أنا
أيضاً كنتُ هناك يامجدولاين
" إطلالة على
المجموعة القصصية"كنتُ هناك" لمجدولاين الدحيات
بقلم:د.سناء
الشعلان/ الجامعة الأردنية
selenapollo@hotmail.com
قليلٌ هم من يُكتب لهم أن يشهدوا ولادة
موهبة جديدة في مرحلة البهاء والألق،وأقّل منهم من يكرّموا أنفسهم،ويطّهروا
معارفهم وملكاتهم،ويزّكوا أعمالهم بمدّ أيديهم وتسخير معارفهم لدعم للمواهب
اليانعة،وإنارة الطّريق لهم في مبتغى أمجادهم المقدّرة لهم،بخلاف عامّة البشر من
الدّهماء والعوام والجّهال ومن سلّطوا على أنفسهم بأس التباغض الذين عادة من تصنع
الغيرة والحسد والعجز منهم أدوات هدم للمواهب،ومعامل هدم في بنيانهم الذي خُلق
وتوأمه قدر النّجاح والخلود،وسيرورة مستقبله هي التّسامي نحو السّامق الماجد،فما
حاسد يدوم،ولا محسود معدوم،هذا قانون الله في العالمين.
ولحسن حظّي – الذي يسعفني دائماً بالظّفر
بالأشياء الجميلة- أن أكون شاهدة على ولادة موهبة القاصّة الأردنيّة الشّابة"
مجدولاين عماد الدحيات"،وأن أحضر حفل تعميدها المقدّس في درب السّرد والقصة
والحكي الذي تكمن فيه أسرار الحياة والوجود والاستمرار،ومن المشرّف أن نجد مؤسسة تعليميّة
رائدة مثل مدرسة اليوبيل/مؤسسة الملك الحسين تحترف أن تكون عرّابة الإبداع،وحاضنة
المواهب،ومنبثق التّفرّد،وتتعملق كما ينبغي لكلّ مؤسسة مربيّة معلّمة راعية لتدفع
أبناءها نحو الشّمس،وتفجّر فيهم مكامن مواهبهم،وتمزّق شرانق تخلّقهم،لتهبهم للحياة
والتّحليق،وتنذرهم للجمال والحياة والعمل والإبداع،ومن المشرّف أن نجد معلمات مثل
المعلمة روان كاملة والمعلمة د.منال عقباني،يدركن أنّ العمل التّربوي ليس أنصبة
ومناهج ومواقيت عمل وعطل وجداول امتحانات،إنّما هو أمومة علميّة لا انفصام
لها،تحتّم على الأم أن ترعى موهبة أبنائها،وتقوّمها بعد تقيمها،ثم تشرع تدعمها
بكلّ ما أُوتيت من عزم وقوة وطاقة.ومشروع تخرّج الطالبة " مجدولاين عماد
الدّحيات"،وهو المجموعة القصصيّة" كنتُ هناك" هو تجسيد جميل لفكرة
الموهبة الوليدة،والمدرسة الرّائدة،والدّاعم الرّاعي،والمربّي المبدع.فنعم الدّرب
والأمل والجنى.
ولأنّني امرأة قدرها أن تجمع النّجمات
الجميلة،وترعى الغزلان الوحشّية الفاتنة،وتستمطر الغيوم قصصاً وحكايا وأسراراً
وفرحاً؛فقد كنتُ هناك،ليس في المجموعة القصصيّة" كنتُ هناك"
لمجدولاين،بل في لحظة تدشين هذا العمل الإبداعي الجميل في عالم الأدب،وذلك في لحظة
إشهاره الأولى رسميّاً في جلسة مناقشته مشروعاً لتخرّج مجدولاين في مدرسة اليوبيل.
وكانت ابتسامة النّصر على شفتي مجدولاين تبشّر
بوليدها الأوّل في عالم الإبداع،وتتحدّى به الدّنيا،وتستولد به الأمل والعزّم
لتشقّ طريقها في عالم القصّة القصيرة التي افترعتها بفوزها بجائزة بيت المقدس عام
2010-2011 عن قصّتها القصيرة" حلقات الشّهادة"،وبجائزة القصة
القصيرة لوزارة التربية والتّعليم
الأردنيّة على مستوى لواء الجامعة عام 2011-2012 عن قصتها القصيرة" أرواح
مشوّهة".كانت تتخايل بمشروعها القصصي" كنتُ هناك"،وتشرح أبعاده،وتفكّك
أجزاءه،وتربطنا بخصوصيته التي انبثقت من تجارب حياتيّة عاشتها،وكانت شاهدة عيان
عليها،وأرادتْ أنّ توثّقها بقصص قصيرة من نسيجها وحبكها وصياغتها،ثم تأخذ أنفاساً
طفوليّة طاهرة،وتعود لتختم عرضها بشكر موصول لمدرستها،ولمعلمتها روان كاملة التي
كانت المشرفة على ولادة هذه المجموعة القصصيّة،وكانت الحارس اللغوي والبنائي
والأسلوبيّ عليها،وتتوقف أخيراً عند اللوحات التشكيليّة المرافقة التي تتوّج كلّ
قصة من قصص مجموعتها،وهي مقدّمة من صديقتها في الدّراسة الفنانة الفتيّة ديسانا
جموخة.
ولأنّني كنتُ هناك؛ فقد كنتُ شاهدة على هذه
اللحظة،والكلمة النّاقدة في مشروع التخرّج،والموكل إليّ أن أقيّم هذا العمل،وأن أسجّل
استحقاقاته ودرجاته،وأنزله مكانه العادل من التقويم والتقييم، وقد كان لزاماً عليّ
أن استسلم لدهشتي وسعادتي بهذه الولادة الأدبيّة المبشّرة،وأن أعترف بكلّ اعتزاز
أنّني أستشرف بهذه المجموعة القصصيّة" كنتُ هناك" ولادة قاصّة أردنيّة
مميّزة لن يطول الوقت حتى تنال مكانة مرموقة في عالم القصّة القصيرة إن تعهّدت
نفسها بالتشجيب والبناء والتّطوير والتنميّة والنّماء.
وخلافاً للبخل النّقدي المعهود والموروث في
أوساطنا الذي قلّما يشيد بمبدع حقيقي أو يقعد عن تبجيل مرتزقة مفروض،وعناداً بذلك
الكيد والحسد العالق في نفوس معظم المربيّن والمسؤولين والرّاعين المفترضين
والأتراب الإجباريين المفروضين علينا،فإنّني أقول بفخرٍ والتزام بقلمي النّقدي
أنّني أيضاً كنتُ هناك،وشهدتُ في سماء الإبداع الأردني بريق نجم صغير اسمه
"مجدولاين الدّحيات"،وأزعم أنّ هذه المجموعة القصصيّة"كنتُ
هناك" ستكون عتبة حقيقيّة لمبدعتها نحو الولوج إلى عالم القصّة في أرحب
مساحاته عبر معاينة الواقع،والانتصار للإنسان المسحوق ضدّ جبروت المجتمع وظلمه
وقسوته وحتمياته الكيديّة.
تقع هذه المجموعة القصصيّة في 14 قصّة
قصيرة،تجنح اثنتان منها لتكونا ضمن فنّ القصّة القصيرة جدّاً ضمن توليفة لغويّة
ناصعة الوضوح والفصاحة،صافية من الأخطاء اللغويّة والتركيبيّة متدثّرة بعمق الفكرة
لتبرير مباشرة الدّلالات والتركيبات والتّصويرات،وهي في الوقت نفسه تجد من تجربة
المعاينة المباشرة والسّرد بلسان البطل الرّاوي المشارك أداة لتجريم الواقع بما
فيه من فضائح ومظالم وفساد،انتصاراً للعدالة والمساواة والرّحمة.
والقاصّة تملك جرأة أدبيّة واضحة تجعلها تصرخ
بكلّ قوة وشراسة في وجه سلطويّة المجتمع العربي،وتتبرّأ من ذكوريّته الأبويّة التي
تسحق المرأة في حالات كثيرة وتحرمها من أبسط حقوقها،مثل الحبّ واختيار الزّوج
وممارسة طقوس الحياة والسّعادة،وتهمّشها أمام الذّكر لا لسبب إلاّ لأنّه ذكر،وهي
أنثى.وهي تقّدم هذا الموقف في مشهد محلّي صرف يجعل القارئ يدرك أنّه يقرأ نصاً إبداعيّاً
ينتمي حياة وشخوصاً وأزمة وواقعاً إلى الأردن وفلسطين،وهي تجنح إلى هذه المحلّية
المعلنة إيماناً منها بخصوصية تجربتها،وذاتيّة إبداعها انطلاقاً من الرؤية
الإبداعيّة التي ترى من الذّاتيّة والمحلّية والخصوصيّة طريقاً إلى العالمية
والكونيّة والبشريّة جمعاء.
وهي تصرّ على رسم الواقع بكلّ وحشيته
وعيوبه،وعندما يرهبها بسلطته وقهره،تنتصر عليه بالتّصوير الكابوسي الذي يجعل من
عالمها القصصي غابة ملعونة تعيش كابوساً لا ينتهي،ينبثق من أصغر التّفاصيل
اليوميّة في حياتنا،ويتعملق ويتغوّل ليبتلع أرواحنا وأفكارنا وأحلامنا وعلاقاتنا
ومن ثم إنسانيتنا إن نحن استسلمنا له.وهي تدثّر هذا العالم الكابوسي بدثار
الفنتازيا،وتنسجه من خيوط الغرائبي والعجائبي لتقودنا إلى عوالم نعرفها تماماً وإن
كنّا نزعم أنّنا نجهلها ولم نعشها من قبل،وواقع حالنا يومئ صراحة إلى أنّنا أسرى هذه
العوالم المجنونة بنا وبسببنا حتى ولو أنكرنا وجودها على خارطة الواقع.
ولذلك
على الرّغم من شفافيّة اللغة المستخدمة في هذه المجموعة القصصّية إلاّ أنّنا نجدها
عبر تكثيفها وبراءتها الموهمة تحيلنا إلى محاميل رمزيّة علينا أن نقف عندها،ونفكّ
أسرارها،ونكتشف دوالها ومدلولاتها كي ننتصر لنا على رداءة هذا العالم،ونكفر
بظلمه،ونطالب بحقّنا في الحياة بالعيش بخير وسلام وعدالة ومحبّة.
وكلما سرنا في هذا الدّرب الموجع
الملبس،وحاولنا أن نفهم المجمل بدلالة الحدث راوغتنا القصّة والقاصّة بكسر أفق
المتوقّع،وبنهايات غير منتظرة،فلا نجد أمامنا إلاّ أن نقف مشدوهين ضاحكين ولو
أردنا البكاء،ونقول: مجدولاين،هناك متعبٌ موجعٌ جدّاً... فتضحك وتقول: هناك
المزيد...
وأقول
بثقةٍ نقديّة متنبّئة: نعم هناك المزيد المنتظر الجميل من القاصّة الفتيّة
"مجدولاين الدحيات".وقلمي النّاقد سيكون هناك حيث قصصها وإبداعها الجديد
المأمول،وهناك أيضاً ستكون حكايا لا تعرف النّضوب،ولاتجيد غير أن تقول:نعم للحياة
وللأقلام الجميلة الشّابة الواعدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق