إنهم يريدوننا !
من أدب
الخيال العلمي
ياسر محمود محمد
لم يكن الأمر في الحسبان ،
كوكب ربما يقع في الحدود الكونية البعيدة قرر غزونا . لماذا ؟ ! ظل الأمر مجهولاً
غريباً و السؤال بلا إجابة منذ أن تم استقبال إشارات غريبة علي أجهزة المسح
الراديوي المتقدم . و منذ أن أكدت المراصد الكونية التي يمتلئ بها فضاء الأرض . .
أكدت وجود أطباق طائرة بحجم الميادين تسعي نحو الأرض .
كان الكوكب الأزرق يدور
دورته المعتادة حول شمسه في المجموعة الشمسية التي اقتحمتها فجأة آلاف الأطباق
الطائرة الضخمة كل واحد منها مدينة بأكملها . داخله كائنات هلامية شفافة تبدو
أجهزتها الداخلية المعقدة بشفافية من أوعية و مضخات أشبه بالقلب أو القلوب و أشبه
بالكبد أو الكلي .
كان ذلك الوصف هو ما
أكده المختطفون و الذين قضوا فترة داخلها قبل أن يطلق سراحهم . كانت قد انتشرت تلك
الظاهرة من اختطاف بعض المتميزين من البشر في أوقات مختلفة من العام العشرين من
القرن الواحد و العشرين .
كانت أجهزتهم أشبه بأكياس
أو مضخات تبدو من خلال جلودهم الشفافة . أما عن الوجه فكان يظهر من الوجه الشفاف
أشياء أشبه بالفم والعيون الشفافة لدرجة مذهلة ، و التي لا تميز فيها بؤبؤ أو عدسة
و بلا حواجب و جفون . و من مطرح الأنف تدلي ما يشبه السلكين القصيرين مختلفين
اللون .
كان الأعجب من ذلك المخ
الذي يظهر عبر الأعضاء الشفافة السابقة ذات الألوان المتدرجة يظهر في شكل خراطيم
ملتوية دقيقة ملتفة في عجينة تتغير ألوانها عبر الانفعالات المختلفة للكائنات
الغازية .
لماذا كان يختطف البشر
؟ ! لقد كان البعض يصفهم بالمرضي أو المتخلفين عقلياً بعد اختطافهم . حتى الأصدقاء
و الأقارب اعتبروهم واهمين .
أما العلماء . . العلماء بحق . . فقرروا بأنها امتداد لظاهرة اليوفو
التي ظهرت بشكل مكثف منذ أواسط القرن العشرين . . إلا أن الظاهرة كانت تشهد تطوراً
ملحوظاً و كثافة غير عادية في العام التاسع عشر من القرن الحادي و العشرين . و
عندما اعتلت الأطباق الطائرة ما فوق الميادين الرئيسية بعد أن فشلت كل وسائل
الدفاع الأرضية في صدها . . تأكد كل من علي كوكب الأرض من صدق هؤلاء الذين اختطفوا
، و يتيقن الأرضيون من وجود الأطباق الطائرة .
* * *
كان الطبق الطائر الواحد
في حجم ميدان صغير أو مصنع كبير . . دائري الشكل ، مقسم ، إلي طبقات هرمية دائرية
، تعلو تدريجياً في لون بنفسجي داكن من معدن يبدو من مظهره الصلابة و الشدة
البالغة و ذلك أيضا حسب تجربة المقاتلات الفضائية التي انفجرت كل صواريخها قبل أو
ما أن تمسه دون أن تحدث به خدشاً واحداً .
في مناطق منتظمة عبر
الدائريات الطبقية تبدو كشافات تضيء بلون فيروزي ساطع أثناء ليل الأرض بدرجة أصبحت
معها الأرض كرة لامعة و صار الليل معها أشد لمعاناً من النهار بالنسبة للأرضيين و
ذلك عبر آلاف الأطباق التي غطت كوكبهم ، و غيرت من درجة نشاط الكائنات الحية عليه
خاصة في الغابات التي تنتشر علي سطحه .
الدائريات الطبقية تنتهي
بنتوءات بزوايا معقدة عند أطرافها بحيث كما لو كانت متصلة قبل أن تتم في استدارتها
عند النصف الآخر من الطبق . و تعلو تلك الطبقيات قبة دائرية مضلعة بحسب وصف أحد
علماء الرياضيات علي كوكب الأرض . كانت تلك القبة تدور أفقياً حول الطبقيات و بها
عبر فجوات خاصة ما يشبه الأذرع التي تمتد لتشارك و تدخل في فجوات أخرى لطبق آخر في
مشاهد تكررت كثيراً في جو الأرض في الأسبوع السابق لما حدث . و أقسم الغالبية
العظمى من سكان الأرض بأنه أعجب و أروع مشهد رأوه في حياتهم .
و ذلك عندما تتصل
الأذرع الضخمة مع طبق طائر آخر كان يظهر في ضوء يغشي الأبصار أولاً قبل أن تعتاده
العين البشرية ( الضعيفة ) ثم تتابع الأنوار عبر الطيف المرئي للإنسان و تظل كذلك
طوال مرحلة الاتصال ثم تمتد الأذرع عند الفجوات و عندها كان يصدر صوت أشبه
بالفرقعة من بعضها ثم يبدأ انتقال شحنات ضخمة من الطاقة الهائلة اللانهائية عبر
تلك الأذرع . . طاقة تكفي لإنارة عدة مدن أرضية كبيرة المساحة و السكان .
أما عن الأذرع الأخرى
الضخمة فكان ينتقل عبرها الكائنات الفضائية و كانت الأذرع شفافة بحيث يظهر خلالها
أشكال الكائنات الفضائية الشفافة و هي تنزلق داخل الأذرع من و إلي أحد الأطباق
الطائرة و قد تكورت علي نفسها و حدث لها تصغير مؤقت فبدت أشبه بالأجنة البشرية و
هي تتلوى عبر الأذرع .
كان ذلك المشهد في أول
حدوثه مثار لأقصي درجات الرعب . بين الأرضيين و أقوي من كل مشاهد الخيال التي دارت
في أفلام الخيال العلمي عن الغزاة الذين هم بالتأكيد يعدون العدة لغزو الأرض في أي
وقت من الأوقات .
* * *
كان أديب الخيال العلمي الكبير و الأشهر في
ذلك الوقت " صلاح معاطي " في استضافة احدي القنوات الفضائية عندما سألته
المذيعة ذات الشعر الذهبي و الماكياج الصارخ . و هي تواصل الحديث عبر برنامجها
المشهور " حقائق أغرب من الخيال " و الذي حاز أعلي نسبة مشاهدة منذ قدوم
الغزو و أصبح بشكل يومي في حلقات خاصة عن الغزو . . سألته المذيعة و هي تتخذ مظهر
الجدية .
-
الأستاذ " صلاح معاطي " من أشهر أدباء الخيال العلمي و
الذين بدءوا الكتابة في نهايات القرن
الفائت اسمح لي أن أوجه إليك هذا السؤال .
-
ماذا تري يا سيدي في شكل الغزاة – هل توقعهم أدباء الخيال العلمي ؟
تنحنح الكاتب " صلاح معاطي " و عدل من نظارته المربعة علي
وجهه الأسمر الدائري البريء السمات . . فبدا شاربه الأنيق المنمق بعناية و ربت عن
شعره الذي انحسر بدرجة بسيطة عن جبهتك و لم يغير ذلك إلا اليسير من وسامته
المعهودة لدي المحيطين به ثم قال :-
-
سيدتي بالتأكيد توقعوا – لن أعدد لك أسماء الروايات و لا الكتاب الذين
حدثونا عن الأطباق الطائرة و لم نصدقهم . . و يكفي أنه لم يكن أحد يؤمن بوجودها
سوي أدباء الخيال العلمي .
-
ابتسمت المذيعة في وجهه ابتسامة تدربت عليها طويلاً في قسم الإعلام .
ابتسامة لتريح أعصاب الضيف و المشاهدين ( خاصة في هذه الأوقات العصيبة ثم قالت :-
-
من أين أتوا سيد ؟ !
-
بدت علي الكاتب الدمث ملامح الدهشة من سؤالها و هو يقول :
-
سؤال صعب . . ربما يكون من أطراف المجرة أو من أقاصي الكون عبر
الأنفاق الدودية حسب ادعاءات " ستيفن هوكنج " أو من كون مواز " بعد
تأكدهم من نظرية الأوتار" ، أو عن طريق عبور ثقب أسود و ذلك طبقاً لما
شاهدناه من طاقة هائلة لديهم تمكنهم من عبور أفق الحدث للثقب الأسود ثم ضحك ضحكة
دبلوماسية و لكن في سخرية :-
-
لربما حتى أتوا من بلوتو ! إذا كان لديهم الأردية المناسبة لمقاومة درجة الحرارة المنخفضة جداً
هناك .
-
اعتادت المذيعة من خلال تعاملها مع أدباء الخيال العلمي تلك السخرية
المنضبطة في أحاديثهم و لكنها لم تلبث أن نفضت عنها تلك الفكرة و استطردت و هي
تستدير نصف استدارة نحو الكاميرا .
-
و الآن . . سيداتي و ساداتي متابعي برنامجنا العلمي . . نأتي إلي
السؤال المهم :-
-
ثم عادت بجسدها ناحية الكاتب الأشهر " صلاح معاطي " و قالت
له و هي تضغط حروف كلماته :-
-
لماذا ؟ ! نعم سيدي . . لماذا أتوا ؟ !
-
اعتدل الكاتب في جدية و اهتمام معروفين عنه و رفع يده اليمني مشيراً
بها ناحية الكاميرا و هو يقول :-
-
هذا هو السؤال ؟ ! لماذا أتوا ؟ !
-
كان قد أطال نبرات كلمة السؤال ليدلل مدي أهمية ما سيقوله :-
-
سكت قليلاً ثم أردف بصوته ذا الطبقات القوية الواضحة :-
-
نعم !! لماذا أتوا ؟ !
-
إنني و من خلال دراستي لشهادات نحو تسعة ألاف حالة خطف من فترة ما قبل
قدومهم اتفق أصحابها علي أغلب التفاصيل أقول لك سيدتي .
-
إنهم يريدون . . . .
صمت لحظة ثم تمتم بهدوء و كأنه يقول امرأ عادياً .
-
يريدون شيئاً واحداً هو احتلالنا, لا يمكن ان يأتوا بكل هذا العدد من الأطباق
الطائرة إلا لاحتلالنا وربما لإبادتنا .
-
تركت له المذيعة حرية الحديث وتركزت الكاميرا عليه ليواجه المشاهدين فبدأ
قميصه الأخضر الزاهي وابتسامته الخبيرة فى
مجاله تواجه ملايين الاناسى المرعوبين المصدومين, وهو يقول واعظاً
-
المشكلة إننا لم ندر
التسعة آلاف حالة كان أكثر من نصفهم العلماء وأدباء الخيال العلمي زملائي
فى العالم كله , كانوا يريدون دراسة أفكارنا وخيالنا وان من لديه خيال يستطيع ان
يصنع الكثير .. لكن الناظر عند قدميه لا يصنع شيئاً .
علا صوته حانقا ً فى لحظة غضب اقسم العارفون به انها نادرة فى حياته –
لم نصدقهم ! اتهمناهم بالجنون ! والخزعبلات ! وها هى الايام تثبت
صدقهم .. كان علينا ان ندرس كل شئ وفقاً للعلم حتى وان كان اغرب من الخيال .. والأغرب من الخيال صدقيني انهم
كانوا يريدوننا . نعم كانوا يريدون أدباء الخيال العلمي لان الخيال هو أساس القوة
وهو بذرة المستقبل .
ثم تراجع بظهره وبدأ وكأنه يهمس فى حزن :-
فلتنم هادئاً ياجول فيرن ..
لم يقدر احد رسالتك !
الأربعين – السويس
ت/ 01229720299
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق