2013/05/08

"روح ضالة " بقلم: د.موسى نجيب موسى



روح ضالة
 د.موسى نجيب موسى
            كعادتها ........ أخذت تداعب بأناملها الرقيقة أزرار تليفونها المحمول الذي اشتراه لها أبوها في أخر عيد ميلاد لها قبل أن يختار بلا أرداه السكون الابدي بجوار حبيبه الذي اشتاق إليه كثيرا في رحله شقائه بالدنيا....... لم تكن تعرف من هو صاحب النمرة وان كان عقلها الباطن اختزنها رغما عنها في إحدى رناته عليها السابقة...... لم يلتقيا...... لم يعرفا بعض بعد.... لم يكن هناك ادني علاقة بينهما تشي بوجود ثمة مسار قد ينحرف إلى اللاشئ ...... دخل إذنيها بقوة صوت جرس محموله الذي اعتادت عليه مؤخرا من كثرة طلبها لنمرته دون رد أو استجابة ولكن قلبها الضعيف يكاد أن يتذمر من كثرة دقاته المتلاحقة والتي تجعلها تنهج بطريقة غريبة حتى أنها لا تستطيع إن تخرج زفيرها براحة وان تحدثت تلعثمت ووقف الكلام في حلقها........ لأول مرة وبقوة أكثر هجم صوته الحنون على أذنيها حتى افترس وحش الحيرة الساكن في وجدانها وقضى تماماً على رعبها المنتظر من المجهول... فقد حملتها نبراته الدافئة على موجه هادئة في بحر حياته الهادئ وأخذت تحملها بعيدا حتى وصلت إلى مرفأ راحة روحها التي نزفتها كثيرا في حيوان آخرين وفى قلوب آخرين لاتعلم هل يستحقون نظرتها أو أن يشغلوا جزء ولو صغيراً من ماده عقلها الخام / البيضاء.. حقا لم تكن تعلم........ كلمة واحدة فقط هي ما فعلت بها كل هذا وكأنها كانت تنتظر المستحيل أن يتم ولكن تم دفعة واحدة قال لها بحنو:-
  - نعم...........
 لم تقو عضلات شفتيها أن تنفرجا وتنضما حتى تشكل أية حرف يستطيع من خلاله أن يفهم من معه بل اكتفت بزفرة الم حارقة كادت أن تحرقه  وتحرق الهواء الواصل بين فمه وأذنيها كررها بنفس حنوه الذي اقتحمها بلا هوادة أو رحمة
- نعم..................
 استجمعت قواها المبعثرة في ميادين التيه والضياع التي ترتادها كل ليلة مع أشباه الموجودين في صفحة قلبها البرئ والمنقوشين على مياه روحها الصافية وقالت له:-
- أزيك........
- من.........
- ليس مهما أن تعرف من ولكن المهم أن اعرف كيف حالك وماذا هو فاعل بك الزمن
- شكرا على السؤال ولكنني لم أتعود أن أجيب على احد لا اعرفه.
- لكنك تعرفني........
- قول أنت من؟؟؟؟؟؟؟؟؟
- هل تتذكر ذات ليلة وأنت تحادث أصدقائك على ماسنجر الياهوووووووو .
- أنا افعل ذلك كل ليلة تقريبا .
 -  ولكنني اعتقد انني كنت في ليلة متميزة.
- وما أدراك أنها كانت ليلة متميزة؟
- كنت متجليا فيها بوهج عجيب....
- من أنت
- الم تعرف بعد؟
- لم اعرف ولا أريد؟
- لماذا العصبية؟!!!!!!!
        أغلق خط تليفونه في وجهها ولم يعر الأمر اهتماما وعاد إلى سكينته تدير الراحة عجلة أيامه في هدوء مبهر... بينما هي أربك قلبها غلقه الخط واضطربت روحها بشدة وهبت أعاصير حياتها حتى كادت أن تقتلع كل شيء أمامها.. عادت إلى صخب عمرها وضجيج ليالها الطوال في ساحات الوجود الكاذب بواقع افتراضي يكاد أن يكون مفردات حقيقية لواقع أكثر بحثاً عن بارقة أمل ولو في مجرد صوت تستكين إليه ويعيد إليها روحها الشاردة في دروب الشتات والتمزق التي اعتادت عليها منذ زمن طويل.
             كل ليلة يتتابع على أذنيها أصواتهم بمختلف  نبراتهم ولكن أحدا لم يستطع أن يملأ فراغ صوته الأثير الذي يحملها على خشونة  نغماته ويشعرها بحقيقة وجودها الانساني بلا ادني طمع تراه في عيونهم جميعا التي تريد أن تنهش لحمها الطازج... كرهتم كما كرهت روحها التي فرت من الجسد المبهر لعيون طامع كما فرت حياتها من بين يديها بسهولة اعتادت عليها لأنها لم تكن تدرك معنى لوجودها ولا هوية لعمرها المنفرط حباته على قارعة طريق المشتهون الذين يرغبونها دون أنفسهم حتى يحققون معها متعة قد تطيل ولكنها في عرف السمو  الروحي مجرد شحاذ ضال يحاول أن يطرق باب راحميه حتى يسد رمق وجوده بلقمة قاسية الملامح وقد يجدها في عيونهم ولا يجدها ولكن روحها تتشظي أكثر وأكثر كلما انهمرت عليها أيام عمرها في توالى لتزيد عدد سنوات وجودها في ارض عطنه لأتقبلها ولا تقبل طبع قدمها الجافة حتى لا تجرح وجه الأرض البكر التي تتطلع أن تنهى حياة وجودها في طهارة ونقاء وصفاء تستمده من بكارة نظرتها للأخر دون أدنى رغبة أو شهوة قد تدفع بها إلى حافة هاوية لا مفر منها ولا مناص من الاندفاع نحوها بقوة  بفعل الدفع الروحي المقيت الذاتي  لذات إنسانية كانت تتوق إلى مرفأ الخلود في صدره الحنون الذي استوعب وجودها الصاخب في ثنايا وجوده العجيب في حضرة روحها المتسربلة عبر ذاتها المفككة بنزيف مستمر لم يفلح معه كل أدوية التجلط التي منحها لها الإله حتى يتوقف يوما ما عله يتوقف. ....


 تخشى تكرار محاولتها بالاتصال به مرة أخرى لا حتى لا ينفتح الجرح الذي خبأته في قلبها سنوات طوال وتحاول أن تخفيه خلف نظرة الرغبة المحمومة في عيون مشتهوها الكثيرون والذين يزدادون يوما عن يوم إلا هو مشتهاها هي وليست هي مشتهيته ........ الفرق كبير بينه وبينهم...... يسحبها يسحب روحها خلفه علها تتطهر من دنس واقعها الذي ليس بيدها وإنما دفعتها مفردات وجودها بقسوة لياليه التي لا ترحم...... ورغم ظهور بصيص مقاومة في البدايات سرعان ما انهارت على سطح إرادة ملساء ناعمة أرادت ذلك بوعي  مزيف حاول أن يزين لها طريق الفكاك فيما تفعله ولكن الطريق يضيق كلما سارت فيه وضاق أكثر قرب نهايته حتى صار لا يتسع إلى لاثنين هي بالتأكيد لها دور البطولة في السير في الطريق وتريده أن يقتسم معها نفس الدور عل الطريق ينتهي على ساحة خضراء تمرح فيها غاسلة سنوات قهرها الطوال.
 - ماذا افعل؟؟؟؟
 سؤال شكلت حروفه أسنان شوكة كبيرة تريد أن تفلت بسرعة البرق من يده القابض عليها حتى تنغرس في لحم وجودها المضني ولكنها أفاقت قبل أن يتهور الملعون مرة أخرى كما فعلها معها مرات ومرات وتذكرت أنها عندما تهاتفه تشعر بوجودها في حياة  أخرى ........ تسمو بها إلى عوالم تهفو روحها إلى أن تكون  معه هناك حيث النور والراحة والإحساس الحقيقي بان لها معنى وبأنها بالفعل موجودة ولو حتى في حيز ضيق جدا من عقله و تفكيره على الأقل  خلال الثواني القلائل التي تحدثه فيها فبالتأكيد تأخذ من عقله وقلبه وروحه النذر القليل وهذا يكفيها بكثير ليروى اشتياق انزاحت ملامحه في المادة الخام لعواطفها التي لم تعد بكرا بعد أن اخترقها بعنف بعفوية روحه التي لم  تجد فيها  تظاهره بعدم الاهتمام   الذي حاول أن يظهرها لها في حواراتهما القليلة السابقة.


    اتخذت القرار دون مناقشة.. خوف عجيب حث إرادتها علي التراجع لم تفكر في الأمر كثيرا بل جرت يدها بمهارة العارف وبثقة المعتاد وضربت نمرته.... جاءها صوته هذه المرة بسرعة عجيب .. لم تشأ أن تضيع وقتاً أكثر من ذلك . كفى الذي راح من عمرها ومن روحها فأطلقت القذيفة في وجهه مباشرة....
 - أحبك............
 - كيف؟!!!!!!!!!!
 - أحبك...... بجد أحبك.
 - كيف أيضا؟!!!!!!!!!!
 - احتاج إليك ......... احتاج إليك
 - هل رأيتينى.... كيف تحبينني؟!
 - أنت تزورني دائما في ليلى ونهاري ....... في صحوي ومنامي... مسام روحي تشربت صورتك المنقوشة على صفحة قلبي.
 - كيف؟؟؟؟
 - الله.....
 - ماذا؟!!!!1
 - الله... عندما يريد شيئاً أن يكون فيكون.
 - أعلم........
 - ولماذا تندهش طالما انك تعلم؟
 - ليس اندهاشا ولكن حالة من عدم التصديق.
 - لماذا هل اكذب أم تجبرني على الكذب؟
 - لست أنا الذي يجبرك على الكذب ولكن رغبة ما قد تمور بذاتك .
 - وهل أنا لن  أجد سواك يشبعها لي؟
 -لاتفهميننى خطأ......
 - ليست رغبة بمعناها الأولى ولكنها حاجة.
 - أصبت كبد الحقيقة
 - أعلم
 - وهذا ما يشدني فيك أكثر وأكثر....... اسحبني إلى عالمك
 - كيف.......؟
 - كما يفعل كل العشاق!!
 - أنت لاتعرفين عنى اى شيء.
 - لا أريد......
 - ؟كيف
 - أريدك أنت......
 - لماذا؟
 - حتى تروى روحي الظمأى... وتلملم شتات وجودي وتلضم حبات عمري المنفرطة بخيط مشاعرك البكر........
 - من أدراك أنها بكراً؟
 - احساسى.....
 - قد يكون كاذبا...
 -ولما لايكون صادقاً؟
 - نحن نلف وندور......
 - احتاج إليك......... احتاج إليك...... أحبك جدا وجدا جدا.
         دارت الكلمات بعقله وهتكت عرض وعيه البكر وأودعت براءته بلا مقاومة تذكر في بئر ذاته السحيق.... كما أشعلت داخله نار ظن أنها خمدت منذ سنوات  سارت على قضبان عمره الممتدة داخل شرايين حياته المستقرة أو التي تخيل يوما أنها مستقرة حتى جاءت هي وهزت ثوابته وحركت الساكن في روحه كما حركت مياه وجدانه الآسنة في ركود أبدى........ تجاوب معه وليس مهما الداعي ولكن الأهم انه انزلق معها رغم مصادمات واقعه الاجتماعي المكلل بآخرين متمثلا في زوجة وأولاد...... وواقعه العمري الذي يكاد أن يكون مضاعفا لعدد سنوات عمرها ........ لكنه استواه الموقف واستهوته هي وزعم بينه وبين نفسه انه يريد  إصلاح وجدانها المكسور وتعمير خراب روحها بوجوده في فضاء حياتها حتى  تنشغل به وتوقف نزيف سنواتها في اللاشئ وتجد لذاتها مخرجا مقبولا قد يساعدها يوما على إن تجد ذاتها مع من يختاره هو لها أو تختاره الأقدار تحت مظلة وجوده معها ....... توالت الاتصالات بينهما الملتهبة المشاعر والحارقة الكلمات حتى ألهبت سياط كلماتها روحه الوادعة في  سكينة وهدوء... ظن انه يمتلك من المهارات والقدرات التي يستطيع أن يطوعها من اجل خطة العلاج التي وضعها لانتشالها مما هي فيه حتى وقعت الواقعة....... وما أدراك ما الواقعة.
 كانت ليلة ضمن ليال  كثيرة كان ينتظر أن ترتسم على شاشة موبايله حروف اسمها عندما تطلبه فيسارع بالرد حتى  تعود إليه سكينته التي رحلت عنه منذ أن قذفت في إذنيه كلماتها النارية ولكن هذه المرة لم تكن ككل المرات أنها تخبره بمجيئها إليه...... نعم إليه هو....... تريده.... صعقه طلبها ولم يستطع أن ينطق بكلمة واحدة أو حتى بإية حرف تفهم منه انه يريدها أن تأتى إليه أو لا ولكنه أدرك تماما ... تماماً أدرك ... أن وداعته تركته للأبد........ وروحه أصبحت صاخبة بجلبة تأتى إليه من أعماق ذاته..... وان بحر حياته الهادئ هاجمته العواصف حتى أصبح مضطرباً تجتاحه الأمواج العاتية..... وكسى وجهه علامات التجهم والضيق...... وفر من ذاته إلى أين لا يعلم..الفرار....؟ ولكنه علم يقيناً أنه لابد من الفرار .الفرار.. الفرار .الفرار.الفرار. عله يعثر يوما في أيه زاوية من أي شارع في أي ضاحية أو حي من أحياء روحه الصاخبة أن يجد ذاته......... عله يجدها.

ليست هناك تعليقات: