مواعين محفورة على ورق طباعة
شيماء عبد الناصر حارس
بانتظارها مكالمات فائتة كثيرة ورسائل تنتظر منها معلومة عن العمل المشاركة به في المعرض، وأمامها ثلاثة أطفال هم أنفسهم بانتظار الغداء، لديها منذ أمس كومة من المواعين تشبه تلك الكومة من الحزن الشفيف المعلق على قلبها منذ تخرجت من كلية الفنون الجميلة قسم حفر، تزوجت وأنجبت وراح الرسم والحفر وتعود الآن بعد أن بدأت تتنفس قليلا وكبر الأولاد وقلت مسئولياتها تجاه طفولتهم المبكرة، لديها فرصة وحيدة للجلوس والتركيز والكتابة، ولكنها ضاعت الآن بعد أن استيقظ زوجها، اليوم الجمعة ولابد من تحضير الغداء.
العلاقات تمر في البيت مثل رائحة الطبيخ حينما تظهر يعرف الجميع أنه تم تحضيره، لا أحد يقول شيئًا ولا يصح أن ينتظر أحد كي يقول الآخر شيئًا، لابد من التحرك بسرعة وأداء المهام المطلوبة من كل شخص بإتقان وفي الموعد، يضمن هذا النظام هدوءً في المنزل، هدوء عائلي وراحة نفسية للجميع إلا هي، هي التي تنظر لركنها الذي استطاعت اقتلاعه من مكونات البيت كي يغدو مرسمًا لها، كأنها تنظر إلى أحلامها وهي بائسة حزينة كفتاة راح عمرها بدون لحظة حب، تعرف أن كل شيء يمكنه الانتظار لكن المواعين لا، إنها لا تنتظر إنها مثل القطر القشاش يأخذ في طريقه كل الوقت وأي وقت، تحضير الطعام يحتاج مواعين نظيفة، والمواعين النظيفة ستتسخ بعد تحضير الطعام والأكل، دوامة لا تنتهي أبدًا، جميع الأعمال المنزلية حتى غسيل الملابس يمكنه الانتظار، وينتظر بهدوء جم ووداعة ولطف، إلا هذه، إنها ليست عبارة عن أواني للطبخ أو حلل أو كاسات لشرب الماء أو حتى أطباق، إنها عفونة تنشع في المطبخ وتمد البيت برائحتها كأنها وباء، كان لديها أيضًا فرصة بالأمس لإزالة بقايا الطعام وتنييخ الحلل حتى يذوب الملتصق بقاع الحلل أو الصواني، لكن كيف يمكنها عمل ذلك وقد كان لديها مواعيد محددة صارمة، لابد أن ترتدي ملابسها وتنزل لجلب الأطفال من أماكن دروسهم الخصوصية والمتفرقة في نواحٍ متباعدة، لو أنها تأخرت ثوانٍ حتى لا تأمن الطفل على نفسه ولا تأمن رجال تجارة الأطفال الذين يتشممون روائح الطفولة ككلاب ضالة صعرانة، آه تخيلها لصورة طفلها وهو كومة من الأعضاء المتفرقة على منضدة طبيب بدرجة جزار، أو حتى جزار يرتدي البالطو الأبيض هذه الصورة تجننها وتجعلها لا تطيق بعد الأطفال عن عينيها لثوان قليلة، خارج البيت، كابوس كبير تعيش بتفاصيله وينهش من وقتها ومن قلبها، لكنها ستظل تبتسم، وتظل تتحين أي فرصة من نوم الأولاد أو ذهابهم إلى المدرسة أو غيره لتذهب إلى ركنها الحبيب، لكن قبل ذلك عليها إنهاء المواعين والتصالح معها، هي ليست بهذا السوء الذي يمكن أن يظنه البعض، إنها أحيانًا تصبح تكوينًا فنيًا راقيًا جميلا يصلح لأن يكون محفورًا على ورق طباعة، وبطلا تتحدث عنه للصحافة كتيمة فنية تستعملها في الرسم والتشكيل الفني، إنها لا تكره المواعين، لكنها تتمنى فقط أن تصبح بهذا الجمال الذي هي عليه في اللوحة الفنية التي شاركت بها في المعرض الجماعي الأخير.
رسم: مي جمال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق