2012/02/18

ملامح ثقافية وأدبية مع ثورة25يناير بقلم: السيد نجم

ملامح ثقافية وأدبية مع ثورة25يناير
بقلم: السيد نجم

هذه قراءة عجلة لما أمكن متابعته خلال عام مضى، مع بداية ثورة 25يناير، حول مجمل الملامح الثقافية والإبداعية، تحت مظلة السؤال الضروري والهام: هل أفرزت الثورة ملامح جديدة يمكن رصدها، وتعد إضافة لثقافة العامة، وإبداعات الكتاب؟

* الشعار:
لعل الشعارات هي العتبة الأولى الواجب التوقف أمامها، فهي التي ولدت مع أول منتج لحظة ميلاد الثورة. والشعار هو "موجز دال لفكرة جوهرية أو لمنجز كبير أو لمطلب.. قد يكون بالكلمات، وقد يكون رسما على منتج ما أو لمهنة ما" والأول يتميز بقلة عدد الكلمات الدالة، وغالبا بالإيقاع الموسيقى المريح، وبعيدا عن المفردات الغامضة أو الموسوعية، ويستخدم للتعبير عن جماعة ما أو حزب أو غيره.. بينما الثاني يتميز بالبساطة الفنية فى الشكل، مع عمق الدلالة، ثم سهولة تداوله على أشكال المنتج، كما شعار مهنة الصيدلة والطب، وشعار شركات الطيران وغيرها.

وفى ثورة 25 يناير، بدت الشعارات متنوعة، فى الدلالة والهدف، وان اجتمعت معا قد تؤرخ لمراحل الثورة، منذ 25يناير حتى 12فبرابر 2011م.. حيث سقط النظام.
أمثلة عامة:
(عيش.. حرية.. كرامة/ لا لقانون الطوارئ/ لا توريث ولا ملكية/ لا احتكار للسلطة ولا للمال/ أمن الدولة يا أمن الدولة.. فين الأمن وفين الدولة/ يا جمال قول لأبوك شعب مصر بيكرهوك/ ارحل/ مش هنخاف.. مش هنخاف.. صوتنا العالي يهد جبال/ مجلس شعب.. باطل، جمال مبارك.. باطل، الحزب الوطني.. باطل، حكومة نظيف.. باطل، الكل.. باطل، باطل، باطل/..)
ولا تخلو الشعارات من الفكاهة: (أرحل بقى.. عايز استحمي).. (أرحل بقى.. سايب مراتى من أسبوع، وأنا عريس جديد)!

لعل التحليل السريع لمجمل الشعارات، أنها بدت مرحلية بحيث لم تبدأ بشعار "ارحل"، وهو ما يشير إلى تصاعد سقف الغضب والمطالبات، والنزوع إلى المجرد والمأمول، وهو مطلب "الحرية".. وهو ما يعنى ثقافيا، أن الجماعة الغاضبة ترغب فى حرية حقيقية وفاعلة، وهو ما يعد إضافة إلى مفهوم ثقافة "الحرية" التي تشدق بها نظام مبارك خلال العقد الأخير من الحكم. كما وضح أن الهدف ليس "الإصلاح"، بل هو "التغيير الثوري".

* الشعر:
تكشف دراسات أدب المقاومة كلها، أن أسبق فنون الإبداع أثناء فترات التجارب الكبرى مثل الحروب والثورات ومقاومة الفساد والقهر، هو فن الشعر. فالشاعر وحده هو القادر على التقاط الآني والتحليق به إلى سماوات بعيدة، دون حاجة إلى فترات زمنية طويلة مثل فن الرواية والمسرحية.
وهو ما يبرر كم هائل من الكتابات الشعرية، قد يضيق معها مقام كتابة مقال متعدد الجوانب. وان كانت من محاولة للرصد، فهي أن أغلب الشعر المنشور فى وسائل النشر المختلفة، بما فيها الشبكة العنكبوتية، ولعلها فى المقدمة منها الآن.. هي:
.. غالبا يكتب الشاعر أكثر من قصيدة، ومنهم من نشر ديوانا كاملا خلال السنة..
.. تنوع مدارس ومناحي الشعر والشعراء فى التعبير عن التجربة.
.. بدت مشاركة الشعر العامي، غابة وبنسبة أكبر من غيرها.
.. تابعت الأعمال الشعرية الأحداث المتجددة يوما بيوم، وعبرت عنها.
.. رواج ما يمكن أن نطلق عليه "قصائد قصيرة جدا".

نماذج شعرية:
*أبناء مصر تكلموا، للشاعر "محمد عباس على"
(الآن هبوا كي نبادر بالفدا ونكون صفاً ً ثائرا متوحداً/ الآن هبوا كي نسوق شموسنا لربوع/ دارٍ ٍ كان دوما معبدا/ الآن هبوا فالطريق إلى العلا جم الصعاب ولن يجيز ترددا/ الآن هبوا فالصباح قد اغتدى حر الاهاب وكان قبلُ مقيدا/ الآن يشرق بالكرامة دربُنا ويعود أهلاً للحياة كما بدا/ مصر الأبية لن تغادر شمسُها عرش السماء ولن تبدد موعدا/ مصر العزيزة رأسُها لن تنحني لن تستكين لمن تجبر أو عدا)
* ميدان اتحرير، للشاعر "سيد محمد عبد الموجود"
هــَذهِ دِمـَـاءُ الـشَّعْـبِ والأرْواحُ
جَاءتْ بِكُلِّ طـمُـوحَهَا تجْـتاحُ
نَادى عـليكَ لَهِـيـبُهَـا وزَئِـرُهَــا
بحَناجـِـرٍ مَا صَـدَّهَا الإفْصَاحُ
فِي سَاحَةِ التَّحْرِيرِ نـَـادتْ كُلَّمَا
أرْبَى بِهـَـا التَّغييرُ والإِصْلاحُ
خَرَجَتْ مَلايينُ تدُكُّ بِصُوْتـِهَـا
قّصْرَ الـْعُـروبَةِ لعـلَّهَـا تـَرْتاحُ

* الشاعر عبدالرحمن الأبنودي قال:
أيادى مصرية سمرا.. ليها فى التمييز
ممدودة وسط الزئير.. تكسّر البراويز
سُطوع لصوت الجموع.. شوف مصر تحت الشمس
آن الأوان ترحلى.. يا دولة العواجيز!

* أكتب من ميدان التحرير للشاعر "حسن النجار"
(كان اليوم في تاريخ الأيام جمعة غضب/ صعد المغني والمكبر والسياسي منصة الأداء:/
يروون عن امرأة كانت عاريةً/ إلا من ورق التوت/ شاهدها رجل من ميدان التحرير/
فكَّ عن الرسخين القيدَ/ طواها بين جناحيه/ وألبسها من كل دواليب الأعياد/ ثياب العرس ،
وناداها: " يامرأة الفردوس المفقود ")

* عايزين نجرب خلقة تانية.. للشاعر "أحمد فؤاد نجم"
) نظرا لأن النعمة فاقت حدها/ ولأننا مش قدها/ ولأن فعلا انجازاتك/ فوق طاقتنا نعدها/
ولأننا غرقنا في جمايل/ مستحيل حنردها/ نستحلفك…. نسترحمك/ نستعطفك….نستكرمك/
ترحمنا من طلعة جنابك حبتين/ عايزين نجرب خلقة تانية/ ولو يومين/ اسمع بقى/
إحنا زهقنا من النعيم/ونفسنا في يومين شقا/عايزين نجرب الاضطهاد/ونعوم ونغرق في الفساد
بيني وبينك حضرتك/ دا شعب فقرى مايستحقش جنتك/ أنا عارفه شعب ماينفعوش/
إلا شارون وبلير وبوش/ عايز يجرب الامتهان/...)
وهكذا تنوعت الإشعار ما بين الفصحى والعامية، والقصائد الطويلة والقصيرة.. والمباشرة والمتأملة، وان عبرت جميعا على أحوال الأحداث التي توالت منذ البداية والى كتابة هذه السطور.

* التدوين:
يبدو من تحصيل الحاصل الآن الحديث عن دور المواقع الاجتماعية والشبكة العنكبوتية فيما أنجزته مع ثورة 25يناير، وفى حالة الرصد الآن، ما تم تدوينه على أشكال التدوين المختلفة، له ملامح متنوعة ومختلفة، وان بدت فى مجموعها "التعبير عن الخصوصية أو الفضفضة". تلك التى قد لا تناسب أي شكل ابداعى متاح (أدبي أو فني).. فيها فن الاعتراف وفن البوح النابع من بؤرة المشاعر الخاصة والذاتية. وهو ما يمكن التقاط البعض منه. الأول هو التدوين على شكل مقالي (كما فعل د.خالد السيفى).. والتدوين على الشكل التليغرافى القصير كما في بعض كتابات "جلال عامر" الذي رصد كل الأحداث بأسلوبه الساخر النقدي.

نماذج من التدوين
* كتب "د.خالد السيفى": (المقال 61 على المدونة- بتصرف من كاتب المقال)
(الأعزاء الكرام: توقفت بعض الوقت عن التدوين.. لا لكسل أو قصر همة أو ضيق وقت، بل وجدتني في ميدان التحرير اهتف معهم وأنام في خيمهم.. أردت أن أعيش الثورة بكل وجداني، لم اقرأ، لم اكتب ولم أعمل، فقط أردت أن أكون هناك معهم.. عشت خمسين سنة تحت الاحتلال وأنا العق جراح روحي كلما وضعت راسي على المخدة.

جيلي، هذا الجيل الذي قرأ عن كل الثورات وقلّب القيادات حتى انقضى العمر، وكاد الأمر أن ينتهي.. فجأة، وإذا بتونس تنتفض ...، ومصر العروبة تشمخ كالمارد..و و.وسيأتيك بالأخبار من... لن تتوقعه عن الشلة الباقية من الملوك والأكاسرة والقياصرة. ما أسعدني اليوم وقد شهدت اليوم هذه اللحظة الجميلة والجليلة.. هذه ليست مقالة عن الثورة وان كانت أناملي تنمنمني وتتسابق على مفاتيح الكومبيوتر لتلحق بها الأفكار. ولا اخفي أنني خططت بعض رؤوس الأقلام ، لا.. لا لن اكتب مقالات سياسية، بل سأكتب وجدان ونفَس وأعماق الثورة، كيف لا وقد كنت معهم مثلكم جميعا، سأكتب ما أريده أنا ولي أنا وأطلعكم عليه، لكن تذكروا انه شعوري ووجداني أنا...)

* كتب "جلال عامر":
(.. هذه الأيام إذا أردت أن تبرئ متهماً شكِّل له محكمة، وإذا أردت أن تخفى الحقيقة شكِّل لها لجنة.
أنبوب الغاز.. يقال ـ والله أعلم ـ إنه تفجير واحد فقط حدث فى يناير، لكن التليفزيون يعيده كل شهر مرة لتسلية أفراد حراسة الأنبوب.
لماذا تحمى الشرطة الحدود بسبب الاتفاقية وينظم الجيش المرور بسبب الثورة؟
من المنتظر أن يصدروا بياناً للمصريين الشجعان يقولون فيه… (أنت حي الآن لم تقتل ولم تصب… يا بختك يا عم)!
أما الجملة التي اختارها الكاتب الراحل لتكون تعريفا له: "لكنني صعلوك عابر سبيل أنا ابن الحارة المصرية ليس لي صاحب لذلك كما ظهرت فجأة سوف أختفي فجأة فحاول تفتكرني")



* القصة القصيرة:
لعل المتابع يرصد أن أول عمل ابداعى ينشر فى كتاب حول الثورة، كان فى أوائل مارس 2011م، حيث نشرت مجموعة قصص "ثورة الغضب" للقاص "مراد ماهر". وان نفى الكاتب أن عمله يعبر عن فكرة أدب المقاولات، فالكتاب لا يشبه أفلام السبعينيات، مشيرا إلى أنه وخلال كتابته للعمل عمد على أن ينأى بنفسه عن الثورية في الكتابة، وكذلك عن أدب المناسبة، فهو لم يؤرخ للثورة بالأحداث إنما المتابع لعمله سيجد أنه يبعد عن هذه الفكرة.
النصوص الأولى من الكتاب كتبت قبل الثورة، نص"الخوف"، "الدموع"، مرورا بنصوص من قلب الثورة من خلال نماذج من واقع الحياة من داخل الميدان وخارجه.

وتتابع نشر القصص فى وسائل النشر المختلفة، نلتقط منها، قصة "الأريكة" للقاص "محمد محمد مستجاب".. وترجع أهميتها أنها نشرت فى 10-2-2011م قبل تخلى "مبارك" عن الحكم وسقوطه بيوم واحد. أما القصة الأخرى "حنكش حكاية لا تنتهي" فلها خصوصيتها: أن القاص "محمد مصدق زايد" يبلغ 23سنه من العمر، ومن ثوار ميدان التحرير، فيما نشرت القصة فى 3-3-2011م، وهو ما يعنى أنها تحمل توهج اللحظة ومن بواكير ما كتب.
الطريف والهام أن من يقرأ القصة الأولى ثم الثانية، ينكشف أمامه جمله من الملامح الفنية والنفسية التي عاشها المصري بين عهدين!
وتوالت بعض المجموعات القصص، منها مجموعة الروائي "فؤاد قنديل" قصص ميلاد فى التحرير".. وغيرها.

* الرواية: تبقى الرواية كجنس أدبي تحمل عبء المرحلة التاريخية للشعوب، عوضا عن الأساطير والملاحم قديما. ولأنها كذلك، لكونها تحتاج إلى الزمن الأطول والتأمل الأعمق، تأتى دوما بعد الشعر والقصة القصيرة.

إلا أن الحدث جلل والجميع يتسابق لتقديم روايته قبل الآخرين.. وقد نشرت بالفعل أكثر من رواية. قدم الأولى الشاعر "أحمد فضل شبلول" فى السجل الثقافي لميدل ايست، وهى رواية "شمس منتصف الليل" للروائية "د.أسماء الظنانى".. كما نشر الأديب "محمود قرنى" قراءة لرواية "7 أيام فى التحرير" للروائي "هشام الخشن"، قدمها على أنها الرواية الأولى..
فيما صدرت أول رواية مصورة تتناول ثورة 25يناير بالصور، فى شهر سبتمبر 2011م.. عن دار "كومكس" للكاتب "محمد هشام عبية".. حيث تقع فى 60صفحة و150 كادر من الصور.

* النكتة:
الراصد لثقافة الشعوب، والكشف عن العقل الجمعي والرؤية المشتركة بين الأفراد فى جماعة ما، لابد أن يجد فى نمط "النكتة" الكثير من ضالته. وهو ما تجلى بوضوح مع ثورة 25يناير ومع الأيام الأولى لها.

* نماذج من النكت..
(تم الكشف مؤخرا عن برقية كان اوباما أرسلها في الرابع عشر من كانون الثاني الماضي للملك عبدالله تتضمن عرضا حضريا: استقبل (زين العابدين) واحصل على "مبارك" مجانا)

كلام المعاكسات بعد الثورة.. (أنا مش بتاع “فترات انتقالية”.. أنا بتاع استقرار يا جميل/ *

عاوزين نعتمد على نفسنا ونبنى بيتنا زنجة زنجة/ واحشني وحظر التجوال حايشني/
تحرير ولا مصطفى محمود يا قطة/ الشعب يريد رقم تليفونك/ عاوزك في حوار وطني!/
أموت في الانفلات الأمني/ أبويا معتقل وأمي في التحرير والبيت فاضي/
الجميل من هنا ولا مرتزقه؟/ هو احنا حنقضيها أخلاق ميدان ولا إيه/..)

ويلاحظ القارئ أن تلك التعليقات الضاحكة، تشير اى ثورات مصر وليبيا، وهو ما يعنى أن البعد الثقافي المشترك، يمكن أن توجزه كلمات ضاحكة بسيطة.

.. وهكذا فان الأحداث الكبرى، تنتج ثقافتها، وليس أقل من الثورات فى انجاز هذه الملامح الثقافية.
****************
Ab_negm@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: