2013/10/03

" السجين 504" قصة بقلم: غادة هيكل

 السجين 504 

غادة هيكل
*******
هذه القصة وان لم تحدث فى ارض المعركة الا أن مصر كلها كانت أرض لمعركة واحدة هى معركة الكرامة واسترداد الأرض المغصوبة والشرف الذى داس عليه الأعداء وحطم كبرياء وشموخ أبناء الفراعنة .
 السجين الشهيد  504 (عرفة الوحش ).
******************
سيدى مدير السجن بعد التحية :
 أنا السجين 504 ، وأسمى عرفة الوحش ، ألتمس من سيادتكم الموافقة لى على الإشتراك فى الحرب ، وقد بقى على عقوبتى خمس سنوات فقط ، فإن استشهدت فعقابى عند ربى  ، وإن عدت فقد أكون قد كفرت عن ذنوبى ، وأنول العفو.
أرسل هذا الخطاب إلى سيادة المشير ثم إلى سيادة الرئيس ، وقد كان عددها 5 4 خطابا ،فهل تمت الموافقة على طلبه وممن ؟
حكم عليه بالمؤبد لأنه قتل مديره فى العمل الذى احتال عليه وجعله طُعما ليختلس مبالغ ماليه كبيرة من الشركة ، لم يكن سوى انسان عادى ، يعمل باحدى الشركات الحكومية الكبرى ، مرتبه يجعله مستورا ، تزوج وانجب طفلتين هما كل حياته ، كانت الكبرى فى الصف الثانى الاعدادى والاولى فى الصف السادس ، جميلتان متفوقتان .
يخرج كل يوم فى الساعة الثامنة ويعود من عمله فى الثالثة ، كان أهل الحى يضبطون عليه ساعاتهم ، قليل الكلام ، مرتب ودقيق فى عمله ، وكيف لا وهو رجل الحسابات والخزينة ، يرضى عنه كل زملائه لانه يقوم بدفع رواتبهم فى سرعة وانتظام كل آخر شهر.
طلب منه المدير سعادة عبد الرحمن بيه  ، أن يزوره فى منزله الكائن بمنطقة الزمالك ، فيلا كبيرة ورائعة الجمال يتقدمها حديقة يفوح منها رائحة الورد البلدى ، لبى طلبه فى أدب وشكره على كرمه ، وفى الموعد المحدد ذهب إلى العنوان الذى يبتعد عن منزله مسافة كلّفته جنيهان ،وكان يدور فى خلده العديد من الأسئلة ، ولكنه تمنى أن تكون بشرى بترقية ما .
وقف فى الحديقة برهة يشم رائحة الورد ويملأ رئتيه بهوائها العطر ، ثم دلف إلى الصالون الذهبى المزين بالورد ، جلس على طرف الكرسى على استحياء ، وأتى سعادة عبد الرحيم بيه فسلم عليه بحرارة لم يعهدها ، وقدم له الشاى والسيجار ، وبدا فى الحديث الذى استرسل فى مودة وحب غير معهود وسأله عن أسرته ومعيشته وبناته ، وعندما طال الوقت دون جديد استأذن فى الإنصراف ، أردف عبد الرحمن بيه : سوف أزورك فى القريب العاجل .
فى اليوم الثانى استقبله فى العمل بكل جفاء وكأن كلام اليوم السابق مدهون بزبدة ،لم ينته اليوم ، فى المساء ، وجد عبد الرحمن بيه على باب بيته ، دخل بكل الود والإنكسار ، قدم له الشاى فلم يقربه ، احتار عرفه الوحش فى أمر البيه ، وتجرأ وسأله : مالك يا بيه ؟
هنا اكتملت المسرحية الهزلية قائلا فى انكسار المظلوم :
هل ترضى يا عرفة  لى أن أسجن ؟
عرفة ! : لا يا أفندم طبعا
البيه : هل رأيت منزلى يا عرفة ؟
عرفة : نعم
 البيه : هل تحب أن تسكن فيه؟
عرفة : سكت
البيه : سوف أكتب لك فيلتى
عرفة : فيلتك !، لماذا؟
البيه : مقابل أن تعطينى بعض المال من عهدتك وإن لم أسدد قم ببيع فيلتى  فى المقابل .
عرفة : !!!!!!!!!
ماذا تقول ؟عهدتى لا ، أبدا ، بع فيلتك اذن ،  وسدد دينك
البيه : وهل يرضيك أن أبيع فيلتى ، وأنا قادر على السداد فى غضون شهر ولن يدرك أحد ذلك ، ولا تنسى أننى  المدير ،  لا تخشى شيئا ، وأستأذن وأنصرف
بات عرفة يضرب اخماس فى أسداس ، لا يدرى ماذا يفعل ،وصمم على الرفض .
فى اليوم التالى ذهب إلى العمل فوجد المدير فى أجازة مرضية ، قرر الذهاب إليه واطلاعه على القرار ، وجد لديه بعض الاشخاص ، فانتحى المدير به جانبا ، وطلب منه أن يوقع على عقد بيع الفيلا له أولا حتى يثق فى أمانته ، وقد كان ، ضعف عرفة الوحش أمام مسكنته وأعطاه ما طلب .
وعاد إلى بيته فى اليوم التالى بعد أن سلم عبد الرحمن بيه ما طلبه من اموال ، ليجد البوليس ينتظره فى البيت ، وهيهات أن تثبت شيئا ، فكانت جريمة الإختلاس واضحة وضوح الشمس والذئب بين أيديهم .
هكذا ترك بيته وحياته وكرامته وشرفه وعزة نفسه  وانتقل إلى السجن ، حكم عليه بخمسة عشر عاما ، قضى منها فى وقت اندلاع الحرب عشرة اعوام كاملة ، ما بين صلاة  ، وصوم ،  وقراءة ، وبكاء ، كان البعض يصدق براءته ، عندما شرع فى كتابة خطاباته ، ظن البعض أنه يريد بذلك الهرب من السجن ، وبات الكثير يسخرون منه ، خاصة عندما مرت الأيام ولا مجيب ، وكان كل يوم يرسل ثلاثة خطابات إلى ،مدير السجن ، والمشير ، والرئاسة ، آملا أن يستجيب له أى منهم ويحدثه فى ذلك حتى وإن قوبل طلبه بالرفض .
وعندما يأس من الرد خلال الخمسة عشر يوما التى أرسل بها الرسائل ، وايقن أن لا فائدة ، حمل كتابه وانزوى فى ركنه ليعود إلى قرائته .
فُتح باب الحجرة ، ونادى بصوت جهورى : عرفة الوحش ، بعد لحظات رد : نعم ، تعال لك زيارة
خرج مع الحارس ، ليجد خطابا:
 من السيد أنور السادات رئيس الجمهورية إلى السيد عرفة الوحش السجين بسجن أبو زعبل ، رقم 504 : تم السماح لك بمشاركة شرف الجندية والإلتحاق بمركز التدريب الكائن بمنطقة القنال ، والعمل على الثأر من الأعداء بكل ما أمكن من قوة وإيمان .
لم يتمالك دموعه من الفرحة ، ورفض أن يذهب إلى بيته فهو لم يخرج إلا لينال شرف الإنتصار او الشهادة ، وقد كان ، انتقل إلى التدريب ولم يحتاج سوى يومين ليتقن حمل السلاح ، شارك فى معركة الدبابات التى استمرت رغم قرار وقف اطلاق النار وشارك أهل مدينة السويس فى الدفاع عن مدينتهم الباسلة ،التى منيت بخسائر فادحة ، وشهد سقوط فرقة ابراهم أدان فى الأسر ، وعندما رأى هذا المشهد سجد لله شكرا ،  و طلب من الله الشهادة حتى يمحوا فترة السجن التى ألحقت العار ببناته وليُكتب بدلا عنها الشهيد .. عرفة الوحش ..   

ليست هناك تعليقات: