2013/12/09

الطريق ..قصة بقلم: خيري عبدالعزيز

الطريق 

  خيري عبدالعزيز

-      أبي..
    فاجأه الصوت, انتزعه من شروده وحزنه, التفت ملهوفا, وجد صغيره على بُعد خطوات, هرع إليه يشق الصفوف, جثى على ركبتيه, تناول يديه الصغيرتين الممدودتين, ضغطهما بحنو بالغ, تمتم بصوت خفيض, يخشى كسر السكينة التي حلت هي الأخرى فجأة؛ فكمدت الأصوات وأوقفت الزمن..
-      نعم يا حبيبي..
    لمعت عينا الصبي, وهو يرنو إلى أبيه الغارق في حزنه, بعينين نديتين صافيتين, وقال:
-      من يموت صغيرا لا يحاسب يا أبي..
    شعر الأب بانقباضه مؤلمة في قلبه, وبعينيه تستقطر دمعا حبيسا؛ فملس على شعر صغيره الناعم, ودمدم بصوت مختنق:
-      انسى الموت يا بني..
    ضغط الصغير يده, وقال:
-      جميعنا سيموت يا أبي.. الموت حق..
    صنعت الدموع التي هاجمته شيئا من الغبشة, فبات الرجل لا يكاد يرى الطريق الممتد, المحفوف بأشجار الزيزفون من الجانبين..
-      أعطاك الله العمر والعافية يا بني.. أنت ما زلت صغيرا على هذا..
-      وهل يفرق الموت بين صغير وكبير يا أبي؟!..
    فاضت مشاعر الأب, وانفرطت دموعه تنهمر, بلا قدرة منه على التحكم, وقد أخذ ابنه في صدره, وطفق يشهق شهيقا ملتاعا..
    قال الابن:
-      أبي لا تبك.. أرجوك!!..
-      لم أعد أقدر!!.. فاض بي الكيل!!..
-      طوال حياتي لي رغبة يا أبي.. وقد يحققها الله لي..
-      ما هي يا ولدي؟!..
-      أن أدخل الجنة بغير حساب..
-      ستدخل الجنة يا بني.. ستدخلها إن شاء الله!!..
   قاطعه الصبي:
-      أبي؛ أخاف إن كبرت أن أعص الله.. وقد فكرت جيدا.. الحل أن أموت صغيرا.. فالله لا يحاسب الصغار..
-      وأنا يا بني.. وأمك..
-      سأمد يدي إليكما يوما.. وأخذكما معي إليها..
    ارتفع نحيب الأب؛ فربت الابن على ظهره وتمتم  بحنو بالغ:
-      استسلم لقضاء الله يا أبي إذا جاء..
-      لا تستسلم أنت يا بني.. قاوم.. قاوم من أجلي.. ومن أجل أمك.. قاوم يا بني..
-      لقد انتهت الآلام يا أبي.. وأنا لم أعد أشعر بشيء.. أنا الآن في أتم حال.. صدقني.. وعما قليل سأكون هناك..
-      وأنا.. وأمك؟!..
-      سأنتظركما.. لا تقلقا..
    سقط الأب على الطريق ينتحب؛ فتوقف حاملي النعش, ومن حوله تجمهر الناس يبكون على بكائه..
 

ليست هناك تعليقات: