2014/06/01

تمثال الحرية.. بقلم: أماني طلعت



تمثال الحرية
أماني طلعت



(لقد قررت أن أكون سفيراًً للحرية فى كافة أنحاء الكرة الارضية فلن أقف فى مكانى مكتوف الايدى بل سأعمل على نشر الحرية فى العالم كله دون أن أكتفى بما حققه وطنى من نجاح).

تلك الكلمات هى التى حدث بها تمثال الحرية نفسه عندما قرر مغادرة وطنه إلى أرض جديدة من الاراضى المحرومة من الحرية وقد عقد العزم على المغادرة دون توان. كما أن التضحية فى سبيل الوطن شىء مهم بالتأكيد ولكن العمل على تحقيق رسالة الوطن فى أى مكان هو الشىء الأهم , مهما كانت قسوة المحاولة وشراسة الغربة والمخاطرة المهم هو الثبات على تحقيق المبادىء الوطنية وأعلم تمثال الحرية المسئولين الامريكان برغبته الملحة فى الرحيل إلى وطن جديد فعقدت الدهشة ألسنتهم وكان السؤال لماذا الرحيل ؟هو البطل الذى يتصدر عناوين الصحف وشاشات التلفاز,وتجمع مواطنوا الولايات المتحدة من كل حدب وصوب وتجمع أيضا الصحفيون ومراسلوا الوكالات الاخبارية ووقفوا شاخصى الابصار أمام التمثال علهم يصلوا الى شيئا جديدا ولكن دون جدوى. فعندما سئل التمثال عن السر فى تفكيره فى الرحيل المفاجىء؟ أجاب: بأن حاجة العالم للحرية كحاجته للماء والهواء ولابد أن يكون سفيرا للحرية للمناطق المحرومة منها بوصفه رمز الحرية فى العالم والتخلى عن نشر الحرية يعتبر خيانة لاتغتفر من وجهة نظر التمثال لكل مبادىء الحرية فى العالم. وبسؤاله عن الجهة التى ينوى الرحيل إليها؟ إلتمعت عيناه واتجه ببصره نحو الشرق, وقال: إن الشرق فى حاجة إلى الحرية لأنه رسف طويلا فى قيود حكامه المستبدين ولكن لم يتم الاستقرار بعد على اسم الدولة التى سيهبط فيها فهذا شىء متروك للظروف. وسأله أحد الصحفيين فى لهجة تنم عن المكر,ماذا عن النبوءة التى تقول أن الارض التى سيتحطم فيها التمثال ستحل بها لعنة الاستبداد ؟ فضحك التمثال ضحكة مدوية ,وقال: بثقة ومن المجنون الذى يحل تمثال الحرية على أرضه ولايحافظ عليه ويجلب على أرضه لعنة الاستبداد . وكان آخر سؤال هو متى الرحيل ؟ فعاد التمثال إلى هدوئه.,وقال:غدا يوم الحادى عشر من فبراير عام ألفان واثنى عشر من الميلاد فى تمام الساعة الثامنة صباحا بتوقيت واشنطن العاصمة وهز التمثال شعلته فى قوة قائلا:معاً لنشرالحرية فى العالم فلتحيا الحرية والديمقراطية وهتف الشعب الامريكى بصوت شق عنان السماء فلتحيا الحرية والديمقراطية وليحيا تمثال الحرية وقضى العديد من الامريكيون ليلتهم أمام التمثال ليشاهدوا بأم أعينهم لحظة رحيل التمثال التاريخية عن وطنهم إلى المجهول الذى يحترقون شوقا لمعرفته. وفى اليوم التالى وفى اللحظة المتفق عليها استعد التمثال الشامخ للرحيل وإلتف محبوه حوله ليودعوه بالورود والقبلات ودقت الساعة الثامنة لتعلن أن وقت الرحيل قد أزف وبدأ التمثال يتحرك فبدأ أولا بتحريك شعلته ثم بدأ شيئا فشيئا ينفصل عن قاعدته الجرانيتية الضخمة ولكى يحافظ على ثباته من عوامل الجاذبية قام بتصغير نفسه إلى حجم صغير من الذهب الخفيف الوزن ونبت ظهر التمثال عن جناحين ذهبيين لكى يتمكن من التحليق بهما فى الهواء وهز التمثال شعلته مرة أخرى وبدأ فى التحليق وارتفع معه مجموعة من المحبين فى منطاداتهم وطائراتهم الخاصة لكى يوصلوه حيثما يريد فاعتذر لهم شاكراً؛لأنه فضل خوض غمارالرحلة بنفسه دون معين. وبدأت الرحلة وفى كل بلد يحلق فوقها التمثال يصل إلى مسامع التمثال هتافات الجماهير التى تطالبه بأن يحل ضيفا عليهم ويرى من السماء أكوام من البشر على الارض ترفع يدها مرحبة بالتمثال وعبر التمثال حدود الولايات المتحدة وبدأ فى عبور المحيط الاطلنطى فى ساعات شاقة لان الطيورفى السماء هابت ذلك المخلوق الغريب ,فولت منه هاربة فأضحت الرحلة تغلفها الغربة الموحشة رغم إثارتها ولكن التمثال واسى نفسه بأن فوائد هذه الرحلة بالتأكيد ستمحو مرارة قسوتها وبدأت تلوح قارة أفريقيا وبالتحديد بلاد الشرق الاوسط فابتسم التمثال؛فقداقترب من تحقيق هدفه ودار فى عقله سؤالاً بأنه لماذا لاينزل ضيفاًعلى إحدى هذه البلاد؟ أفلاتستحق نصرتها لتحقيق حريتها وخصوصا البلاد التى استنشقت نسائم الربيع العربى مؤخرا ولكن أى البلاد سأختار؟ إنه لأمرٌ محيرٌ بالفعل فكل هذه البلاد لطالما عانت من ظلم الحكام واستبدادهم الموحش. مرالتمثال بالبلاد العربية فلاحت أمامه تونس صاحبة النسمة الأولى من نسائم الربيع العربى والشرارة الاولى للنار التى أحرقت الاستبداد وهتف التونسيون فى حرارة بالغة وطالبوا التمثال بالهبوط على أرضهم ولكنه أرسل رسالة إعتذار رقيقة للشعب التونسى عن طريق أحد الريشات الذهبية فى جناحه الايمن وضح لهم فيها أنهم بدأوا يتجاوبوا بشكل صحيح مع صيحات الحرية وبدأت مرحلة البناء لدولة جديدة تتمتع بفكر ديمقراطى حر,ووعدهم بأنهم سيكونوا البلد التالى فى زيارته. ترك التمثال الشعب التونسى وهو فى قمة الأسى على فراقه ولاحت ليبيا أمامه بصحرائها الشاسعة وواحاتها الجذابة ورمالها الصفراء وخرج الليبيون وظلوا يطلقون الأعيرة النارية ابتهاجاً بمقدم التمثال ؛ولكن التمثال لم يرحب بفكرة البقاء فى ليبيا بسبب سيادة العصبية القبلية هناك فضلا عن انتشار السلاح بصورة مخيفة مما قد يؤثر على سلامته ؛فمضى مسرعاً فى الهواء مرتعباً خوفاً من أن تصبه أحد الأعيرة النارية فيسقط محطماً. استكمل التمثال رحلته ولاحت أمامه الاهرامات الثلاثة و تمثال أبى الهول وبرج الجزيرة معلنة عن أرض الكنانة مصر وهنا قال التمثال فى ثقة: الآن وجدت بغيتى إنها مصر الشقيقة الكبرى لكل العرب ومفتاح العالم وقلبه النابض وثورة مصر كانت بيضاء والمصريون يعيشون الأن أزهى عصور الديمقراطية لأنهم اختاروا نوابهم بأنفسهم وهناك أحزاب مصرية متعددة تمارس عملها دون قيود إذن فالهبوط فى مصر بالتحديد فى ميدان التحرير وفى ميدان التحرير كان المصريون فى انتظار الحرية الكاملة التى ستهبط عليهم من السماء وفوجىء تمثال الحرية بتكتلات متعددة فى انتظاره وأصابته الحيرة ترى فى أى مكان سيهبط ؟ هنا تجمع لحركة شباب 6أبريل وهذا هو الوفد وأولئك هم ائتلاف 25 يناير والاخوان مرابضون فى الميدان والسلفيون أبو أن تفوتهم الفرصة وووو ترى عند أى تجمع ستهبط أيها التمثال الهمام؟ فقرر الهبوط فى وسط الميدان وعندما هبط هرع إليه أولا ائتلاف شباب 25 يناير وطلبوا منه أن ينضم إليهم بوصفهم وقود الثورة فى مصر فتدخل شباب 6أبريل فى الحديث بإسلوب شديد اللهجة وطالبوا أن ينضم إليهم التمثال لانهم هم أصل الثورة فى مصر وتدخل ممثلون الوفد والاحزاب الاخرى وطالبوه أن ينضم إليهم لانهم هم أصل الديمقراطية والتعددية الحزبية وأول من دعى للدولة المدنية وتدخل الاخوان بإسلوب دبلوماسى وطلبوا من التمثال أن ينضم إليهم لانهم بإمكانهم تأسيس دولة ديمقراطية ذات مرجعية إسلامية وتسعى للتعاون الجذرى بينها وبين العالم المتقدم لتحقيق نهضة مصر وهنا دوت صرخة مدوية فى الميدان لتعلن ان التمثال هو جاسوس من قبل الامريكان وأن الملائكة لن تدخل أرض مصر مادامت بها منكرات كالتماثيل والحانات وكان أصحاب الصرخة هم السلفيين الذين دعوا إلى تحطيم التمثال بإسلوب شديد اللهجة أو تحطيمه على الفور وشعر التمثال بالندم على هبوطه فى أرض تتعدد فيها الاراء الى حد الصراع وشعر أيضا بالخوف من نهايته التى لاحت أمامه كشبح قاتم وبدأت تعلو أصوات الجميع كل حزب يرى أنه صاحب الحق فى الفوز بالتمثال وخيروا التمثال بين أمرين إما ان يذهب معهم وهو فى الاصل شديد الحيرة فى الجماعة التى سيختارها أوأن يحطموه كما أشار الاخوة السلفيين لان وجوده سيسبب فتنة مع أنه يرى أن التعددية فى مصر قد وصلت فى رأيه لحد الفتنة لم يطرحوا عليه خيار الذهاب من حيث أتى ليستريح بعيدا عن الصراع ولم يكتفوا بذلك بل انقض كل تيار على التمثال ليحاول الفوز به دون الاخرين وتحولوا الى أسود تتصارع من أجل الفوز بفريستها ونسوا أن سلامته أهم من الفوز به وسقط التمثال على الارض وكان آخر ماقاله عندما أشرف على التفانى (إن من الحرية ماقتل ) وبدأ يتبخر حطامه كذرات الغبار فى الهواء .

ليست هناك تعليقات: