الاتجَاهَات الحديثة في الكِتابَة للأطفال
(في الوطن العربي)
وَرَقَة مُقدِّمَة من
مَحْمُودٌ أبُو فَرْوَةَ الرَّجَبِيُّ
إلى ورشة عمل أدب الأطْفال المنعقدة في مركز الأميرة سلمى للطفولة في الزَّرْقاء في شهر أكتوبر 2010م
واقع الكِتابَة للأطفال الآن
هُنَاكَ تطورات ملحوظة في عالم الكِتابَة للأطفال في الوطن العربي، وَمَع ذلِكَ فإنها لا ترقى إلى ما هُوَ مَطْلُوب، وَهُنَاكَ أشكاليات كَثِيرة تواجه هَذَا الأدب، لَنْ نتطرق إلى معظمها، وَلَكِن الكاتِب سيركز في هَذِهِ الوَرَقَة عَلَى توجهات الكِتابَة للطفل في العصر الحديث، وخاصة ما يَكْتُب لَهُ خارج المنهاج المدرسي، من شعر وَقِصَّة.
تتميز الكِتابَة للأطفال الآن بعدة سمات مِنْهَا:
أولاً: الكِتابَة في كثير من الأحيان بِالأسلوبِ القديم، وهَذَا يظهر من خِلال الُّلغَة المسْتَعْمَلَة، والأفكار المطروقة، والالتقاطات التَقْلِيدِيَّة، وعدم التقيد بعالم الأطْفال، ابتداء من قاموس الطِّفْل المتخصص، وَمُروراً بِطَرِيقَة تركيب الجمل، وَانْتِهَاء بمعالجة القصة، أوْ تَقْدِيم الشعر.
ثَانِياً: بَعْض الأدباء يخلطون بَيْنَ دور أدب الأطْفال، ووظيفته في الحياة، وَبَيْنَ دور الْمُدَرِّس، والمربي، دونَ مراعاة تقنيات الأدب، وإعطائه الأولوية القصوى.
ثالثاً: كثير من أدباء الأطْفال تحولوا بالأساس من كتاب قِصَّة، وشعر للكبار، إلى الكِتابَة للأطفال، وَبعْد مرور سنوات طَوِيلَة عَلَى ممارستهم الكِتابَة، وهَذَا فِيهِ إيجابيات عديدة، وَلكِن أولئك الأدباء في الغالب لا يتحررون من عالم الكبار فِيمَا يكتبون، فتأتي مؤلفاتهم لتدور، وتحوم حَوْلَ ما يهتم بِهِ الطِّفْل، دونَ الولوج -عادة- في عالمهم الخاص.
رابعاً: هُنَاكَ إشكالية بسبب وجود المثالية الزائدة فِيمَا يكتب للطفل، وَتَقْدِيم العالم له وكأنه جَمِيل جداً، خال من الاشكاليات، وإذا حَصَلَ، فإن الصراع يحصل بَيْنَ الخير الخالص، والشر التام، فَلَيْسَ هُنَاكَ حلول وسط، ولا مَكَان للألوان الأخرى في الْحَياة، غَيْر الأسود والأبيض، وهَذَا يؤدي إلى ترسيخ التفكير المثالي لَدَى الطفل بِطَرِيقَة لا عَلاقَة لَها بالواقع، أوْ عكس ذلِكَ تَمَامَاً.
خامساً: ما زالَ أدب الطِّفْل يركز عَلَى (ما يجوز)، و (ما لا يجوز)، وهَذَا ليْسَ عَيْباً، لَكِن العيب أن هَذَا الأمر أثر عَلَى الشكل الفني لِلقِصةِ، وَعَلَى ثرائها بعالم الامتاع والجذب للطفل، وَلَمْ يُعْطِ مَجَالاً لتنويع الكِتابَة للطفل.
سادساً: ما زالَ كثير من الأدباء غارقين في عالم التقسيم التقليدي للطفل، ضمن مراحل عمرية جامدة، رغم ان هَذَا التقسيم قَدْ لا يفيد في الحَالَة العَرَبية في جوانب مُعَيَّنَة، وهُوَ يَحْتاجُ إلى دراسة أعمق عَلَى الطِّفْل العربي، خاصة فِيمَا يتعلق المراحل القرائية.
سابعاً: لَمْ يدرك كثير من أدباء الأطْفال ان طِفْل اليَوْم هُوَ غَيْر طِفْل أمس ( واقصد بِهِ الطِّفْل الَّذِي عَاشَ بيننا الأسبوع المَاضِي، وَليْسَ في العِشْرين سنة الماضية)، وهَذَا لَمْ يقنع الكثيرين لتغيير أساليب كتاباتهم، ليتحولوا هم أولاً إلى (أدباء ديجتال) ليواكبوا (أطفال الديجتال).
ثامناً: البعض يركز عَلَى أدب الأطْفال كمَجَال لكسب المال، وهَذَا لا يشكل عَيْباً بحد ذاته، لَكِن أن يتحول المرء ليكتب في هَذَا الحقل ليتكسب فَقَطْ، دونَ ان يَمْتَلِك أدواته، أو يؤمن برسالته فهنا المُشْكِلَة.
تاسعاً: بَعْض دور النشر ما زالت تعيش في عالم الإرهاب الفكري، والمادي، والمعنوي للكاتب، وَهِيَ تَتَعامَل مَع الأدباء كعامل ثانوي فِيمَا يكتبون، بَلْ وَهُنَاكَ دور نشر لا تضع اسم الكاتب عَلَى الغلاف الخارجي لِلْكِتابِ، وكأن الأمر لا يعنيها، وَمَع كل ما تجنيه بَعْض دور النشر من أرباح خيالية من بيع كتب الأطْفال، فإن حصة الكاتِب تَكُون محدودة جداً، وَبَسيطَة، ونجاح الكِتاب يعزا لقدرة دار النشر، أمَّا الفشل– إذا فشل الكِتاب– فسببه الكاتِب.
عاشراً: بَعْض دور النشر تصدر الآن كُتُبَاً بإخراج فَنِّي جَمِيل، وَقَدْ تمكنت بعضها من تجويد هَذِهِ الصناعة، والارتقاء بِهَا، وَلَكِن هَذِهِ الدور (كلها) لا تعمل عَلَى تلميع الكاتِب، وترويجه، وتسويقه بالشكل الصحيح.
حادي عشر: بَعْض الأعمال الأدبية الَّتِي تختار في المناهج المَدْرَسِيَّة، لا تنتمي إلى جنس أدبي مُحَدَّد، فَقَد تجدها قِصَّة غَيْر مكتملة العَنَاصِر، أوْ جنس أدبي تحتار في تصنيفه، وَلِهذا نتائج سلبية عَلَى الطَلَبَة.
ثاني عشر: بَعْض دور النشر تطلب من الأدباء أن يصبحوا خياطين، ويقوموا بتفصيل قَصَص مُناسِبَة لأمينات المَكْتَبات، وَالمَدَارِس، بغض النظر عَنْ توجهات الطَلَبَة، بَلْ إن بَعْض هَذِهِ الدور ما زالت تطبع القَصَص الكلاسيكية، وتعيد نشرها، وهَذَا ليْسَ عَيْباً، لَكِن العيب أن تنشر أكثر من عشرين دار نشر عَرَبِيَّة قِصَّة أطفال واحدة، وكأن الدُّنيا خلت من أي شَيء جَدِيد.
ثالث عشر: غياب شبه كَامِل لنقد أدب الأطْفال، وعدم تركيز بَعْض الكليات الأدبية عَلَيْهِ.
رابع عشر: عدم وجود تخصصات مُعَيَّنَة في الجامِعات تغطي أدب الأطْفال بِشَكْل مقبول.
خامس عشر: عدم وجود مَبَادِئ تحكيم عادلة، ومهنية لتقويم الكتابات الموجهة للطفل، خاصة في دور النشر، والمجلات، وعدم اعتماد مفهوم الدليل الارشادي للتعامل مَع هَذِهِ المؤسسات من قبل الأدباء.
سادس عشر: عدم الاهتمام الكافي من وزارات التَّرْبِيَة والتعليم في العالم العربي بتزويد مكتباتها بالنتاج العربي من أدب الأطْفال، بَلْ ووضع طَرِيق عقيمة للشراء من الكاتِب. كَمَا أن تِلْكَ الوزارات لا تشترط عَلَى المدارس الخاصة إنشاء مكتبات للأطفال، أوْ تزويدها بالحد الأدنى المقبول من الكُتُب بِشَكْل عام.
اقتراحات لتحسين واقع الكِتابَة للأطفال
أولاً: شمول الكِتابَة للأطفال باجناس أدبية، وكتابية أخْرَى، وإدخال مفهوم الكِتاب الشامل للأطفال بِشَكْل أوسع، وتعويد الأطْفال عَلَى القِرَاءَة بمجالات أخْرَى غَيْر القصة والشعر.
ثَانِياً: زيادة الحساسية لما يَكْتُب للأطفال، والتقاط الأفكار الَّتِي يكتب من خلالها بذكاء كَبِير، وَبِطَرِيقَة تَكُون قَرِيبَة جداً من عالم الطفل.
ثالثاً: إنشاء دار نشر وطنية تعنى بنشر كتب الأطْفال بشروط عادلة في كل دولة عَرَبِيَّة.
رابعاً: إدخال مفهوم تلميع الكاتِب والاستثمار باسمه إلى عالم النشر، والعمل عَلَى الترويج لَهُ من خِلال القراءات المَدْرَسِيَّة، واللقاءات الصحفية، وإنفاق الأموال من قبل دور النشر لِهذا الغرض، لأنَّ الأمر ينعكس عَلَى مبيعاته، وزيادة أرباحها وأرباحه من البيع.
خامساً: الكِتابَة بلغة بَسيطَة، والإتفاق عَلَى قاموس خاص للأطفال، والابتعاد عَنْ الُّلغَة الخشبية في الكِتابَة، واستبعاد الألفاظ الميتة من الُّلغَة المُقَدِّمَة للطفل.
سادساً: تطبيق مقولة (الشكل الفني أولاً) في الكِتابَة للأطفال، مَع التوازن مَع العَنَاصِر الأخرى.
سابعاً: تشجيع الكتاب الشباب لخوض غمار الكِتابَة للأطفال.
ثامناً: دُخُول الأدباء عالم الديجتال، والرقمية الحَديثة ليتمكنوا من التَعَامُل مَع الأطْفال.
تاسعاً: وضع معايير واضحة لتحكيم أدب الأطْفال، وإدخال أدلة استرشادية لدور النشر، وَمَجلات الأطْفال، وَالمُسابَقات العامَة، ليتعامل مَعْهَا الأدباء بمهنية عالية.
تاسعاً: عمل دِرَاسَات وأبحاث لتحديد ما يُحِبُّه الأطْفال وما يُرِيدُه، خاصة الإجابة عَلَى سؤال: هَلْ ما زالَ الأطْفال يحبون القَصَص البوليسية، وَقَصَص الخيال العلمي؟
عاشراً: عمل برامج حكومية فاعلة لدعم أدب الأطْفال، وتشجيع الأطْفال عَلَى القِرَاءَة، وإعفاء مدخلات كتب الأطْفال من الضرائب، والرسوم، وتسهيل انتقال هَذِهِ الكُتُب بَيْنَ الدُّوَل العَرَبية.
وَبعْد،،، أدب الأطْفال مهم جداً في عملية بناء الطِّفْل العربي، وهُوَ (سلعة استراتيجية) يَجِبُ الاهتمام بِهَا، لأنها تشكل أحد أهم السدود في مواجَهَة الغزو، والاستلاب، وَبعْد هَذَا الكَلام كله يُمْكِنُ تلخيص المُشْكِلَة الَّتِي نعيشها في هَذَا المجال، هُوَ انه ينقصنا الارادة والإدارة.
الارادة كَيْ نصنع أدباً راقياً يتحول مَع مرور الوَقْت إلى خبز الأطْفال اليومي وزادهم، والإدارة الَّتِي تحول هَذِهِ الأحلام والطموحات إلى إجراءات عملية، وبرامج واقعية تحقق هَذِهِ الأهداف.
للمزيد:
Www.facebook.com/mrajaby7
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق