للحجر
ذكريات في حياتي
خالد خماش
للحجر
ذكريات كثيرة في حياتي , فمنذ صغر سني و أنا أسمع كيف أستخدم قابيل الحجر في قتل
أخاه هابيل وإنها أرخص سلاح في العالم , فالإنسان البدائي أستخدمها في قتل
الحيوانات التي لذها نحو حفرة تقع فيها أعدها هو مسبقاً ثم يلقي عليها الحجارة حتى
تموت ومن ثم يأكلها .. وقبل الإسلام كان من لا يمتلك المال ليشتري صنمٍ يعبده ,
كان يتخذ من مجموعة الأحجار يضعها فوق بعض صنماً له .. أما أنا فكنت أضعها فوق بعض وألقي عليها كرة
مصنوعة من جوارب الأقدام محشوة بقطع من الإسفنج ومشدود عليها خيط , أقذف بها الحجارة
من مسافة بعيدة محاولاً إيقاعها , فهذه هي كانت لعبتي المفضلة , أما علاقتي بالفن
بدأت بالأحجار الجيرية التي كنت أبحث عنها
بين أكوام الحجارة لأنحت عليها بمفك كهرباء لتخرج تحفة فنية أقوم بتوزيعها على
الأقارب والأصدقاء , وإلى الآن لا أعرف السبب حينما أكون معصب أو متوتر لماذا أقوم
بقذف حجر في مياه الترعة التي كانت قريبة من بيتي ..أما أخي الأصغر فهو يستخدم
الحجر في التعبير عن رأيه فيقوم بقذف الحجارة على البيت في حالة رفض أي طلب
يخصه ففي إحدى هذه المرات تلقت جدتي بحجر
في رأسها وهي التي جاءت لزيارتنا من غزة ..أما أكثر الأشياء حيرة في حياتي , فهو
حجر رشيد أشهر حجر في العالم , كنت أسأل نفسي لماذا الفرنسي شامبليون هو الذي
أستطاع فك رموز الحجر ولماذا لم يكن أحد من أبناء الفراعنة أنفسهم .. وفي العام
1987م كانت الشرارة الأولى لانتفاضة الحجارة في الأراضي العربية المحتلة , وكان
للحجر قداسية كبيرة بالنسبة لكل فلسطينيو الشتات , فكان طلبي الوحيد من صديقي الذي
سافر لزيارة غزة , هو حجر من أحجار فلسطين .. وحينما عودت للوطن بعد أتفاق أسلوا
في العام 1994م ذهبت للعمل في مدينة بيت لحم بالضفة الغربية , قمت بعمل زيارة مع
صديقي الصحفي أسامة العيسة , لبيت والد عالم الأحياء الفلسطيني سنا عيسى عطا الله الذي
توفى في إيران اثر حادث غامض , وحينما فتح لنا والده الذي تخطى الخامسة و التسعون
باب المعمل الذي يقع أسفل الفيلا شاهدت أشياء لا تقدر بثمن , ومن ضمن هذه الأشياء
وجود حجر منحوت عليه هيكل لسمكة , فأكد لنا الرجل أن أبنه وجد هذا الحجر في قمة
جبل في صحراء قمران شرق مدينة القدس , مما يثبت أن هذه المنطقة قد غمرتها مياه
البحر فيما مضى , ربما يكون الطوفان .. وفي العام 1996م قامت إسرائيل بحفر نفق
أسفل المسجد الأقصى , فخرج الشعب الفلسطيني في ثورات عمت كل الأرضي الفلسطينية ,
تندد بهذا العمل الذي يعرض المسجد الأقصى للخطر , فذهبت لخط التماس مع جيش الاحتلال
عن مسجد بلال (قبة راحيل) وهناك أصابتني غيرة شديدة من الشباب الذين يمسكون
الحجارة ويلقوا بها على جنود الاحتلال المتمركزين خلف سواتر أسمنتية , فإذا برجل
قد تعدى الخمسين من العمر يخترق بجسمه النحيف أجساد المتظاهرين حتى وصل للمقدمة ,
ثم أخرج من بين جلبابه المقلاعة وضع بداخلها حجر ثم راح يقذف بها الجنود الحجر تلو
الأخر في همة ونشاط شاب في العشرين من عمره , فدب في قلب الكثير من الشباب وأنا
واحد منهم الحماس , فأسرعت و أمسكت حجر ورحت أتقدم الصفوف , وقبل أن أقذفه ظهرت
مدرعة لم أشاهدها في حياتي من قبل , وحينما شاهدها الشباب أسرعوا تاركين المكان ,
وقبل أن أكتشف أنا إنها مخصصة لقذف الحجارة أصابني منها حجر في أعلى ظهري و أسفل
الرقبة لم أشعر بألمه إلا في اليوم الثاني .. أما الحجر الأخير الذي لم يغب عن
ذاكرتي حينما توفى صديقاً لي و رحنا نبحث عن حجر ليكون شاهد للقبر , ها هو للحجر
ذكريات كثيرة في حياتي وأظن إنه أيضاً في حياة كل من عاش على هذه الأرض , أبحث في
ذاكرتك ستجد و أنا واثق من ذلك .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق