"مدد يا
شيكانارا".. اختيار الحاكم ما بين الأمس القريب والحاضر الراهن!
أحمد طوسون
لا يغيب عن وعي المتفرج للعرض المسرحي "مدد يا شيكانارا" في الظرف السياسي الذي نعيشه الآن مع قرب انتهاء
المرحلة الانتقالية صورة الوطن المعادل الموضوعي لمقام الولي الذي مات خادمه
" الشيخ الألفي" وفُتِحَ بعدها باب الترشح لاختيار خادم جديد يتولى شئون
المقام وأهله ومريديه.
ولا يغيب ما في هذا الإسقاط من إشارة إلى خصوصية هذا الوطن ومرجعياته
الدينية والروحية التي لا يجب إغفالها في إدارة الصراع على الحكم.
النص الذي كتبه مؤلفه محمد
أمين عام 1998 ليناقش فكرة الحكم ومعايير تولي الحاكم، ورؤية كل من أصحاب المصالح
والجماعة الشعبية المحيطة به ويفضح ما تمارسه السلطة من تزييف وتزوير وتحالفات مع
ذوي النفوذ من أصحاب المصالح ضد الجماعة الشعبية المنشغلة بهمومها ومشاكلها
الخاصة، والتي إن نجحت في التوحد من أجل هدف عام واختيار مرشح لها في مواجهة مرشحي
السلطة والنفوذ الديني والمال، سرعان ما يتم ذرع الوقيعة والانقسام بينها
باستخدام نفوذ السلطة أو المال أو
الشعارات الدينية والأخلاقية.. وهو ما كنا نراه بالأمس القريب قبيل ثورة 25 يناير
في صراع السلطة مع القوى السياسية المختلفة، فإن فشلت كل هذه الأسلحة كان سلاح
التزوير الفاضح للانتخابات الذي يزور الإرادة الشعبية لصالح السلطة الفاسدة
وأعوانها ممن يتمسحون في الشعار الديني ورجال المال.
لكن زمن العرض الذي
افتتح الاثنين 16 يوليو بمسرح السامر بجوار السيرك القومي بالعجوزة على مدار 30
ليلة في تعاون أول ما بين البيت الفني للمسرح والهيئة العامة لقصور الثقافة، جعل
هم العرض الأول هو فضح التلاعب بالإرادة الشعبية والثورية أثناء إدارة المرحلة
الانتقالية لاختيار خادم جديد للمقام.. هذا الإسقاط الذي حرص مخرج العرض عادل حسان
على تمريره من بين حوارات الممثلين فتأتي شعارات استخدمت في الواقع على لسان أبطال
العرض.. (واحد مننا)، وانقسام الجماعة الشعبية وعدم وقوفها إلى جوار مرشح واحد
فتتفتت أصواتها، ويصبح ضابط الشرطة ممثلا للسلطة العسكرية التي تدير الصراع على
السلطة لصالح أصحاب استخدام الشعار الديني في صفقة تتبين معالمها في نهاية العمل
برئاسة الضابط للمجلس الذي يدير شئون المقام والذي آتى بانتخابات فاضحة التزوير،
وتعمد إبعاد الصوت الثوري الحقيقي (غريب) فتى المقهى عن دخول المعركة الانتخابية
بما يمثله من نقاء وإخلاص للأفكار الثورية والمساعدة في التخلص منه عن طريق جماعته
الشعبية التي يخضع بعض أفرادها أحيانا للابتزاز وأحيانا يسقط البعض فريسة الشائعات
التي تروجها السلطة ( ممثلة في الضابط ومعاونيه) للتخلص من أصحاب الصوت الثوري
الحقيقي.
اللعب على الماضي
القريب باستخدام التزوير كآلية لحسم الصراع على السلطة، والنزوح إلى الراهن المعاش
بالتحالف ما بين سلطة العسكر (ضابط الشرطة) الموكول إليه تنفيذ عملية انتخاب خادم
للمقام والقوى الدينية للوصول إلى حكم المقام تعري ما يدور في الخفاء وتفضحه.
هكذا في نظري كان
الإسقاط داخل العرض يدور ما بين زمنين، أحدهما جلي وواضح يتمثل في زمن الماضي
القريب حيث يستخدم التزوير الفاضح لكسر الإرادة الشعبية، وآخر يتبدى في الراهن
المعاش حيث التحالف الظاهر ما بين ضابط الشرطة ممثلا لفكرة العسكر والقوى التي
تستخدم الشعار الديني والتخلص من الصوت الثوري الحقيقي المتمثل في (غريب) بترويج
الشائعات والقتل سواء المادي أو المعنوي لينتهي العرض بدخول أصحاب الجلابيب
البيضاء الحارة مع خروج أهل الحارة والمقام من ساحة العرض في إشارة إلى المستقبل.
وأيا ما كان الإسقاط
مخلصا للماضي القريب أو ممعنا في اللحظة الراهنة فقد نأى بنفسه عن الدخول في
مواجهة صريحة وواضحة مع السلطة الحالية وامتداداتها وعدم رسم صورة واضحة للسلطة
العسكرية مكتفيا بالصورة البوليسية لها، كما لم يرسم صورة تفصيلية للتيارات
الدينية التي تتصارع على الحكم أو تحديد هويتها ومرجعياتها.. بل إن الإشارة
الواضحة في العرض تخص الطرق الصوفية التي يمثلها الشيخ المعراوي، أو الأزهر متمثلا
في الملابس الأزهرية التي ارتداها الشيخ عبدالحكيم.
أما جماعات الإسلام
السياسي كما نعرفها ونشاهدها في الساحة السياسية فلم تظهر إلا في نهاية العرض
بزيها الأبيض وهي تقتحم ساحة العرض.
أما عن العرض من
الناحية الفنية فقد نجح مخرج العرض في تقديم الصراع على السلطة من خلال فكرة بسيطة
وسلسلة، أطرافها محددون في سلطة القمع ( البوليسي أوالعسكري/ الديني/ الرأس مالي)
البوليسي ممثلة في الشرطة وسلطة الدين ممثلة في الشيخ المعراوي والشيخ عبدالحكيم وسلطة
المال في أبوالعلا التاجر (كطرف أول ) يتحدون في مواجهة الجماعة الشعبية التي
يمثلها المترددون على مقهى المعلمة
وابنتها وغريب وأهل الحارة التي يقع فيها المقام (الطرف الثاني) هذه
الجماعة التي رغم وعيها بما يحدث يسهل خداعها إما باستخدام الشعار الديني أو
الوقيعة فيما بينهم أو ترويج الشائعات.
كما نجح في دخوله إلى
الصراع الدرامي دون تمهيد يذكر ليجد المتلقي نفسه سريعا أمام جوهر الأحداث وتنامي
الصراع ما بين الأطراف المختلفة.
ونجح في تقديم فرجة
شعبية من خلال استخدام الفضاءات الشعبية عامة ومنها المقام وما يدور حوله والمنشد
الشعبي (الفنان المتميز سمير عزمي) أو مظاهر المولد وفقراته التي تقدم كفواصل لا
تقطع المشهد الواحد الكبير للوحة العرض المسرحي بل تزيده التحاما بواقعه الشعبي.
وتميزت أغلب عناصر
التمثيل الشابة بأداء سلس وبسيط لتامر الكاشف وهاجر عفيفي وسميحة عبدالهادي ومحمد
حجاج وسامح عبدالسلام ، أو مصحوبا بمسحة ساخرة وبخاصة في أداء رامي رمزي في دور
ممدوح.
تحية واجبة للمخرج
عادل حسان وللمؤلف محمد أمين ولكل عناصر العرض الشابة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق