم خَرِبَة، فيرقص الساكس رقصته الغجرية، يخر منه النغم، يظل يرقص ويرقص...، .....،لايكف عن الرقص والغناء إلا بعد أن يعودوا أشخاصًا صالحين للحياة، لايسخرون من أي واحد يلفظ بهذا الاسم: ساكس....
لا أعرف هل كان هناك في المكان الذي مزقوا فيه جسديواحد غيري ذكرلهم كل أسماء الساكس. مكان وتاريخ مولده، وأول معزوفة له، هل كان هناك واحد غيري لوح بكل هذه الأشياء، حين كانت أشلائيتتلقفها الطرقات في ذلك المساء، أمسكت بالساكس بين كفى جيدًا، فقطع المجرمون كفى اليمنى، وقطعوا كفى اليسرى، فأخذته بين ذراعي فقطعوهما، ثم بين عضدي، لم استطع أن أقاوم أكثر من ذلك، سقط منى على الأرض الطيبة، وفى محاولة يائسة مني أحكمت قدمي عليه، فقطعوا اليمنى واليسرى في آن......
وجدتني ذلك المساء أشلاء ممزقة، لملمني كل الذين كانوا يجلسون أمامي يستمعون إلى نغمته، ألصقوني بالجدار الذي كنت أستند إليه ورتبوا أبجديات جسدي، صرت واحدًا غيري يستند إلى الجدار ويعزف، لكنني أعتقد أنه سيأتي قوم آخرون يسخرون من ذلك الشخص الذي كان يومًا ما أنا، عندما يلفظ بهذا الاسم "ساكس. ساكس. ساكسفون ...."، يمزقون جسده إربًا.. إربًا،يخطفون منه الساكس ويركضون في أي اتجاه يشاءون.

ليست هناك تعليقات: