الإنفلات الأخلاقي بعد ثورة 25 يناير ..
الأسباب والعلاج
بقلم
/ أحمد علي صالح
(
باحث اجتماعي مصري )
الاِنْفِلاتٌ من [ ف ل ت ] وهي مصدر
اِنْفَلَتَ ، يقال " اِنْفِلاتُ الأمْرِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ " بمعني
خُروجُهُ ، وتَمَلُّصُّهُ مِنْ تَحْتِ سَيْطَرَتِهِ ، و" اِنْفِلاتُ الغازِ
" : اِنْسِيابُهُ ، و" اِنْفِلاتُ الهَواءِ مِنْ ..." :
اِنْخِفاضُهُ بِمُدَّةٍ وَجيزَةٍ .
وفي علمي الكيمياء والصيدلة "
انفلت " تعني خرج غاز الاحتراق من محرّك حراريّ .
يقول الجاحظ : لا مروءة لكذوب ، ولا
وَرَعَ لِسَيِّىءِ الخلق ، وهناك قول عربي شهير مفاده أن الخلوق هو من تواضع عن
رِفْعَه وزهد عن حكمه وأنصف عن قوه وعفي عن قدره .
ومولانا الإمام جعفر الصادق يقول : حسن
الخلق أحد مراكب الحياة .
أما الآن أصبح الانفلات الأخلاقي في مُجتمعنا ظاهرة ، ولم
يكن موجوداً من الأصل ولم نلتفت إليه إلا بعد ثورة 25 من
يناير؟ فهل هو تدهور أم انفلات
أخلاقي؟
الحياة قبل الثورة لم تكن هادئة ، وكنا نعاصر سُوء
مُعاملة الناس لبعضهم البعض لأن
أكبر نموذج لتدهور الأخلاق هو
الفساد، والفساد كان مُتغلل قبل
الثورة .
وما بعد الثورة من انفلات هو نتاج طبيعي
لغياب الأمن ، فالأخبار التي نسمعها ونقرأها يومياً عن التحرش ومُعاكسة
الفتيات وجرائم السرقات والبلطجة في النهار تعني أن الأمن كان يمثل نقطة
خوف وليس احتراماً ، وهذا رد فعل طبيعي بعد غياب الأمن أن
تظهر صورة عكسية تماماً.
إن عدم وجود قدوة وخاصة للشباب يؤدي في الغالب إلي ردع سريع
للمُخطئ وكأننا ننادي بمزيد من
التسيب وهذا ليس توابع ثورة 25
من يناير وإنما ما قبل 25 يناير .، فهناك توجه أن نظهر أن هناك انهياراً
في الاقتصاد والأخلاق وكل الجوانب بعد 25 من يناير وهذا صحيح إلي
حد ما ، ولكن بالرغم من ذلك فإن الثورة
نجحت ولابد أن تنجح معها كل
الجوانب .
إن التدهورالأخلاقي هو نوع من عدم الانضباط الفكري أو
السلوكي وهذا سببه عدم وجود كبير يتكلم أو حكومة أو شخصية
مسئولة تقف ضد الانفلات ونلجأ إليها . وهناك إهدار للوقت والمال
والاقتصاد والسياحة والبورصة فليس هناك أحكام رادعة قوية ضد
البلطجة ، وهذا الإنفلات جاء من مجموعة مُنحلة أخلاقياً وكانت مقهورة
وعندما وجدت مناخاً مناسباً ظهرت بشكل مُخيف .
وأسباب
هذا الإنفلات - من وجهة نظري -
تتمثل فيما يلي :
1- ضعف جهاز الشرطة .
2- غياب الوازع الديني والتضارب بين منابر
الدعوة .
3- عدم التدخل من الجيش.
4- عدم وجود
المقاومة من المواطنين المُتمثلة
في اللجان الشعبية .
5- وأخيرا وجود
الظُروف المُهيئة للجريمة .
فحدث نوع من التدهور الأخلاقي لمن هم مُتدهورون
فأخذت الجرائم صورة بشعة مثل اغتصاب الفتيات , وقتل أبرياء في
المنازل وسرقة المُمتلكات العامة .
إن الانفلات الأخلاقي غريب علي مُجتمعنا المصري ، وأصبح ظاهرة
خطيرة تكاد تقضي علي تماسك وأمن المُجتمع
.
وبناءاً عليه يجب التصدي له بكل حزم ويتأتي ذلك من خلال
مُعاقبة المُتهمين في جرائم البلطجة والسرقة بأحكام رادعة
تردع كل من
تسول له نفسه أن يهدد أمن المواطنين حيث أن الشارع المصري عاش فترة من أصعب
الفترات في تاريخ الوطن نتيجة عدم احترام القواعد والقيم التي عشنا عليها ، وهذا
يُعد من أكثر الظواهر التي إنتشرت في الوقت الماضي .
وبالتالي فإن الأمر يتطلب ضرورة القبض علي المُجرمين والهاربين
من السجون، والضرب بيد من حديد علي كل
من تسول له نفسه أن يعبث بمُقدرات الوطن أو يمارس أفعالاَ
تتعارض مع
القيم والتقاليد والضوابط العامة ، وتطبيق القانون علي كل من يُثير الشغب في
المُجتمع أو يحاول نشر الفوضي والهمجية ويسعي لترويع المواطنين، أو يتعرض لمواطن
علي طريق عام ويستولي علي ماله .
كما لنا أن نتساءل : متي تعود مصر بلد الأمن والأمان؟!
ورغم حالة الانفلات الأخلاقي
التي عشناها
ونعيش بعض منها حالياً, فأننى أرى أنها مرحلة انتقالية بعد ثورة25 يناير , ومازالت
في البداية، فالثورة مازالت قائمة,
والانفلات في الشارع حالة طبيعية تعقب الثورات
الشعبية
الكبري, بل إن ما يحدث عندنا أقل بالمقارنة بالفترات التي أعقبت الثورات التاريخية الكبري.
فالثورة الفرنسية والتي نقلت المُجتمع الفرنسي من المرحلة الإقطاعية إلي الرأسمالية استمر الصراع بعد اندلاعها لسنوات
طويلة نتيجة لانتشار الثورات المُضادة, والشائعات والدسائس مما تسبب في انقسام
الثوار وساءت الأحوال الاقتصادية وانتشر الفقر وازداد الناس بؤساً لتعم البلاد
عمليات الخطف والاستيلاء علي المُمتلكات الخاصة, وانتشرت البلطجة وتفشي الجوع
والخوف , وجاء أول رئيس لأول جمهورية فرنسية بعد15عاماً
من الفوضي والمذابح .
أما الثورة البلشفية والتي نقلت المُجتمع الروسي من نظامه
الامبراطوري إلي الاشتراكية أعقبها صراع وأعمال عنف في المدن, وتحولت تلك الأعمال
إلي ما يشبه الحرب الأهلية, واستمرت هذه الصراعات بين البلاشفة والملاشفة أعداء
الثورة لمدة3 سنوات.
وللأسف النظام السابق
وضع مصر ضمن دليل الدول الفاشلة عام2005 طبقاً للتقرير السنوي الذي أعده صندوق دعم
السلام (Peace
The Fund ) وهو
مؤسسة بحثية
مستقلة ، وقد أحصي هذا
التقرير50
دولة هي الأقرب لأن تكون دولاً فاشلة , وجاءت مصر رقم ( 38 ) اعتماداً علي ( 12)
مُؤشراً اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً , وتم جمع
البيانات المُتعلقة بها من عشرات الآلاف من
مصادر الإعلام
الدولية والمحلية المقروءة والمسموعة والمرئية .
ومن بين المؤشرات
التي
اعتمد عليها التقرير :
1- فساد النُخبة الحاكمة .
2- غياب الشفافية وإنعدام المُحاسبة
السياسية .
3- غياب القانون وتقييد الصحافة .
4- انتشار انتهاكات حقوق الانسان كتطبيق
قانون الطوارئ والاعتقال السياسي .
5- غياب التنمية الاقتصادية وتزايد
مُستويات الفقر وغياب العدالة الاجتماعية .
6- عدم المُساواة في التعليم والوظائف
والدخل والانحطاط في الدخل القومي وتقييم العملة الوطنية ومعدل النمو.
7- هجرة العقول من الدولة والاغتراب داخل المجتمع .
إن ثورة25يناير كأي ثورة عالمية هي في النهاية حدث أو عملية
تاريخية ولكنها مازالت قائمة , ومازلنا نعيشها ، فهي – كغيرها من الثورات - تمر
بأربع مراحل : المرحلة الأولي : اندلاع الثورة .
المرحلة الثانية : ثم تأتي الثورة المضادة .
والمرحلة الثالثة : والتي نعيشها الآن هي مرحلة التحول وانشاء
نظام اجتماعي وسياسي بديل وتنتهي بالبدء في مرحلة تثبيت
هذا النظام
الجديد .
المرحلة الرابعة : مرحلة إنشاء نظام جديد وهي تلك المرحلة التي
تصطدم فيها الأفكار والاتجاهات ويسودها دائماً نوع من القلق والانتكاسات وتتخللها
انتصارات .
فيجب علي المواطن في هذا الوقت العصيب الذي يمر بالوطن عدم الاستعجال
في حدوث نتائج , فهناك توقعات زائدة عن حدها تعتمد علي المنطق الثوري والرغبة في
تنفيذها بأسلوب سريع ، كما أن عليه – أي المواطن - أن يصمد ويتصدي لكل مُحاولات
اجهاض الثورة التي كسرت حاجز الخوف لدي المصريين.
أما الحل ووسائل العلاج
والخروج من حالة الإنفلات الأخلاقي يستوجب الاتي :
1- ضرورة التعاون بين الوزارات المُختلفة
خاصة وزارتي التضامن الاجتماعي والتعليم .
2- بالاضافة إلي جُهود الجمعيات الأهلية
ومنظمات المُجتمع المدني .
وذلك للعمل علي حل المشاكل التي تهم المواطن في الشارع المصري
وأولها القضاء علي البطالة , وأصبح لدينا
ملايين بلا
مباديء وأخلاق, ولهم تسعيرة تستطيع أن تشتريهم بسهولة خاصة من أصحاب رؤوس الأموال
واصحاب الاتجاهات السياسية والدينية لاثارة الفوضي والقيام بأعمال معنية تخدم مصالحهم.
إن الإنفلات الأخلاقي أحياناً كثيرة ما يفلت صاحبه من العقاب ،
بل ليس له عقاب قانوني محدد ، وأقصي عقاب لهذا الإنفلات الأخلاقي هو مجرد تلك
النظرات في العيون التي تزدري هذه
التصرفات.
إنه أخطر وأحدق بالأمة من الإنفلات الأمني ، ولهذا يجب أن نتذكر
كلمات الشاعر أحمد شوقي :
إنما الأُمم الأخلاق ما بقيت ** ** فإن هُم
ذهبت أخلاقهم ذهبوا
هناك تعليق واحد:
طرح مميز.. دمتم موفقين
umzug
umzug wien
umzug wien
إرسال تعليق