بقلم: عبد القادر كعبان
يتساءل
الجميع اليوم عن التغيرات التي أحدثها مصطلح العولمة و الوسائل
التكنولوجية الحديثة و لكن رغم كل هذا لا يزال المواطن العربي يعيش في
القهر و صور جديدة للعبودية، و
ليس بالضرورة أن تكون معلنة بل قد تكون غير مباشرة ومنه تستحضرني مقولة
عمر الفاروق رضي الله عنه "متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم
أحرارا".
مجتمعاتنا
العربية اليوم تفتقر لمفهوم الحرية الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالضمير و
الأخلاق و المعاني الإنسانية، و لا مناص من الإعتراف أن الكتابة بكل
أنواعها تحرر من نوع آخر لا سيما الرواية بحكم خاصيتها الرئيسية ألا و هي
الإسهاب في سرد الأحداث بما فيها الزمان و المكان و الشخصيات بالتفصيل
الدقيق.
عنوان
العبودية الذي يشهده العالم العربي اليوم ذكرني برواية الساحرة الشيلية
إيزابيل الليندي "الجزيرة تحت البحر" و كأنها تغوص بالقارئ الملاحظ في ذلك
الوطن الذي تتسع مساحته مقارنة باليابسة أين تعيش الكائنات في حرية مطلقة
من مختلف الأحجام و الألوان و الأشكال.
قصة
هذه الرواية تختلف عما ألفناه في روايات إيزابيل الليندي السابقة فقد
تناولت انتفاضة العبيد التي وقعت في "هايتي" قبل مائتي سنة من الآن و التي
أسست لأول جمهورية مستقلة للسود في العالم.
كعادة
إيزابيل الليندي نواجه منذ أولى صفحات روايتها أحداثا صاخبة مليئة بجملة
مفاجآت تتوارى خلف جدران التاريخ. إضافة إلى أنها ممزوجة بأحاسيس البطلة
"زاريتي" العبدة الخلاسية و شخصيات الرواية، فنجد أنفسنا في مواجهة العشق،
الألم، المغامرة، الحزن و الأسطورة كما عودتنا الساحرة الشيلية عبر مختلف
مؤلفاتها.
ما
يثير انتباه القارئ لأول وهلة هو أن زمن الرواية يمتد على مدار أربعين سنة
من حياة البطلة "زاريتي" نشهد خلالها ألوان العبودية و الإستغلال الذي
تعرفه طبقة العبيد في الجزيرة الكاريبية في القرن الثامن عشر. ففي تلك
المستعمرات الجميع يسعى للكفاح بحثا عن الحرية حيث نشهد هيمنة السادة
البيض، فلا قانون يقمع طغيان هؤلاء المغتصبين
المنكبين على التهريب و الدعارة الذين استخدموا الجزيرة كملاذ آمن لتلبية
رغباتهم القذرة.
البطلة
"زاريتي" نموذج لحالات القهر و الإهانة و البؤس الذي عرفته تلك الفترة
خصوصا أنها ذاقت طعم العبودية منذ نعومة أظافرها حيث استسلمت لحياة من
ابتاعها و زوجته. من ذلك المكان تتحول كذلك إلى شاهدة على عادات و سلوكيات
البيض الأغنياء و ملاك الأراضي و استغلالهم البشع للعبيد السود.
كل
رواية من روايات الليندي الشيلية هي رحلة ممتعة و مليئة بالتشويق و
الدهشة، و ما نكتشفه عبر صفحات هذه الرواية هو عزمها على رسم ملامح بطلة
مناظلة تبحث ككل إنسان عن الحرية حيث تجتاز بذكاءها فخاخا ينصبها القدر لها
كونها عبدة خلاسية حتى لا ينتهي مصيرها كأي إمرأة سجينة تواجه مصيرها
المحتوم بين يدي سيدها ذلك الرجل الأبيض
الحر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق