2012/12/03

الصحافة والإعلام في مصر... ميزان العدالة الشعبية بقلم: أحمد طوسون


الصحافة والإعلام في مصر... ميزان العدالة الشعبية


الصحافة التي نالها ونال كتابها قسط غير قليل من غضب وغضبة تيار التأسلم السياسي باعتبارها أحد روافد الإعلام الهامة ضمن سياق تفتيت عظام مؤسسات الوعي والتنوير والرقابة لإرهابها في مواجهة رجعية ظلامية تزحف نحونا من جبال تور بورا.


ميدل ايست أونلاين

بقلم: أحمد طوسون

قبل 5500 سنة من لحظتنا الراهنة ابتكر الفراعنة القدماء الأبجدية الهيروغليفية وكانت عبارة عن صور ورموز تدل على معاني ومدلولات للتواصل الإنساني ولحفظ تراثه الفكري والثقافي والتاريخي، الحال نفسه عرفته الحضارة البابلية فيما عرف باللغة المسمارية، ولا شك أن غالبية المجتمعات على كوكب الأرض عرفت ذلك التطور التاريخي الفارق بشكل متفاوت عبر حقب زمنية مختلفة للتدوين الإنساني الذي شهد نقلة حضارية باختراع الطباعة على الورق على يد الألماني يوهان جوتنبرج عام 1447م الذي شكل اختراعه حجر الأساس لمولد الصحافة في شكلها الحديث.

الصحافة التي نالها ونال كتابها قسط غير قليل من غضب وغضبة تيار التأسلم السياسي باعتبارها أحد روافد الإعلام الهامة ضمن سياق تفتيت عظام مؤسسات الوعي والتنوير والرقابة لإرهابها في مواجهة رجعية ظلامية تزحف نحونا من جبال تور بورا، تكفر بسيادة القانون، وتكفر بالاحتكام إلى منصة القضاء، كما تكفر بحرية الإعلام كضمانة أساسية ضد انحراف أي من سلطات الدولة أو انحراف مسئوليها.

الإعلام الحر الذي يعد أهم تطبيق لحق المواطن في المعرفة والمعلومات، وأهم رقيب على مبدأ شفافية الممارسة الإدارية والسياسية.

لذا كان من العجيب أن يستخف القاضي الجليل السيد المستشار حسام الغرياني رئيس الجمعية التأسيسية لمشروع الدستور بمطلب الجماعة الصحفية بالنص في دستور بلادهم على أن "الصحافة سلطة شعبية".

وقال المستشار الغرياني في مجال رفضه لمطلب الصحفيين، إن مصطلح السلطة الشعبية أو السلطة الرابعة هو مصطلح مجازي استخدمه الرئيس الراحل أنور السادات في دستور 71، لكن السلطات الثلاثة معروفة وهي التشريعية والقضائية والتنفيذية.

رغم أننا في الحقيقة لم نعرف منذ ثورة يوليو سلطة تشريعية إلا بشكل مجازي وإن تجسدت ماديا في شكل مجالس منتخبة أيضا مجازيا، كما أن السلطة التنفيذية في كثير من أوقاتها مارست سلطاتها بشكل مجازي يفوق خيالات صناع أفلام الرعب الأميركية، كما عرفنا أشكالا مجازية للسلطة القضائية فيما عرف بالمحاكمات العسكرية ومحاكم أمن الدولة طوارئ وغيرها.. بينما مارست الصحافة خاصة والإعلام بوجه عام سلطته في خدمة المجتمع والتعبير عن اتجاهات الرأي العام والإسهام في تكوينه وتوجيهه والوقوف ضد الاستبداد والفساد والطغيان، وكان بمثابة الإدعاء العام الذي يقدم الدليل بعد الدليل ضد نظام مبارك وفساده حتى انتفض الشعب وقام بثورته العظيمة في 25 يناير.

سلطة الإعلام الحر هي سلطة الحقيقة التي لابد أن تصل إلى ميزان العدالة لتحقيق آمال وطموحات البسطاء في المساواة والعدل والحصول على نصيبهم من خيرات أوطانهم المنهوبة والوقوف ضد خزعبلات الدجالين وسماسرة الأوطان وصناع الفتن وكشفهم أمام مجتمعاتهم.

فلا أحد يستطيع أن يمنع شمس الحقيقة عن الظهور مهما احتجبت.

لذا فليس من المهم النص على السلطة الشعبية للصحافة والإعلام فهي أصبحت سلطة فوق دستورية لا تحتاج إلى نص لتوكيدها.

ولست قلقا من الهجمة الشرسة التي يمارسها البعض على الإعلام المرئي والمكتوب فيما يشبه الهوس المرضي. فالإعلام المصري الذي استطاع أن ينتزع حريته في ظل حكم قمعي ومارس دوره كسلطة حقيقية في المجتمع دون أن يتمتع بحصانات السلطات (المجازية).. ووقف رجاله أمام ساحات القضاء وزج بهم في غياهب السجون من أجل الحق والحقيقة، لن يستطيع أحد أن يكبله بعد ثورة عظيمة كان أحد صناعها بامتياز، سيظل يمارس دوره في نشر الوعي وكشف الحقيقة من جوانبها المختلفة أمام الرأي العام.

أحمد طوسون

قاص وروائي مصري

ليست هناك تعليقات: