2013/12/01

علم يفضح.. قصة بقلم: محمد نجيب مطر

علم يفضح
محمد نجيب مطر
كان مدرس الأحياء في المدرسة الثانوية يشرح درس فصائل الدم والوراثة وأخذ يشرح للطلاب كيف تتكون فصائل دم الجنين على حسب فصائل دم والديه، وقال : كثير من الناس رغم الدراسة والتعلم تخفى عليهم أسرار فصائل الدم و ثقافتهم لا تتجاوز معرفتهم أنّ هناك فصائل أربع للدم مع أنّ العلم بها ثقافة اجتماعية مهمة، في الماضي كانت عمليات نقل الدم مخاطرة على المريض لأنها قد تكون سبباً في نجاته أو وفاته، و بقي ذلك سراً حيّر العلماء لفترة طويلة حتى استطاع طبيب نمساوي بعد دراسة عينات عديدة لدماء البشر إلى اكتشاف نوعين من البروتينات المعروفة علمياً باسم (الأنتيجينات) رمز لأحدهما بالحرف  A و للآخر بالحرف B، فإذا اجتمع الأنتيجينان A و B في الدم كانت الفصيلةAB ، فإذا خلا منهما الدم كانت الفصيلةO ، وإذا ظهر في الدم أنتيجين A وحده كانت الفصيلةA ، وإذا ظهر أنتيجينB وحده في الدم كانت الفصيلةB ، ثم أردف المدرس أن نظام الجهاز المناعي في الجسم عجيبٌ فريد فهو يكوّن أجساماً مضادة لأي بروتين غريب يصل للدم.
عرج المدرس إلى الموضوع مباشرة فقال: إذا تزوج رجل بامرأة وكانت فصيلة أحدهما O و الآخر AB فأبنائهما ستكون فصائل دمهم إما A  أو B، و العكس إذا كان أحدهما O فلا يمكن أن يكون أحدهما AB، ولهذا قالوا أن تحاليل فصيلة الدم ينفي و لا يثبت، ينفي نسبة المولود إلى أبيه ولكن لا يثبتها.
أعاد المدرس الشاب الجملة في بطء مرة أخري ليؤكدها وكأنه يغرسها في نفوس طلابه، استرعت المعلومة انتباه أحد الطلاب، ففصيلة دمه AB كفصيلة دم أمه، بينما فصيلة دم والده O، استفسر مرة أخرى من المدرس فأعاد التأكيد على المعلومة، ترك الطالب مقاعد الدراسة قائلاً أنه يشعر بصداع شديد، ذهب إلى المنزل وأغلق عليه حجرته، وفتح كتاب الأحياء وألقى نظرة طويلة على الدرس فتأكد من المعلومة، قام بتشغيل جهاز الكمبيوتر وأخذ يتجول بين المواقع العلمية محاولاً الوصول إلى أي حالة مشابهة فلم يجد، أتكون أمه .....، لا يمكن أن يصدق هذا حتى لو أكدت كل الكتب والمراجع العلمية ذلك، أمه الطاهرة التي تبذل كل جهدها ووقتها لخدمتهم ورعايتهم وتسهر من أجل راحتهم لا يمكن أن تكون بهذا الوصف.
انقطع الطالب عن المدرسة وساءت حالته النفسية، زاره زملاؤه في البيت فطردهم شر طردة، وهو المعروف بصاحب الخلق الرفيع والصفات الحميدة، ازدات حالته سوءاً وصمم على عدم العودة إلى المدرسة فهي التي كشفت زيف العلاقة الأسرية، قال بينه وبين نفسه: لعنة الله على العلم الذي يفضح، ومرحباً بالجهل الذي يحافظ على الأسرة وكيانها.
حاول أخوته الأصغر معرفة ما يدور بعقل أخيهم الأكبر دون جدوى، أغلق غرفته على نفسه وانقطع عن العالم كله، فلا هاتف ولا تلفزيون ولا كمبيوتر، حاول والده التودد إليه لأخذه إلى طبيب نفسي دون فائدة، دخلت امه وسألته ماذا به، وحاولت ضمه إلى صدرها فأبى لأول مرة في حياته، وصرخ فيها بكل قوة، أنت السبب في كل شئ، لم يفهم والده و لا إخوته شئ، لكن الأم ارتجفت لخاطر مر بها.
عرض أبيه على أحد المراكز النفسية الأمر، فأرسلت له طبيباً نفسياً محترفاً في العمل مع المراهقين، رفض الطالب استقباله في البداية، ولكن الطبيب النفسي ذو الخبرة الواسعة في تلك الممارسات استطاع أخيراً التأثير عليه، وبالتدريج استجاب له، وبدأ في شرح مشكلته للطبيب والأب من وراء الباب يصيخ السمع لما يقول، كان الطبيب صريحاً معه، فلم يحاول أن ينكر الحقيقة العلمية أو يشكك فيها، بل قال له أن الإنسان مهما كان خلوقاً لا يمكن أن يكون مثالياً، وكل بشر له هفوة، المهم ألا يستمر فيها، عليه دائماً أن يصحح مواقفه إلى الأصوب، وربما كانت هناك بعض الظروف التي لا نعرفها تدفع المرء إلى ارتكاب الخطأ وربما لو عرفناها لوجدنا له عذر، وكرر على مسامعه كلمة المسيح عليه السلام " من كانت منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر".
صارح الزوج زوجته فأنكرت في البداية وفي النهاية اعترفت بوجود علاقة قديمة بينها وبين أحد محبيها، ولكنها أقسمت أن هذا الولد الأول من صلبه، وأن الولدين الآخرين هما من هذا العشيق القديم الذي تمكن منها بعد أن أهملها واهتم بعمله، فصمم على تطليقها وإجبارها على التنازل عن أولادها، وعلى أن يهتم بهم جميعاً فليس لهم ذنب فيما اقترفت أمهم من آثام.
تمكن الشيطان منها فلم تكترث لما سببته من آلام وتشريد لأسرتها، سألته في جرأة.
الزوجة : ألا تريد أن تعرف الرجل الذي ارتكبت معه الخطيئة؟
نهرها وصرخ فيها
الزوج : لا أريد ان أعرف، المشكلة ليست فيه، لو لم يجد استعداداً منك لما فعلها، وكما قالوا "يقضي الشيطان عدة ساعات لإغواء رجل واحد، بينما تحتاج المرأة إلى دقيقة واحدة لإغواء عدة رجال".
الزوجة : أنت السبب، تركتني وانشغلت عني بعملك، لم تحترم مشاعري و أحاسيسي.
الزوج : لو كان ذلك كذلك لماذا لم تواجهيني بالأمر؟ وإذا فعلتِ وكررتها كان من الشرف – لو أن عندك بعضاً منه - أن تطلبي الطلاق.
صرخت في وجهه
الزوجة: لو كنت رجلاً لسعيت لتعرف من الذي اعتدى على عرضك وقتلته، أنت رجل بلا رجولة، أنت ضعيف و لا يمكنك المواجهة، أنت لست رجلاً على الإطلاق.
كانت تستفزه ليخرج عن طوره ويعتدي عليها لغرض في نفس يعقوب.
الزوج : لو أنه من المفروض أن أقتل أحداً فالأولى أن أقتلك أنتِ، لكن ماذا أستفيد من قتلك أو قتله، سيضيع الأولاد الذين ليس لهم ذنب فيما حدث، اذهبي إلى حالك وإلا فضحتك بين الناس، ورفعت عليك قضية زنا سأكسبها بالتأكيد لأن معي المستندات التي لا يمكن طمسها، فصيلة دمك وفصيلة دمي وفصائل دم الأولاد، والأكثر من ذلك يمكن أن أقوم بتحليل الصفات الوراثية للجميع DNA لإقامة الدليل الكامل عل خطيئتك، أسأل الله لك الهداية، فاتركينا في هدوء ولك زيارة لأولادك كل شهر، وليغفر الله لنا ولكم.
جمعت ثيابها في عصبية، وخرجت ودموع معلقة بين رموشها منعها الكبر أن تسقط.

ليست هناك تعليقات: