في اليوم الأخير لملتقى جواثى الثالث : أدب الخليج العربي في مرآة النقاد
إبراهيم منصور
تتواصل فعاليات ملتقى جواثى الثقافي في نسخته الثالثة، الذي ينظمه حالياً نادي الأحساء الأدبي لمدة يومين تحت عنوان "الحركة الأدبية المعاصرة في الخليج العربي"، في فندق الأحساء انتركونتيننتال، بالعديد من الجلسات وتقديم البحوث والشهادات الأدبية وسط تواجد كثير من المثقفين , وبدأت أولى جلسات اليوم الثاني الساعة التاسعة والنصف صباحا , وكان محورها: الخطاب النقدي. رأس الجلسة : الأستاذ الدكتور محمد رضا الشخص . المشاركون الدكتور الدكتورة سعيدة خاطر الفارسي ( عُمان ) عنوان البحث: صورة المرأة في أدب عبدالله الطائي . و أ. د زهير أحمد المنصور ( الأردن ) عنوان البحث: (ظواهر من الانزياح الأسلوبي في شعر صالح الزهراني) تحدث عن الشعر السعودي في السنوات الأخيرة الذي شهد تطورا ملموسا في الشكل والمضمون ساعد على ذلك جملة من العوامل تتمثل في الصحافة والمجلات الأدبية المتخصصة ونشوء الجامعات والروابط والأندية الأدبية ومؤتمرات الأدب التي ساهمت في دفع الحركة الأدبية في السعودية إلى مصاف الدول العربية الأخرى , لذلك نلحظ أن الأدباء في السعودية بدؤوا يحاولون مسايرة ركب الشعر العربي وتطوراته المختلفة سواء على مستوى البناء الفني للقصيدة أو البناء اللفظي . حيث ذكر الباحث أن الظاهرة الأدبية في السعودية في السنوات الأخيرة تشكلت على أسس ومعايير أدبية تنتمي هذه الأسس إلى مدرستين أولهما : المدرسة الإحيائية و ثانهما : المدرسة التجديدية , وقد تنوعت موضوعات الشعراء في هاتين المدرستين فمنهم من حاول مسايرة الشعراء العرب القدامى فبرز لديهم الشعر الإسلامي و المديح و الرثاء ومنهم من حاول التجديد في موضوعاته تبعا لتنوع تجاربهم الشعرية فبرز لديهم الشعر الوجداني الذاتي والشعر الوطني والقومي والاجتماعي وشعر الطبيعة والوصف وشعر الحضارة العربية الحديثة. وقد تميز شعراء هذه المدرسة بالحرص على إعلاء شأن العقل ومخاطبة الوجدان كما تميزوا بطول النفس و وحدة القصيدة أما المدرسة التجديدية فكان من شعرائها حسين السرحان وحسن القرشي والأمير عبدالله الفيصل , وكانوا من أتباع المدرسة الرومانسية فتميز شعرهم أنه ذات نزعة وجدانية
الدكتورة سعيدة بنت خاطر الفارسي ( صورة المرأة في أدب عبدالله الطائي ) : ذكرت أن الصورة التي نتحراها في هذه الدراسة ليست هي الصورة البيانية من تشبيه واستعارات وكنايات ومجاز كما وردت في النقد العربي القديم ، وليست هي الصورة وفق التعريفات اللغوية والنقدية الحديثة بمعنى أنها ليست تلك الصورة المتعلقة بالأدب وجماليات اللغة ، بل هي الصورة المتشكلة وفقا للرؤى الذهنية والفكرية للكاتب ، ومن ثم فإن صورة المرأة لدى كل كاتب تعني رؤية الكاتب الذهنية نحو المرأة ، ولأننا نتحدث عن أدب وأديب فإن الأمر لن يكون بهذه الحدة من التحديد والفصل إذ لابد من التداخل بين الصورتين ، لأن خطورة (الصورة ) لا تكمن في تنوع تشكيلها اللغوي ، وإنما فيhttp://www.maktoobblog.com/search?s=%D8%B5%D9%88%D8%B1%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A3%D8%A9+%D9%81%D9%8A+%D8%A7%D8%AF%D8%A8&button=&gsearch=2&utm_source=related-search-blog-2011-01-22&utm_medium=body-click&utm_campaign=related-search تعدد مستويات دلالتها، لقدرتها الفائقة، بل المذهلة ، على تجسيد وتمثيل (المـرئي - الواقعي) و(الخيالي) أيضا، أي تجسيد الوهم والغياب ) فإذا توقفنا عند مصطلح الصورة كلغة معجمية سنجد أن الصورة تعني الخلق ، والإيجاد، والتشكيل ، والتركيب ، ونلاحظ بأن هذا المعنى اللغوي لصورة المصطلح يقف عند حدود التجسيد , أي هيئة الشيء وظاهره . لكن هذا التعريف يجعلنا نقف فقط عند الصورة الملموسة لأنه يصف شكل المرأة شعرها وجهها ثغرها وهذا الرسم الخارجي ليس هو الصورة الذهنية والفكرية التي يشكلها الطائي للمرأة ، ووفق هذا المنظور لايهدف الطائي إلى رسم شكل حسي للمرأة ، بل إلى تناول واقع المرأة http://www.maktoobblog.com/search?s=صورة+المرأة+في+اد%D8%25 وتفاعلها مع حركة المجتمع ودورها http://www.maktoobblog.com/search?s=صورة+المرأة+في+اد%D8%25 في هذه الحركة سواء أكان سلبا أو إيجابا. وبناء على هذه الرؤية , سنحاول استخلاص صورة المرأة لدى الكاتب . فمن المعروف سلفا أن أديبنا الرائد صاحب منهج رؤيوي واضح ومحدد ، فهو من فئة كتاب الأدب الالتزامي ، لأنه كاتب ملتزم بقضايا وطنه وأمته بشكل خاص ، و قضايا الإنسان بشكل عام ، وأصحاب الأدب الملتزم ، عادة ينتهجون الوضوح لإيصال فكرهم ورؤاهم للآخرين كما أنه قيادي ورائد لجيل سادتْ فيه كثير من قيم الالتزام وكثير من الطموحات القومية والوطنية ، وكانت القضايا والمطالب السياسية والاجتماعية والثقافية واضحة كل الوضوح ، من هنا يسهل على الناقد والقارئ أن يضع يديه بسهوله على رؤية الكاتب تجاه جملة التصورات الذهنية التي تبلور إبداعه الغزير والمتنوع بين الشعر والقصة والرواية والنثر عبر المقالات والدراسات التي قدمها للصحافة والإذاعة ، وللمراكز الثقافية التي كان يقدم فيها جرعاته الثقافية في ذلك الوقت . إن الأديب عبدالله بن محمد الطائي لايحتاج لتعريف واستدلال لما قدمه من ثراء متميز ومتنوع على مدار سنوات حياته . لكننا ومن خلال هذه الدراسة نقف فقط عند موضوع صورة المرأة في أدبه . ومن الملاحظ أن هذه الصورة تتسم لدى الطائي بعدة سمات واضحة ويتمثل أبرز هذه السمات فيما يلي :التناغم والانسجام والتوحد و الإيجابية والمثالية , السمة الثالثة : شرعية الحب للمرأة المرأة بطلة للنص وإن تضاءل دورها في الحدث و السمة الخامسة التعليم والإبداع أبرز نماذج صور المرأة لدى الطائي تنحصر أبرز نماذج صور المرأة لدى الطائي فيما يلي
صورة الأم و صورة الزوجة و صورة الحبيبة .
الخلاصة أن صورة المرأة في أدب عبدالله الطائي هي صورة إيجابية إنسانية تحررية ، تحمل صفة اجتماعية ـ واقعية , وتؤدي المرأة دورها في http://www.maktoobblog.com/search?s=صورة+المرأة+في+اد%D8%25عملية الإنتاج الاجتماعي . وكل إنسان في http://www.maktoobblog.com/search?s=صورة+المرأة+في+اد%D8%25 المجتمع سواء أكان ذكرا أو أنثى , يأخذ أهميته فيhttp://www.maktoobblog.com/search?s=صورة+المرأة+في+اد%D8%25 المجتمع من الدور الاجتماعي الذي يقوم به ، وقد جسد الطائي - رحمه الله - رؤيته الذهنية المتجانسة الواضحة لصورة المرأة عبر نتاجه الأدبي المتنوع الثري .
بدأت الجلسة الثانية والتي رأسها الدكتور أحمد الطامي ومحورها: الخطاب النقدي / الخطاب السردي. المشاركون الدكتور جمال حسين حماد همام ( مصر ) عنوان البحث: (آفاق السرد عند الكاتبة القصصية منى الشافعي) .
أ. منى شداد المالكي ( السعودية ) عنوان البحث: من رواد الحركة الشعرية الحديثة في المملكة محمد الثبيتي نموذجًا.
الأستاذ الدكتور عبدالرزاق الحاج عبدالرحيم حسين ( الأردن ) عنوان البحث: (الرواية الإنجاز: زوار السفارات )
آفاق السرد عند منى الشافعي
المتحدث الأول الدكتور جمال حسين حماد همام ( مصر ) عنوان البحث: (آفاق السرد عند الكاتبة القصصية منى الشافعي) آفاق خصائص السرد : آفاق شكلية : حيث جمعت الكاتبة أدواتها الفنية من مصادر غنية و متنوعة مكتسبة ؛ كالقراءة المتنوعة ، والمسرح والتليفزيون والسينما والصحافة ، والتشكيل ، والاطلاع على تجارب فنية كثيرة ومتنوعة . هذا بالإضافة إلى موهبتها التي منحها الله إياها . وتتداخل آثار تلك الفنون – بعضها أو بعض خصائصها – في النص القصصي الذي تقدمه لنا " منى الشافعي " ؛ فهو نتاج العديد من خلاصة التجارب والأفكار . وليس من الغريب أن نجد الحكي / السرد إلى جوار التصوير إلى جوار التشكيل كما نُلاحظ أن النص القصصي / السردي تتجاور فيه بعض مفردات الفنون الأدبية كالشعر والحوار المسرحي والوصف الروائي أو المقال القصصي .
وأعتقد أن هذه الأشياء السابقة كلّها قد صارت مطلبًا اختياريًّا – أو أساسيًّا – داخل النص السردي / القصصي ؛ فمن متابعاتي للنتاج القصصي – لبعض الكتّاب - في الفترة الأخيرة ، أجد نصوصًا سرديّة تستخدم الإطار المتعارف عليه قصصيًّا ثم نجد التركيب السرديّ جاء في شكل قصصي / حكائي . أو أجد الخبر الصحفي / الإذاعي . أو نجد تفاصيل في وصف الشخصية أو الحدث . وكل ما سبق من مفردات نص أكبر ، هو : الرواية . والأعجب أن نجد الشكل السرديّ داخل بنية السرد الأساسيّ ( قصة / قصص داخل قصة ) .. فتتداخل كل هذه الأشكال بطريقة فنيّة معينة . كما يمكنني أن أقول : إن النصوص الأدبية / الفنية ، توّاقة إلى تبادل المصالح / المنافع فيما بينها ، فقد يحتاج السارد / الناثر إلى الشعر لكي يُسعفه للتعبير عن شيء قد تعجز عنه أدوات القصّة مثلا . وفي الكتابات النثرية التراثيّة القديمة كان كتّاب الرسائل الديوانية ميّالين إلى استخدام النص الشعري داخل بنية الرسالة ؛ وسواء أكان هذا الشعر من نظم الكاتب أو اقتباسًا من شعر غيره أو تناصًّا مع نصوص أخر .
وسوف أعرض بإيجاز لأهم الخصائص الفنية العامة التي لحظتها في المجموعات القصصية المنشورة للكاتبة .
العنوان : يعد العنوان اللبنة الأساس في أي عمل أدبي أو فنّي ، وباختياره بشكل دقيق ومناسب يكون باقي البناء ، والعنوان هو أول ما يطالعنا في جميع الأعمال الفنية المكتوبة والتشكيلية والمسرحية والموسيقية حتى المعمارية .
الإطار .. إنّ أغلب الإطارات التي جاءت في قصص منى الشافعي ، تدور في فلك واحد ، وهو أن تكون الراوية هي البطلة ؛ وهذا راجع إلى طبيعة التقمص الذي تجيده " منى الشافعي " بشكل تمثيلي ، فقد كانت تجيد تقديم الأدوار التمثيلية – وهي صغيرة – على المسرح المدرسي ، ولا ننسى ما قدمته للتليفزيون الكويتي . وكل القصص التي اعتمدت على هذا الإطار ، تقوم الراوية بالحكي / السرد بشكل عادي وطبيعي ، فتصف المناخ الذي ستدور فيه الأحداث ، وتعرض الأحداث بالشكل القصصي المعروف .
الكتابة الدرامية : تتضح طريقة الكتابة الدرامية / التمثيلية بشكل واضح في كثير من القصص التي كتبتها منى الشافعي ، وهي طريقة قريبة الشكل من السيناريو السينمائي أو التلفزيوني .
والكاتبة كثيرة الميل إلى وصف حال المتحدِّث ، وكأنها تبني سيناريو للحوار أو الحديث الفردي ؛ فعلى سبيل المثال قصة : " النخلة ...وهو " .
هذه القصة تعبر بالفعل عن حبّ الكاتبة للدراما التصويرية – يُلاحظ أنها كتبت للتليفزيون بعض الأعمال الدرامية أو شاركت في الكتابة – واعتمدت الكاتبة في هذه القصة على ثلاثة مشاهد متنوعة اللقطات .
ظاهرة التكرار تتكرر الأحداث والحكايات عند منى الشافعي ؛ نظرًا للتشابه بين الناس والشخوص والأحداث أيضًا ، وكأننا في حديث عام ؛ حين يطرح أحدهم موضوعًا ما فيثير الآخرين ، ثم يكون لأحدهم موضوع مشابه ؛ فيحكي الأحداث – أو القريب منها – التي تشبه ما حكاه الأول ، ويظهر هذا التشابه بين المتحدثين على المستوى الإنساني العادي ؛ لا القاص
الكلمات المحورية : للكلمات المحورية أثرها البارز في تشكيل آفاق السرد عند الكاتبة ، وهذه الكلمات لم توضع بطرقة عشوائية ، بل كان وراءها اختيار مناسب ، ولهدف أرادته الكاتبة ، حيث تروم الانطلاق إلى آفاق أخرى في سردها ، والانتقال من حال إلى حال ؛ أي إنها حين تستخدم كلمة محورية ما ، تنطلق منها إلى حالة سردية ، ثم تعود إلى الكلمة نفسها بتركيبها اللفظي ، لتعاود الانطلاق إلى حالة أخرى .. ومن هنا تتسم الكلمة المحورية بمدلول سردي جديد . وهناك خصائص كثيرة في الكتابة القصصية برعت الكاتبة " منى الشافعي " في استخدامها كوسائل في التشكيل البنائي للسرد والقصص .
السرد الشعري عند الثبيتي
المتحدثة الثانية الأستاذة / منى شداد المالكي عنوان البحث من رواد الحركة الشعرية الحديثة فى المملكة « محمد الثبيتى نموذجا »
لقد كان للتحول العميق في لغة الشعر في العصر الحديث دور حاسم في إرساء مفهوم جديد للشعر أفضى أن تكون هناك لغة شعرية مختلفة ، استفادت تلك اللغة من آليات وثيقة الصلة بالنثر ، مثل السرد أو استخدام تقنيات المسرح ، وقد أثبتت الممارسة الإبداعية تلاقي هذين النمطين من الخطاب ، فاستخدام السرد في الخطاب اختيار جمالي وحاجة ملحة في ظل قانون التحول والتجديد تغذى من مفهوم الشعر الخالص ، غير أن هذا الاختيار الجمالي تحدد الشعرية حجم حضوره وشكل هذا الحضور .
"السرد الشعري" ذلك النص الذي يتمتع بخاصية منطقة التقاطع النصي بين السرد بوصفه خصيصة قصصية أو روائية له تقنياته الخاصة به من الشخوص والراوي والزمان والمكان والحبكة ، وبين الشعرية بوصفها سمة أساسية في القصيدة الشعرية الغنائية بوجه الخصوص ومالها من خصائص تؤشر إلى النص بوصفه نصاً شعرياً له إيقاعه ، ووزنه ، وكثافته التعبيرية، وبعده عن الواقعية القصصية أو الروائية ، في الوقت الذي تتوفر فيه قصدية الشعر .
كما بدا الشعر الحديث أكثر قدرة على التعاطي مع متطلبات التفكير السردي ليس فقط بسبب ما يمنحه التشكيل الموسيقي فيه من حرية ولكن لأن القصيدة الحديثة استفادت من انفتاحها على الفنون الأخرى واستثمارها لتقنيات المسرح والفنون التشكيلية والسينمائية يظهر ذلك في بناء الأمكنة وتشكيل الفضاء والاسترجاعات والاستباقات والتبئير ، مثلما نجده في صناعة البطل ونفسيته إلى جانب تصعيد الصراع وتحريف المشاهد والعناية بالوصف والحوار ، فالفصل التام بين الأجناس الأدبية قد انتفى حديثاً .
وظهرالشاعر محمد الثبيتي . رائدا للحركة الشعرية الحديثة في المملكة الشعرية في فترة الثمانينيات الميلادية ، متجاوبا مع روح التجديد التي هبت على الشعر العربي الحديث ، فظهرت قصائده محملة بالنفس السردي , والذي يلزمنا عند سبر أغوار قصائده التقصي في جوهر قصيدته ، وتشكل عناصرها وفضاء مكوناتها , لنجدها تنتمي إلى نوع من السرد الذاتي ، ولتظهر تلك الشخصية الفاعلة في قصيدته داخل قالبا سرديا ومن خلال تقاطعات وثنائيات يرتفع الحدث ويتشكل السرد. ورغم قصر نصوص محمد الثبيتي إلا أن لغتها الشعرية في تمازجها مع السردي تعطي فرصة للباحث للغوص داخل تلك اللغة المحملة بكل ذلك الشجن .
فقد استنطق محمد الثبيتي الكثير من الشخصيات التاريخية والأسطورية التي تتمتع بحضور كبير في ذهن ووعي المتلقي وقد تباين تعامله مع هذه الشخصيات فمنها ما جعله قناعًا وتحدث بلسانه كـ(عرّاف الرمال) ومنها ما ظل يسير بموازاة صوت الشاعر مثل (البابلي) ، فالثبيتي صانع شخصيات تميزت بالثراء من حيث إنها شكلت محركاً للرؤية .
وتعامل الثبيتي مع الشخصيات كعنصر رئيس من عناصر التشكيل السردي داخل النص الشعري من خلال تشظيها في الأسطورة ، فلا تغدو شخصيات تأريخية ، بقدر ما هي شخصيات أسطورية تتلبس الدلالات من خلال النص مثل : عنترة ، معن بن زائدة، حاتم الطائي ، سليك بن السليكة ، البابلي ، الفرس، القرين ، فشخصيات محمد الثبيتي غامضة ومرهقة عند قراءتها ، والنص هو مفتاح الشخصية لديه والتي يتعامل معها بارتباط غير مألوف ليتحول إلى صانع أساطير جديدة ، ولينتج كائنات تفاجئنا حقائقها الشعرية ، وإن كنا لانجهل أسماءها وملامحها التأريخية .
كما نلمس علاقة ( الثبيتي ) بالمكان وارتباطه بالزمان الماضي كعناصر أصيلة من مكونات السرد داخل نصه ، فهو يستحضر الشعري المرتبط بالشعرية العربية القديمة عبر الشخوص أمثال / السليك ، عبلة ، حاتم بن طي ، البسوس ، وذلك في ما يشبه رفض للزمن الحالي ( الزمن العربي المنكسر ) ، فقد قامت تجربة الثبيتي الشعرية على الرغبة في التغيير بدءاً من ديوانه الأول ( عاشقة الزمن الوردي ) .
وبدا "الصراع الداخلي" في نفس الشاعر واضحًا جليًّا داخل تجربته الشعرية ، فالشاعر يتوق للحرية ، والتفرد ، مع أنه محكوم بطريقة ما بالتواصل الاجتماعي ، الذي يسلب منه جزءاً من هذه الحرية ، أو أنه يتعرض لمضايقات نتيجة فكره داخل نصه الشعري ، وتخلصاً من التبعات الاجتماعية والقيود الصارمة التي يفرضها المحيط الخارجي للشاعر , جاءت الكائنات الشعرية والتي حفل بها ديوان "التضاريس", وامتدت في معظم إنتاجه الشعري , لتعيش حالة الصراع تلك والذي شكل الحوار معها "حواراً غير مباشر" , له قشرة ظاهرة وما يخفيه تحت تلك القشرة هي الدلالة للمعنى الذي يريده الشاعر , فالحوار يحمل رسالة خفية لايفصح ظاهره عنها .
انفتحت القصيدة عند " الثبيتي" على عوالم سردية داخل المتن الشعري , مما حفز فعل القراءة والتأويل , على تجديد تلك العوالم , ومن ثم اكتسابها وتحويلها إلى عوالم سردية بمواصفات شعرية .
الرواية الانجاز : زوار السفارات للمتحدث الثالث في الجلسة الدكتور عبد الرزاق حسين عن زوار السفارات : لمحمد بن صالح الشمراني
الذي طبع بمنتدى المعارف ، بيروت ، الطبعة الأولى 2010م
أوضح الباحث أن أسلوب اصطياد أصحاب الكلمة والإيقاع بهم بشتى سبل الغواية ليس جديداً ، بل هو قديم قِدَم الكلمة ذاتها ، إذ تروي لنا كتب التفسير أنَّ كعب بن مالك الصحابي الشاعر الذي تخلَّف مع اثنين غيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، قد تعرَّض للإغواء والإغراء من قبل ملك الغساسنة، وقد ورد أمره ومن معه في قوله تعالى (( وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)) التوبة: ١١٨.
وإذا كان كعب بن مالك رضي الله عنه، يُعْرَضُ عليه ما يُغريه وهو في أشد حالٍ فيرفض ، ويعد ذلك من الابتلاء ، فإنَّ هناك من أغربة الكلمة ورخمها منْ يَسْعَوْنَ وراء الصياد ، ويطاردونه للوقوع في شبكته ، تلك الشبكة التي تنقلهم لأقفاص ذهبية كما يمنيهم ذلك الصياد ، وكما يحلمون .
كان ما يُطلق عليه روايات سعودية شابة يتوالى في الصدور ، ويتوالى في المسابقة العبثية لإحراز شهرة فارغة من خلال العرض لمذكرات جنسية، في أحسن أحوالها تُعدُّ ضمن أحاديث المراهقين والمراهقات عن بطولاتهم في هذا الميدان ، وكنت أُشفق حقاً على هذا النوع الذي بدا وكأنه العلامة المسجلة لهذا النوع الأدبي الناشيء ، مما دعاني إلى أن أقول في إحدى أُمسيات نادي الشرقية الأدبي : إنَّ الأمم تفتخر بتاريخها الروائي ، وتعدُّ ذلك من عناصر نهضتها ، وتقدمها ، واستمرارية وجودها ، فالأدب الروسي ، والألماني والأوروبي عموماً ، بل والأمريكي في شماله وجنوبه سجّل لنا تاريخه وانتصاراته ، وأمجاده ، وعواطفه في روايات أصبحت مضرب المثل ، فلا زلنا نذكر الحرب والسلام ، والإخوة كرامازوف ، ومرتفعات وذرنج ، وذهب مع الريح ، والبؤساء ، والشيخ والبحر، ولمن تُقرع الأجراس ، وقصة مدينتين ، وغير ذلك من الروايات التي عُدَّت فخراً لكاتبيها ومواطنيها .
وذلك النوع مما يُسمّى روايات جعلني أُحجم عن قراءتها والخوض فيها وهنا قررت أن أكتب خواطري عن هذه الرواية التي أعدها رواية تصحيح المسار الروائي في الأدب في المملكة العربية السعودية ، فهذه الرواية حقاً هي رواية فاتحة لعهد روائي أراه مشرقاً ، إنها رواية " زوار السفارات " للكاتب محمد بن صالح الشمراني .
"زوار السفارات" فكرة قد تكون مكررة ، فهناك روايات كثيرة عرضت للمتعاملين مع العدو ، وبخاصة من المثقفين المبهورين بثقافة الآخر ، أو المغرمين بسلخ الجلد ، وقطع اللسان ، واستبدال ذلك بثقافة الآخر ، ولسانه ، والدعوات إلى ذلك قديمة ، مثَّلَها : طه حسين ، وسلامة موسى في وقت من الأوقات ، وحمل رايتها عدد من الكتاب والأدباء والشعراء والسياسيين ، وقضية قشرية الثقافة والمعرفة ، وقضية تكبير الصغار ، وتطويل الأقزام ، وإشهار المغمورين ، وإظهار نجوميتهم ، وصنع الأبطال منهم ، وارد في كثير من الأفكار الروائية ، بل إنَّ صنع الحكام والرؤساء قد ورد في الروايات السياسية بل إنَّ صناعة رجال الأعمال هي واردة أيضاً .
ومع ذلك فإنَّ هذه الرواية "زوار السفارات" قدَّمت لنا نماذج حقيقية ، وكما يقول الكاتب في لافتته التي نصبها على بداية طريق روايته : " ليست الرواية دوماً نسجاً من الخيال "
فما هي الحقيقة التي تعرضها هذه الرواية ؟
إنها تعرض لما يُسمّى بالاستحواذ الثقافي الناتج لا عن إبداع حقيقي، ولكن عن ارتباط وضيع بآخر يرسم طريقهم وأهدافهم وأفكارهم التي يسطرونها ، وما نراه من استحواذهم على الظهور الدائم في الإعلام المرئي والمكتوب ، وحصولهم على الجوائز الدولية إلاّ نتيجة لهذا الاستسلام والرضا ، وهذا الوسط الثقافي الذي قد يراه من هو خارجه على أنه وسط نموذجي خال من الشوائب هو وسط يمتلئ بالوصوليين والانتهازيين والمغامرين ، والذين لا همَّ لهم إلاَّ إرواء شهواتهم وغرائزهم ، لا يصرفهم عن ذلك صارف من دين أو خلق ، ولا يحجبهم عن فعل ذلك حياءٌ أو حتى شيء من التجمّل .
والرواية تتحدّث عن مركز ثقافي غربي، يقوم بدعوة من يرى فيهم الرغبة في النجومية ، والميل للوصول إلى الشهرة ، ومن يتصفون بالأنانية والنرجسية ، أو من فقدوا بوصلة العقل والمنطق ، فيدعوهم إلى حفلات خاصة فيها بذخ واختلاط وجنس ، ومن يقع في براثن هذا المجمع الأجنبي الخطر لا يستطيع الفكاك ، فهو يستحوذ على هؤلاء الساقطين كالفراش حول المصباح من خلال : تصويرهم في أوضاع مخلة في أثناء مغامراتهم العاطفية ، كما أنه يوقعهم على ما ينالونه من أُعطيات ، حتى يبقوا تحت سيطرته طائعين ، لا يستطيع أحدهم الخروج حتى لو فكّر بذلك ، فإذا ما رُدَّ له عقله ، وعلم أنه يخون دينه أو وطنه أو شرفه، أو أسرته ومجتمعه ، فإنَّ هذه القيود تقف عائقاً أمام رجوعه وتوبته .
والفكر الذي تعرّيه الرواية هو فكر يدّعي الحرية، ويدّعي الليبرالية ولكنه فكر إقصائي حتى العظم، فكر يطلب أن يعبّر عن رأيه ، ولكنه لا يسمح للآراء المخالفة له ، ولا يدع لها مكاناً ، فالقواعد الدينية يجب نقضها ، والقيم المتوافقة مع الدين يجب اقتلاعها ، فالستر والحجاب والعباءة ، وتعدد الزوجات ، من آثار الماضي ، بل من آثار العبودية ، والحرب على الأخلاق وعلى الدين وعلى اللغة ، وعلى التاريخ ،أسلوبهم لإثبات حسن نياتهم لدى هذا المجمع .
أما الدعوة للديمقراطية التي يدعون إليها لتوفر لهم الغطاء ليس أكثر فهي وسيلة للوصولية، فالديمقراطية لهم وحدهم ، لا يشاركهم فيها أحد ، ولا يحق لأحد ادعاؤها غيرهم .
الرواية تستخدم التقنية في الهواتف النقالة ، والشبكة الداخلية ، والكاميرات ، كما تستخدم عبارات كمفاتيح تعضد الفكرة الروائية وتلتقي معها لعدد من الذين يمثلون الاتجاهين البارزين في الرواية . اجتازت الرواية كثيراً من قضايا السرد الوصفي ، كالمقدمات ، والتمهيد ، وبقيت مع ذلك رواية شهية، تثير رغبة القاريء بحوادثها ، وقدرتها على الجذب ، من خلال : الربط القوي بين الأحداث المتدفقة، والمفاجآت المثيرة ، وفنية الحوار ، إلى جانب الواقعية المقنعة ، في الفكرة ، والوصف ، والشخصيات ، والثناء على الرواية في أنها استطاعت أن تقدِّم الأحداث ، دون أن تلوثها بلوثة الجنس ، على الرغم من أنه كان بإمكان الكاتب أن يستثمر الموضوع جنسياً ، والموضوع بيئة خصبة له ، والمواقف تستدعي ذلك ، ولكنه عرَّض به تعريضاً ، ولوَّح دون أن يدخل في التفاصيل التي يشمئز منها الذوق السليم ، ومع ذلك لم تفقد الرواية قدرتها على إيصال الفكرة ، ولم تفقد مهارتها في تدفق الحوار ، وسلاسة السرد ، وتطويع الحدث ، وتتبعه، كما لم تفقد حرارتها في التشويق والمتابعة ، لتصل بالقاريء إلى الصفحة الأخيرة وهو في نشوة القراءة .
شهادة الدكتور الرشيد
واختتمت الجلسات الصباحية بشهادة أدبية للأستاذ الدكتور ناصر سعد الرشيد من خلال عمله الأكاديمي ودوره في المجتمع وقد تفاعل الحضور مع الجلسات التي شهدت تناول الخطاب الأدبي في منطقة الخليج العربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق