رحيل
ثناء حسن
كل من تحدث عن إقامة طويلة في هذا المنزل غادر فجأة وإلى
غير رجعة، ومع ذلك فهم وعن الحديث عن إقامات طويلة لم يكفُّوا، حملت الجدران صورهم
باهتة الملامح، المكلَّلة أطرافها بالسواد، ولم يكفُّوا عن رسم خطط طويلة المدى
لإصلاح السقف وتقوية الجدران وتشذيب أشجار المانجو التي تمتلئ بها الحديقة الخلفية،
لم يكفُّوا ولم تكُفّ الجدران عن التهام صورهم باهتة الملامح واحدًا وراء الآخر،
ولم تكُفّ الشارات السوداء عن الالتفاف حول براويزها في شراهة!
لم يكفُّوا ولم يكُفّ السقف عن الانهيار، ولا كَفَّت
الجدران عن التصدع شتاءً وراء شتاءٍ ضاربةً بكل خططهم طويلة المدى عرض الحائط.
حتى شجرة المانجو العجوز في الحديقة الخلفية استيقظت ذات
صباح على الحقيقة المرعبة؛ إذ لم يعد هناك من يقطف ثمراتها، ولما كانت لا تستطيع
بمفردها التوقف عن الإثمار، ولما كانت لا تستطيع بمفردها أن تتخذ قرارها بأن تغادر
هي الأخرى فجأة وإلى غير رجعة، لذا فقد ظلت هناك مع الكلب الأسود العجوز الذي لم
يطالب أحد بملكيته، تَرقُب تشقُّقَ الجدران وتصدُّع السقف والسكان الجدد الذين لا
بد قادمون، وفي رسْم خططٍ طويلة الأجل لا بد سيسرعون، وفي مغادرة المنزل إلى غير
رجعة مؤكدٌ سيبدؤون، ولكن هل سيتحمل جدار واحد كل هذه الصور المكلَّلة بالسواد وكل
هذا الحزن..؟
القاهرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق