أصدر الكاتب المغربي عبد العزيز الراشدي كتابا جديدا عنوانه " يوميات سندباد الصحراء " ضمّ مشاهداته في العديد من المدن : جنيف، باريس، المنامة، القاهرة، دمشق،مراكش...وكان الكاتب قد أصدر ثلاث مجاميع قصصية وراوية بدو على الحافة في ثلاث طبعات وسبق له أن فاز بالعديد من الجوائز والمنح منها جائزة الشارقة ومنحة الصندوق العربي للثقافة ومنحة اليونسكو للفنانين الشباب..نقرأ من الكتاب:
(كم نَجري لنَتَخفَّف من أحمال الحياة، ثم نتوقف قليلا لنستريح فندْركُ أنّنا ما تحرّكْنا، وأنّ الخريف قدْ تَسرّبَ إليْنا من تحت الأصابع. كم نَضْجَرُ من بداوتنا ومن بلْداتنا ونسوم أنفسنا النقد وسوء الكلام، لكن من يحمينا من الحنين إلى جلودنا؟كم تُكلّفنا الحياة من سؤال يظل عالقا مثل أعواد القصب؟ ثم إنها واحات درعة. إنها درعة. الواحات التي عَبَرَتْها عبر قرون قوافل العاج والذهب والجميلات، درعة التي كانت طريقا فائضا بالحكايات ! ها هي ذي أمامي. والواحةُ عالم لا يعطيني نفسه بسهولة، مساحتها تترادف مع شهوة المخاتلة، الليل أبكمٌ فيها ، والنهار مغبر.
ماذا تقول الجدة لأحفادها؟إن سبلا بيضاء سترعاهم بعون الله رغم فقر الدم وقلة الحيلة وبرد الطرقات ومكر الحكومة التي نسيّت هذا الشعب؟ أنهم سيجدون يوما ما الحُبّ والحَبَّ والمقعد المدرسي؟ أن الواحات ستظل حيّة رغم موت النخيل وتصحّر المكان ورغم كل ما يُقال..؟
لن أغْفو على مقعد الحافلة، سأشبع أولا من صوّر المكان؛ من نظافة الخضرة ورهافة طين القصور والقصبات. ثم سأفكّّر جديا: هل تستطيعُ الريح أن تنثر هذه الأفكار فوق أشجار النخيل البعيدة التي يستظل بظلها عجائز، يدخّنون التبغ الرخيص ويتذكرون أيامهم بكثير من اللايقين؟ هل تستطيع الأفكار أن تتربّص بالهدوء الذي يمنحه الجلوس أمام جامع متهالك؟
هاهم شيوخ كبارٌ يجلسون هناك. يتكلّمونَ عن النساء والأحفاد، ينبشون الأرض بعصيّهم الصغيرة،ثم تُواتيهم رجفة الحياة فجأة فينهضون ليقهروا السبل. يئدونَ عنف الريح، يئدونَ فكرة الهزيمة رغم أن أولادهم سافروا منذ زمن ولم يبعثوا المال. يَهتفونَ برموز وأسماء قديمة تتعالى فيهم وحدهم رغم أنهم ينسون أسماء أحفادهم الكثيرين فيلعبون "أقلاّلَ" و"الرّكبة" في الأعراس. يفرحون رغم أنف الحياة، يردّدون الأذكارَ في كل فجر وعيد، يمتصّون رحيق البسيط المهمل، ينكّتون على بنات قابضات على همزة الوصل بلغنَ الحُلُمَ لأن الشيخوخة تحمي، بناتِ يقبضن السّعف والحقول والجسد ويتحرّكن باتجاه الدار لإعداد الفراش. يشمّون الروائح ويعرفونها: رائحة الشواء في العيد، رائحة "الفصّة" في الفدادين ، رائحة الطين في الوادي،رائحة الرمل الساخن في الصحراء، رائحة الإبط عند النساء اللواتي يطهين الخبز في الفرّان ورائحة البنات قربَ البئر حين يبلغن الحُلم باكرا..يرجَحونَ تحت ثقل موجة الحنين فلا يميزون بين الطبيعة والمرأة، يريدونَ إعطاء الانطباع بقدرتهم على المنح فتنحني هاماتهم وهم يُعدّلون الرزّة وينسون الأحقاد،يحلُمون بالحزن المنظم والفواكه في وقتها . لكن واحات زاكورة تبقى دوما غريبة،وتلزمها الكثير من الأوراق ..)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق