مخبوء النص وخبيء الناص
العراق رائداً للنقد الثقافي
مثنى كاظم صادق
ليس من باب جر النار
إلى القرص أقول : تتجه طروحات كتاب ( النقد الثقافي ريادة وتنظير وتطبيق ـ العراق
رائداً )(1) للشاعر الباحث حسين القاصد إلى رد البضاعة إلى أهلها ، ضمن
إمكانيات استدلالية ، وظفها الباحث الذي استعان بمقبوسات نصية للغذامي ربطها
برؤيته المعمقة للأنساق المضمرة ؛ فتحقق في كتابه ـ المهم ـ هذا الارتباط النصي
لمرجعية المآل ؛ إذ حافظ على خطابه الصريح / الشجاع ، في كينونته الموضوعية في
بنية لغوية قامت في أكثرها ، على نسق حجاجي هدفه إقناع المتلقي أو إذعانه أو
التسليم به . من بين رهانات القاصد الكثيرة في هذا الكتاب ، هي الرد على الغذامي ،
وإثبات ريادة النقد الثقافي إلى العراق ، تنظيراً وتطبيقاً ومن هنا تكمن أهمية
الكتاب ؛ إذ شرع الباحث يفسل مقولات الغذامي في النقد الثقافي ، ويحللها ويقارنها
مع مقولات عراقية سابقة ، تدخل في سياق النقد الثقافي ، فكان من أعمدتها البارزة علي
الوردي ، وحسين مردان ، وعلي جواد الطاهر ومحمد حسين الأعرجي ( لقد كان للعراقيين
الصولة الأولى في النقد الثقافي ، وهذا ما اعترف به الغذامي ، لكنه حاول التقليل
من شأنه، فهو لم يتطرق لحسين مردان ومقالاته ، ولم يتطرق لكتابات الدكتور علي جواد
الطاهر في هذا المجال ) ص 15 إننا نجد في هذا الكتاب آراءً نوعية ، تبرز ضمن بنية التحليل اللساني ،
التي تدفع بنا ، إلى تأطير معرفي / ثقافي للمطروح في النسق المضمر ، وبالمقابل يقوم
الباحث ، بعملية تفنيد لآراء الغذامي الشبيهة بالحق فاتحاً ـ القاصد ـ فتحاً مبيناً ؛
تمثل بتدمير النموذج المثال الذي ساقه الغذامي ، بدلاً من بقائه محنطاً مسلماً به ؛
إذ أثبت الباحث ، أن تضاريس النقد الثقافي لدى الغذامي جاء داخلاً في مكنونات
لاوعيه وتأسيساً على هذا فـ ( قد لا نحتاج لأدلة كبيرة بأن هناك نسقين مضمرين في طرح الغذامي.. الأول:
طائفي في تناوله لشعراء شيعة ، والثاني: جعله العراق ساحة تطبيقية لتنظيره، وهذا
نابع من نسق مضمر ، هو التركيز على العراق ؛ لإخفاء السبق الذي حققه علي الوردي ، وعلي
جواد الطاهر ، وحسين مردان ، ومحمد حسين الأعرجي في هذا المضمار) ص 18 ويبدو من
خلال تحليل نصوص الغذامي ورؤيته وانتخاباته أنه مفكر جهوي ؛ فهو يطبق نقده الثقافي
، خارج حدود جغرافية بلده ، وأيدلوجيته العقدية/ السياسية لينقلها إلى العراق ، محاولاً
اغتصاب الريادة له بهذا الخروج والترحيل ؛ فهو لا يقدم أدلة اشتغالاته من محيطه القبلي
المتخم بالأنساق المضمرة ، وإنما يحاول ـ بحسب القاصد ـ أن ( يصدر معاناته في
مجتمعه ، إلى رقعة جغرافية مجاورة ليجد عزاءً مناسباً لمجتمعه المغلق، ونلمس ذلك
بوضوح ، في تـناوله لصدام حسين ، ليقع في وهم تنظيري خطير ، ومرتبك في آن واحد ) ص25 ويمضي القاصد قدماً في سوق أدلة اشتغالات الغذامي الطائفية /
القومية مثبتاً أن أفكاره ، غير متجانسة البتة ، مع النسق المعرفي للفهم النصي .
إن المسلة النقدية الثقافية ، التي شيدها القاصد هي مسلة متينة ، ولاسيما أنه أحال
إلى مصادره التوثيقية ، بأمانة تامة فضلاً عن أخذه لمقولات الغذامي وتناقضاتها
وتفنيدها ، على طريقة من فمك أدينك فضلاً عن التوثيق التاريخي ، لمقولات العلماء الأعلام
من العراق ، الذين سبقوا الغذامي في نقده الثقافي ، وأنساقه المضمرة ، ولا يمكن بأي
حال من الأحوال ، في هذه السطور ، وضع كل طروحات القاصد هنا ، لكن كاتب السطور ، يزعم
أن ما يطرحه المؤلف هنا ، يقع ضمن دائرة الصحيح المسلم به ، بمسوغات يقينية جعلها
تدافع عن صدقها بنفسها ؛ ذلك لأن الغذامي في كتابه يتعمد تطبيق نقده الثقافي على
العراق إذ ( إن
نسق التصدير الذي مارسه الغذامي ، هو حيلة ثقافية ؛ لأنه غض حواسه جميعها عن جمال
عبد الناصر، وحروبه، ودكتاتوريته، ولعل ذلك كان مغازلة للإعلام المصري ، الذي له
سطوته في تلميع الأسماء وتسقيطها أيضـًا ) ص27 وتبرز
حيلة الغذامي هذه ، باستعماله اللغة الشمولية المسلم بها المفروغ منها ؛ لكي يمارس
سلطته التصديرية وثقة المتلقي بما يقول ، إذ يكاد يقنع المتلقي بها ؛ لذا جاءت
محاورات القاصد له مشتملة بالضرورة ، على تقنية الشاهد والمثل ، أو ما يمكن أن
نطلق عليه الإسناد المثالي الذي لا يقبل الشك بحشد الدعم اللغوي ، واحتكامه إلى
الأنساق المضمرة ، بغية الوصول الى تساوي العقلي مع اللغوي مع الاجتماعي رداً على الآفة
المعرفية ، التي يمارسها الغذامي ولاسيما عند مناقشة موضوعة الشعوبية ؛ ورد القاصد
عليه مستغرباً متسائلاً ، لماذا لم يجرؤ أحد ويقول : ( إن هارون الرشيد شعوبي كونه قرب الفرس من
سلطانه؛ فالمتهم الوحيد بالشعوبية ، هو الأديب - الشاعر على الأشهر - فبشار بن برد
شعوبي جدًا على الرغم من مقتله ؛ بسبب دفاعه عن أول دولة قومية وهي الدولة الأموية
!!
) ص 39 بعد ذلك ، يتجه الكتاب الى إثبات مرجعية النقد الثقافي
العراقي ، تنظيراً وتطبيقاً ، بالشواهد والأمثلة ،ومحاورتها محاورة مسهبة . إن هذا
الكتاب يكشف حيل الثقافة الممررة في الأنساق الثقافية الجماهيرية المغروس فيها
مخبوء النص وخبيء الناص.
(1) النقد
الثقافي ريادة وتنظير وتطبيق ـ العراق رائداً ، حسين القاصد / دار تجليات
القاهرة 2013م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق