الروائية سناء الشعلان: الرواية تشعرني بحالة من العظمة والسلطة والسحر والملكوت المطلق
حاورها: ثامر سعيد
رقيقة كنسمة صبح وأليفة كحمامة مسجد وأنيقة كفراشة ، الكاتبة والقاصة والروائية سناء كامل الشعلان التي ترى العالم من منطق الحكاية وتتفهمه من زوايا متغيرات الشخوص والزمان والمكان وتتعالق معه من زاوية الأزمة والحبكة والنهايات المقنعة ، حصلت على شهادة الدكتوراه في اللغة العربية من الجامعة الأردنية بتقدير امتياز عام 2006 وهي عضو في العديد من الاتحادات والملتقيات والمراكز الأدبية والبحثية والاستشارية والصحافية حصدت الكثير من الجوائز الثقافية في مجالات القصة وأدب الطفل والمسرح ، ولها أكثر من عمود صحفي في صحف ومجلات عربية شتى ، التقيتها في كلاويز السليمانية وكان لي معها هذا الحوار :-
* كيف تنظر سناء الشعلان إلى المشهد العراقي الأدبيّ العراقي؟
المشهد الأدبي العراقي هو مشهد له تاريخه وريادته،وكان عبر تاريخه الحاضن والأرض الخصبة للإبداع وموئل الفنون ومقصد المبدعين والعلماء والمفكرين،وليس لأحد أن يكفر بهذا التّاريخ المجيد أويجحده،فهذه العراق خزّان العروبة ومهد الحضارة ومدرسة التّاريخ,وعلى الرّغم من الظّروف القاهرة الصّعبة التي مرّت فيها العراق في العقود الثلاثة الأخيرة إلاّ أنّ المشهد الإبداعيّ لا زال متحدّياً يحتشد بالإبداع والمبدعين ليس فقط من جيل العمالقة المشهود لهم بالرّيادة،بل المدهش أنّ الجيل الجديد يقدّم تجربته الخاصة التي تستحقّ الاحترام كلّه،بل إنّني أقول بنظرة نقدية جريئة إنّ هناك الآن زخم في الجيل الشّبابي العراقيّ المبدع الذي يشكّل تيارات إبداعيّة جديدة تستحق الوقوف الطّويل عند تجربتها،وهي لاشك تعدّ بكلّ استحقاق بأن تحمل راية العراق العنقاء الذي لا يموت،فهو في النّار ولا يحترق،ومن الرّماد يبعث من جديد.
* كتبت الرواية والقصة والمسرحية وأدب الطفل . أي من هذه الأجناس أقرب إليك؟
ليس منها الأقرب أو الأبعد من نفسي،ولكنّني أستجيب بشكل كامل لمن يأسرني منها،ويأخذني إليه في حالة إبداعيّة ما،هذه التجليات هي دفقات،وأنا أستسلم لها دون مقاومة،وأتواطأ معها لأجل ولادة الطفل الإبداعي المنتظر.ولكنّني مستعدة لخيانة كلّ الأجناس الأدبية إرضاء للرواية التي تشعرني بحالة من العظمة والسّلطة والسّحر المستشري في وجداني.الرواية تجعلني أشعر بالملكوت المطلق.
*هل شخصياتك فيما كتبتِ تحمل بعضاً من شخصية سناء الشعلان؟
الأدب بعضٌ من مبدعه،وإن فارقه كثيراً،وهو يستحضره وإن ألغاه،وهو يستدعيه وإن خالفه تماماً،فروح المبدع هي عالم كامل يكتظ بالأرواح الخيّرة والشّريرة،وهي مجرّة كاملة بكلّ ما فيها من عوالم،ولذلك من العبث أن ننفي غياب المبدع عن فنّه،ومن الحمق أن نحاول بطريقة بوليسيّة أو مخابراتيّة أن نبحث عن المبدع في صفوف شخصياته وفي ركام إبداعه،الوجه المقنّع للمبدع لا يدرك في إبداعه بشكل جليّ مفضوح،وإن حدث ذلك فهذا يعني سقوطه في الضعف الإبداعيّ.لا أعرف أين أنا في إبداعي،وما هو القناع الذي أتخفّى فيه في قصصي،لكنّني أؤمن أنّني سأكون دون شكّ ذلك الصّوت الذي يقول بإصرار وتحدٍ: لا للظلم،لا للقهر.
*هل للمكان سلطة مهيمنة في قصصكِ؟
لا أعتقد ذلك،التّاريخ دائماً ينتصر في قصصي على الجغرافيا،والمكان عندي حاضن للفعل لا معرّف له،ولذلك كثيراً ما تغيب أسماء الأماكن في قصصي،ويظلّ الفعل والزّمان هما البطل الحقيقي في قصصي،أمّا المكان فهو أسير قصصي دائماً،وأبداً لا يتمرّد عليه،بل كثيراً ما يتضاءل في قصصي لصالح الفكرة والزّمن،ولا يعود له ذكرٌ أو حياة. المكان الذي عذّب الكثيرين في قصصي أرسله إلى المنافي دون خوف من سلطته القاهرة،وأرتاح من تبجّحه وقهره،وأسلمه للتهميش والتنكير.
•ما الحيز الذي تشغله المرأة في قصص سناء الشعلان؟
المرأة هاجسي،ولكن ليس بمعزل عن الرّجل بأيّ شكل من الأشكال؛فأنا لا أؤمن أبداً بفكرة الحزبين المتناحرين تاريخيّاً،أيّ حزب الرجل وحزب المرأة؛فهذا كلام المجانين ومنقوصي الرّجولة والأنوثة،أنا أؤمن بأن الحياة تكون محتملة وممكنة عندما تكون يد المرأة في يد الرّجل بمحبة وعون وتعاضد،ولكن في الوقت نفسه أتحدّث عن مأساة المرأة ومعاناتها في المجتمعات العربيّة التي تقمع المرأة كما تقمع الرّجل كذلك.ولكن نصيب المرأة من القمع أكبر وأشدّ لاعتبارات المجتمع الأبويّ القاهر.وفي مجتمع كهذا تغدو مشاكل المرأة وانكساراتها وإكراهاتها دون عدّ أو إحصاء،وتحتاج المرأة لألف صوت صارخ ضدّ هذا الظّلم المستشري في تفاصيل حياتها كلّها.
*هل تعتقدين أنّ الأديبة العربيّة تكتب بحريّة مطلقة؟
هناك بعض النساء العربيّات يعتقدن أنّ الإبداع للمرأة يمكن في خدشها للحياء والتّجديف والتوقّح أحياناً،وهذا برأيي ليس الحريّة المنشودة،ولكن في الطّرف الآخر من الكتابة المسؤولة عند المبدعات العربيات،أعني المبدعات الحقيقيّات والمفكرات الحقيقيات نجد مقداراً جيداً من المصداقيّة والصّدق والحرّية،وكثيراً منهن دفعن ثمن ذلك غالياً.ولكن من يزعم أنّه يستطيع في بلادنا العربية أن يكتب بحرّية كاملة أكان رجلاً أم امرأة؟! أعتقد أنّ من يزعم ذلك إمّا انّه كاذب أو منافق أو مجنون؟ بلادنا لم تهبنا عبر تاريخها كلّه حرّية حقيقيّة وكاملة،والتّاريخ بيننا وحجة على من يزعم غير ذلك.
* في كتابة النّص القصصيّ هل تضعين الرّقيب في دائرة اهتمامك؟
الرّقيب الدّاخليّ الإبداعيّ والنّقدي دائماً مستيقظ في داخلي،ويراقب عملي دون لحظة إغفال،أمّا الرّقيب الخارجي القامع فأتحايل عليه بالإلغاز والتعمية،ولأنّه دائماً غبي،ولا يمكن أن يكون إلاّ غبيّاً فأنجح في تخطّيه.وهذه معركة الإبداع مع الرّقيب الخارجّي.
*هل نجحت الكاتبة العربيّة في نشر بوحها في السّاحة الأدبيّة أم أنّها ما زالت تحت طائلة التّابوات المقدّسة؟
أعتقد أنّ المبدعة العربيّة شأن المبدع العربيّ لا يزال ينقصهما هامش كبير من الصّراحة والصّدق والحرّية وتغيّر معطيات الواقع وشروطه كي يكتبان بوتيرة مختلفة،ويصدران من أعماق تجربتهما بكلّ صدق.الطّريق أمام العربيّ والحريّة طويلة وشاقّة .
* من هو مثلك في القصّ الشّعري العربي؟وبمن تأثّرت في بداياتك؟
لا أستطيع أن أحصي من تأثّرت بهم،وفي هذا الحقل أستشهد بنصّ من قصصي،وهو يمثّلني في هذه الجزئية بالتّحديد،وهي قصّة “نفس أمّارة بالعشق” إذ تقول شخصيّة البطلة فيها:” أحببتُ كلّ مَنْ قالوا: لا ، و كلّ مَنْ قالوا: نعم تومىء إلى لا، أحببتُ علياً ولمبا وجيفارا وماو وصلاح الدّين وشجرة الدّر والحلاج وجميلة بوحيرد ومصطفى كامل وعلي الزيبق ومسرور السّياف ومعروف الإسكافي وجعفر الطّيار وابن عربي وديك الجن الحمصي وفارس عودة وجان دارك وهانبيال وإليسار والمتنبي وأبا العتاهية وهوميروس والظاهر بيبرس وفراس العجلوني والشّريف الرضي و نزار قباني وعمر أبو ريشة وفيكتور هيجو و كلّ الثائرين المبتغين الشمس، وأحببتُ كذلك صبر أمي وأبي ،فقد كانا وريثي زمن الجوع والانتظار، ووهبتُ دموعي لعروس البحر، ولسندريلا صاحبة الحذاء المفقود، وسكنتُ أجساد كلّ محبوبات رجال الأرض ، ودوختُ بكلمات كلّ الشعراء، وحظيتُ بكلّ قُبَل المقبّلين، ولمسات أكفّ المشتهين، ولعنات كلّ الفاعلين وآثامهم”.
وأنا شخصيّاً أحببت كلّ من قرأت لهم،وتأثّرت بهم جميعاً بأقدار مختلفة،وحظوظ شتّى،وباتوا جميعاً يشكلون وجداني وشكلي الإبداعي وحالتي النّفسيّة والروحيّة والفكريّة.
*يقولون إنّنا نعيش مرحلة موت الشّعر وحياة القصة والرّواية.هل أنت مع هذا الرّأي؟
لا أؤمن أبداً بهذا الكلام،والمشهد الإبداعيّ لا يقرّ بذلك،أنا أؤمن بأنّ الجميل ينتصر أكان رواية أو قصة أو شعراً أو مسرحاً،وأنّ الرّديء يسقط في الظّل حتى لو حظي في فترة قصيرة ببعض الاهتمام المصنوع المفتعل.القانون الدّائم هو أنّ الخلود للأجمل.إذن فالخلود للعمل الإبداعيّ الحقيقي أيّاً كان جنسه وأيّاً كان جنس مبدعه أو عرقه أو لونه أو دينه أو هويته.
http://basrayatha.com/?p=5002
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق