رسالة من خارج ميدان التحرير
منْ أينَ سأبدأُ يا مولاىْ ؟
من تلكَ اللحظةِ ؟
لكنْ قلْ لى كيفَ سأبدأُ منها
وَهْىَ الأعظمُ من أنْ تُستوعب فى كلماتٍ ؟
أو تُجمعُ فى قلبٍ محدودِ الفرحةِ ؟
أو تُستنشقُ فى رئةٍ ضيقةٍ ؟
أو تُحملُ فوق مجرد إحساسٍ بحياةٍ
أو محض شعورٍ بحنينْ .
تلك اللحظةُ ..
تختصرُ زماناتٍ من قبلُ ومن بعدُ
وتنشرُ من بؤرتِها كلَّ ضياءِ الأحرارِ
وكلَّ دماءِ الشهداءِ ..
وكلَّ عبير المُنتصرينْ .
تلكَ اللحظةُ ..
أعمقُ من هذا التوصيفِ الفاسدِ
للساسةِ والخبراءِ ..
وأصدقُ إنباءً من سَيْرِ التاريخِ المألوفِ ..
وأبلغُ من كلِّ الخُطبِ العصماءِ لدى الفقهاءِ المأجورينْ .
تلكَ اللحظةُ تبدأ منكَ ..
ومنكَ سأنسخُ قارعةَ الأمسِ
وأقرأ فاتحةَ التكوينْ .
يا هذا الخطّ الفاصل بين اللونين الأسود والأبيض
بين الزمنينِ القاحلِ والمُعْشوشبِ ..
يا لحظةَ الاستيقاظِ من الكابوسِ المُرعبِ
للصبحِ المُمتزج ِ بأنسام ِ الحريّةِ ..
يا أغنيةَ الشعبِ الثوريَّةَ ..
يا آخرَ ما أدركهُ الخوفُ بأفئدةِ البوساءِ
وأولُ تمتمةٍ بالفرحةِ فوقَ شفاهِ المحرومينْ .
يا مولاىَ
ومولى كلَّ الضعفاءِ التعساءِ البسطاءِ المُنتظرينْ .
أعرفُ
أنَّ الكلَّ الآنَ يحاولُ أنْ
يستنشقَ زهوَ عبيرِكَ ..
أنْ يتسلقَ فوق الجدرانِ الوهميِّةِ
كى يأخذَ معكَ الصورَ التذكاريِّةَ
أنْ يحتالَ عليكَ ليسرقَ بعضَ ضياءكَ
أعرفُ أنَّ الكلَّ الآن سينشدُ ..
لكنى لنْ أفعلَ ..
لنْ أنتهزَ الفرصةَ ـ كالباقيين ـ
وأخدعُ كلَّ المنتفضينَ
بأنَّ قصائدنا البلهاءَ لها دورٌ كانتْ ..
فى تحرير المستقبلِ من أيدى المُرتحلينَ
وأنَّ التنظيرَ هو المرشدُ للكفِّ الفاعلةِ ..
وأنَّ أناشيدَ الجبناءِ وقودُ المعتصمينْ .
لا لنْ ألبسَ هذا الثوبَ الطاهرَ
لنْ أنشدَ ـ يا مولاىَ ـ
فقدْ أثبتَّ بأنَّ الإنشادَ هباءٌ
فى طلب الحريِّةِ
أنَّ الفاعلَ كانَ هو السيّدَ بين ثغاءِ المفعولينْ .
أثبتَّ بأنَّ البرعمَ لا يعرفُ هذا الخوفَ القاطنَ
فى قلبِ الصبَّارةِ
أنَّ ( الجيلَ البايظَ ) يا أجيالَ التاريخِ المزعومِ
هنا لمْ يبصرْ هذا الوحشَ الوهمىَّ الكائنَ والتنينْ .
لنْ أتحدَّثَ عنك الآنَ
فأنتَ الأعظمُ من أىِّ حديثٍ
وأنا الأضألُ
لن أتعنترَ
فأشوّهُ هذا الحدثَ الجللَ ..
ولن أخطبَ فى المسجدِ أو أتشدقَ
لن أجلسَ فى صدر المجلسِ
فهو اللائقُ بالأبطالِ
ولنْ أخطفَ هذا السوسن من أيدى المنتفضينْ .
لكن جئتُكَ
كى تسمحَ لى أنْ أركعَ قدَّامَكَ
وأُقبّلَ أقدامَكَ
يا يومَ الخامسِ والعشرينْ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق