الهندسة العكسية
محمد نجيب مطر
كان مهندس الهندسة الوراثية دائماً
يفكر خارج الصندوق، كلما مر بحقيقة علمية حاول عكسها، بمعنى أنه إذا كان خلط
الصوديوم مع الكلور يكون كلوريد الصوديوم، فكان هو يبحث عن كيفية تفكيك كلوريد
الصوديوم إلى صوديوم وكلور، كان يفكر دائماً في الهندسة العكسية، كانت الناس تبدأ
دائماً من الأول إلى النهاية لكنه كان بطبعه يفكر من النهاية إلى البداية، أخبرني بالنتيجة
أخبرك بالبداية، طور غريب من التفكير الذي تعود عليه، كانت أكبر قضية تحيره وهو
صغير كيف يعيد قطع اللحم الموجودة في القدر إلى حيوان يأكل ويشرب ويتنفس، كان
منطقه الغريب في الهندسة العكسية يؤكد له أنه مادام هناك منطق في تكوين المنتجات
من مكونات فالمنطق العسكي يقول بأنه يمكن تحويل المنتجات إلى مكوناتها الأصلية، بل
وصل به الأمر إلى التفكير والجزم بأن الله أخبرنا بأنه يعيد الإنسان إلى خلقته
السابقة بعد موته وتحلله يوم القيامة، لكي يعلمنا أن الهندسة العكسية ممكنة وهي
سنة من سننه في الكون.
الناس تفكر في دراسة مكونات الذرة
أما هو فقد فكر في عمل ذرات جديدة، فلدينا كتلة الالكترون وكتلة النواة وكتلة
النيوترون ومعروفة شحنتاتهم الكهربية، وكذلك معروفة المسافات بينهم، صحيح أنها
صغيرة إلى درجة لا تصدق، ولكن بعد كل هذه التقنيات العالية في المختبرات النووية
سنتمكن يوماُ ما من تكوين تلك الذرات، بل ويمكننا عمل أنواع جديدة من المواد بعد
تخليق ذرات خاصة ذات مواصفات معينة، ووضعها بالنسبة إلى بعضها في شكل بللورة تناسب
التطبيق.
انتهى به التفكير إلى حالة من
الهذيان العلمي، فبدأ في محاولة الحصول على نبات كامل من خلية واحدة، فكل خلية
بالنبات رغم أنها قد تكون وظيفتها النوعية مختلفة كأن تكون بالجذر مثلاً إلا أنها
تحمل كل الصفات الوراثية للنبات ككل، وبعد نجاحه في ذلك، حاول الحصول على كبد كامل
من خلية كبد وحيدة تم إمدادها بالغذاء المناسب وتوفير الظروف الملائمة لها، وضحك
من كل قلبه، وفكر أن العلماء في المستقبل قد يضحكون قد يستلقوا على قفاهم عندما
يعرفون أن الإنسان القديم كان يربي الحيوان بالكامل لكي يحصل منه على اللحم فقط، وكان
يحصل على أشياء لا يريدها من الرأس والأقدام والوبر، أما ما وصل إليه هو أنه يمكنك
أن تحصل على اللحم الذي تريد فقط بتربية خلية واحدة من هذا النوع وإمدادها بالغذاء
المناسب ووضعها في الظروف الملائمة لكي تنتج لك في المعمل شريحة من اللحم المطلوب
فقط.
وصلت أبحاث الهندسة العكسية إلى
ذروتها بالنسبة إليه في محاولة الحصول على إنسان من مجرد تربية خلية واحدة تحمل كل
صفاته الوراثية ثم تحويلها في المعمل إلى خلية جذعية (أولية) لتبدأ الانقسامات
ويخرج الجنين كاملاً وبالتالي يمكن الحصول على نسخة أصيلة من أي إنسان.
وصلت أبحاثه الغريبة إلى رأس الدولة
بواسطة رجال الأمن الذين كانوا يراقبونه ويشكون في كل تصرفاته، فهو يشتري أجهزة
علمية من الخارج تقدر بالملايين من الدولارات ليستخدمها في أبحاثه، وينفق على
أبحاثه ببذخ لدرجة أن بعض الجهات العلمية الخارجية بدأت في وضعه تحت المراقبة لجهلها
بما يفعل وسبب طلباته الأجهزة الالكترونية الغالية التي لا تتحملها ميزانية مراكز
أبحاث علمية متقدمة.
استدعته السلطات وعرفت منه أسرار
البحث الذي يقوم به، وأمرته أن يصنع نسخة من الزعيم الملهم الذي لن يجود الزمان
بمثله، وأخبرت الزعيم بالأمر، فابتهج للأمر وأمرهم بمتابعة الأبحاث وإخباره
بالنتيجة.
مر زمن طويل نجحت فيه التجارب على
كل البشر عدا تجربة نسخ الزعيم، فكلما وضع خلية الزعيم في جهاز الاستنساخ يفاجئ
بأن الجنين المتكون هو جنين لحيوان وليس لإنسان وبالبحث في جينات هذا الحيوان فوجئ
بأنه جنين لحمار، فتكتم الأمر وظل يحاول ولكن النتيجة ظلت واحدة.
كانت أحد الزعامات العربية في زيارة
للقاهرة للنقاهة والاطمئنان على صحتها بعد رحلة علاج طويلة في الولايات المتحدة
الأمريكية، واستطاع المهندس الحصول على خلية واحدة من جسدها وبدأ في إجراء نفس
التجربة ففوجئ بأن الناتج أيضاً جنين لحمار.
توصل المهندس بالهندسة العكسية
للمعادلة التي تمكنه من استنساخ الزعامات العربية، لقد بدأ بخلية حمار وانتهي إلى
نسخة طبق الأصل من الزعيم الملهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق