2013/12/09

أبي حزمةٌ من الضوء تجوب الأكوان.. قصة بقلم: ياسر محمود

أبي حزمةٌ من الضوء تجوب الأكوان
 ياسر محمود

لاحظت " منى " أن ابنتها " سها " ترسم ..
وقفت خلفها
رفعت حاجبيها فجأة في دهشةٍ و تأثرٍ
 كان ما ترسمه الابنة عجيبًا ..
و ذا شجونٍ في آن واحدٍ
***
رأت الأم ابنتها ترسم " قوس قزح " بعدة ألوان في أعلى سماء زرقاء صافية ، و أناس يشيرون مودعين ، تحت كل منهم اسمه و صفته بالنسبة لـ"سها " ....
" مدحت " عمي ، " خالد " شقيقي ، " فؤاد " خالي ، " سهير " مدرسة العلوم ، و أسماء أخر
لكن الأغرب تلك الكلمات التي كتبتها الطفلة الصغيرة تحت " قوس قزح "
كتبت تقول : أبي = حزمة ضوء تجوب الكون !
***
تذكرت الأم زوجها " فارس " فلمعت دمعتان ساخنتان في عينيها السوداوين ... و بدأت رحلة الذكريات .. لقد كانت التجربة الأولى لآلة الزمن ... الاكتشاف الذي هز أوساط العلماء في منتصف القرن الحادي و العشرين ...
كانت الفكرة مبتكرة ، عندما تسير بسرعة الضوء تصبح كتلتك لا نهائية .. و يتغير منحنى الزمن بالنسبة لك ، فلا يسير بوتيرته العادية ، بل يسير للأمام ... حسب قوة دوران الآلة تكون سرعة الإنطلاق في المستقبل ...
لقد تغلبت تقنية متطورة جدا ، ابتكرها العالم المصري " محمد عبد الحميد " ... على مسألة التحول إلى كتلة لا نهائية عن طريق حواجز كهروكواركية – ( طبقا لنظرية الفيزياء الموحدة ) – توضع حول الآلة . و اقتنع العالم لأول مرة بأن السفر عبر الزمن ممكن بل و قرر عدد من العلماء و بعد حصول العالم " محمد عبد الحميد " على " جائزة نوبل " ، و بعد بحوث عدة أن السفر عبر الزمن أصبح آمنًا .
***
و في اليوم المحدد اختير " فارس " المهندس الفيزيائي  بالوحدة  العسكرية  المصرية       " أمنمحات لاستشراف المستقبل " ليشارك في الاختبار كأول إنسان بعد أن طبقت التجربة على بعض الحيوانات ، نجحت أغلبها .
لم يكن من المعروف أين ذهبت بهم التجربة و إلى أي زمن !!!
إلاّ أن العلماء قرروا أن يكون السفر في حالة " فارس " لمدة يومٍ واحدٍ و بطريقة آمنة للغاية، و طبقًا للفروق الزمنية لنظرية أينشتين ، فسيعود بعد ساعتين ليكون بينهم ليخبرهم بأحداث عاشها أثناء التجربة لمدة يوم كامل ، بمعنى أنه سيكون لديه زائد يوم واحدٍ ليؤكد نجاح التجربة .
***
    ما إن " وصل " فارس " حتى بدأت التدريبات النهائية ثم أعقب ذلك دخوله آلة الزمن ، و بدأ العد التنازلي ، كان بداخل آلة الزمن أشياء عديدة ، .... ( مؤن للطوارئ و أجهزة متعددة ... ) إحداها يشبه جهازًا مجسمًا لعرض الصور لأقرب الشخصيات بالنسبة لـ" فارس " ، دخل " فارس " كبسولة صغيرة بحجم  جسده و قرأ آيات قرآنية ثم تأمل في جهاز عرض الصور .. كان من بينها "سها " و " خالد " و " منى " و آخرون ...
    لم يستمر العد التنازلي طويلا كما اعتقد " فارس " لكنه كان طويلاً جدًّا بالنسبة للعلماء حول آلة الزمن التي أطلق عليها " درب المستقبل "
    ... ثلاثة ... اثنان ... واحد ... صفر ... انطلقت " درب المستقبل " و منها و حولها ارتسمت شرارت و أضواء باهرة عجيبة من الآلة ... و من الحواجز الكهروكواركية ... ثم هدأ كل شيءٍ .
    أما عن " فارس " فلم يكن له أثر داخل الآلة ... و اختفى هو و الكبسولة الزمنية ، و توقع الجميع أن يقابلوه بعد ساعتين ليحكي لهم عن أحداث ربما حدثت معهم في الغد .
***
    فاتت الساعتان و جاء الغد بعد انتظارٍ طويلٍ ، ثم بعد الغد ثم أيامٌ أخرى ... و لم يكن الغد لناظره قريبا بالنسبة لكل من عرف " فارس " ، و تعجب جيش العلماء من كل الجنسيات الذي أعد للتجربة !
تعجبوا عن ماذا حدث لـ " فارس " ؟!
تعجب الناس في كل مكان على ظهر الأرض ... فالتجربة كانت منقولة بواسطة " شبكة فضائية " عبر كل الهوائيات المجسمة  و المحمول المرئي في كل أنحاء كوكب الأرض
و كان عنوان نشرات الأخبار ...
(( حتى الآن ... لم يظهر أثرٌ للمهندس المصري " فارس " .... ))
***
ظهرت عدة نظريات في أوقات لاحقة منها نظرية العالم السوري البارز المخضرم في الوطن العربي " عمران " ، كانت نظريته تقول بأن " فارس " قد تحول و طبقًا لتعديلات النظرية النسبية إلى حزمة من الفوتونات الضوئية تجوب مناطقًا ، و أنحاءً ، و أنفاقًا زمنية في الكون أو الأكوان الأخرى ، و لاقت نظريته قبولاً واسعًا من جانب أغلب العلماء !
***
هتفت الصغيرة و هي تلتفتُ لأمها ...
_ هل تعتقدين يا أمي أن نظرية " آينشتين " عن النسبية التي ندرسها في الصفوف الأولى في مدرستنا ........ كان لها السبب في ضياع أبي .. ؟!
أمسكت بطرف ثوب أمها الباكية ...
_ لا تنكري أنه أوّل من تنبأ بالسفر عبر الزمن ... هل " آينشتين " هو السبب ؟!
ثم واصلت بحزنٍ شديدٍ و قد انهمرت دموعها :
_ زميلتي في المقعد تقول لي بأن أبي قد تحول إلى حزمة من الضوء .. هل هذا صحيح ؟؟!!
أجابتها الأم في رزانة و هي تربت على خديها :
_ كلٌّ منا بداخله ضوءٌ يا " سها " ينير له حياته ...
أنت نفسك اسمك عبارة عن اسم نجمين في السماء لهما ضوءٌ باهرٌ ...
إنَّ أباكي ربما قد تحول إلى حزمة ضوء ...
ثم أردفت  و هي تحتضنها بحب :
_ لكن ربما لينير الظلام لكثير من مخلوقات الله و للإنسان في بحثه عن المستقبل !


ليست هناك تعليقات: