النظرة لأدب الطفل عربياً ما زالت لا تعطيه مكانته اللائقة!
حوار: أحمد مصطفى الغر - القاهرة
2015/11/05
قاص وروائي وكاتب لأدب الأطفال، هو صاحب «مراسم عزاء العائلة»
و«تأملات رجل الغرفة»، يبحر بقلمه بين المجموعات القصصية والرواية، وصولاً
لأدب الأطفال، حيث له إضافاته المهمة إلى مكتبة الطفل، وقد أجاد في موضوع
تبسيط الأفكار، قال عن نفسه ذات مرة إنه «يكتب بمنطق الهواية»، يؤمن بأن
مشكلة أدب الطفل فى الوطن العربي تبدأ عندما يتم اعتباره أدباً تعليمياً
فقط، دون النظر إليه باعتباره فناً يتوجه إلى قارئ ذكي، أكثر ذكاء من
القارئ الراشد فى كثير من الأحيان.
الكاتب المصري «أحمد محمد طوسون»، عضو اتحاد كتاب مصر، الذي حصد كثيراً
من الجوائز الأدبية، منها على سبيل الذكر وليس الحصر: جائزة المركز القومي
لثقافة الطفل 1998، جائزة القصة لدول جنوب البحر الأبيض المتوسط عام 1997،
جائزة الهيئة العامة لقصور الثقافة في الرواية للعام 2001، جائزة دار نعمان
للثقافة 2007، جائزة الشارقة للإبداع العربي في أدب الأطفال لعام 2005،
ومنحة مؤسسة محمد بن راشد للإبداع 2010، وجائزة الدولة التشجيعية عام 2012،
جائزة العقاد الأدبية في القصة بمناسبة مئويته، وغيرها الكثير من الجوائز
والتكريمات، التقته «اليمامة» وكان لنا هذا الحوار معه:
،، قاص، وروائي، وكاتب لأدب الأطفال... أيهم تفضل؟!
- أفضل الكتابة، الفعل وليس الصفة، الكتابة رسالة، نقلة حضارية جعلت
للإنسان تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً، منذ هبوط الإنسان على الأرض وهو مولع
بالتدوين وإن كان نقشاً على حجر، الصفة الأدق (كاتب) وفقط.
،، يقولون إنّنا نعيش «مرحلة موت الشّعر والقصة وازدهار الرّواية»، هل أنت مع هذا الرّأي؟
- إذا كنت تتحدث عن حصيلة ما تطرحه المطابع فربما تكون المقولة صحيحة
نسبياً، فهناك رواج أكبر للرواية في حركة النشر والتوزيع، ربما بسبب
الجوائز الكبرى التي خصصت في مجال الرواية، أو بسبب الترويج للمقولة
السابقة إعلامياً ونقدياً بمنطق الببغاء، الترويج الاستهلاكي الذي نشهده في
مناحي الحياة كافة، وهو ما دفع كثيرين للهرولة باتجاه الرواية، أما
إبداعياً، فالإبداع لا يموت.. تتعرض بعض الأشكال الأدبية لمراحل فارقة في
تجديدها وضخ حيوات ودماء جديدة إلى نبعها الصافي هذا تقريباً ما يعانيه
الشعر لكن لا يعني أبداً موته، فالذائقة العربية بفطرتها تميل إلى الشعرية،
ولنلحظ تأثير الشعرية الواضح في الكتابات السردية العربية. أما القصة
القصيرة فهناك تجاهل نقدي وإعلامي وتسويقي للكتابات القصصية رغم ثرائها
وتنوعها، انصراف دور النشر عن الكتابات القصصية مرجعه بالأساس لمنطق تجاري
لا علاقة له بالإبداع، الرواية رغم غزارة الإنتاج المعروض كمياً إلا أن
الروايات الجيدة التي تعلق بوجدان القراء وتترك الأثر الفني قليلة أيضاً،
الأشكال الأدبية تتجاور لإشباع ذائقة القراء، ولا يمكن بحال أن تقصي إحداها
الأخرى.
،، بمن تأثر «أحمد طوسون» من الكُتَّاب؛ أية كتابات غيَّرت في كيمياء
«طوسون»؛ وأمسكت بيده وقادته لهذه المهنة المرهقة؛ أعني هذا الشيء المسمى
بالكتابة؟
- أنا أعتقد أن الكاتب (أي كاتب) نتاج قراءاته وخبراته الحياتية
والاجتماعية والفكرية، ومن الصعب تلمس الكاتب الأكثر تأثيراً في حياته،
فالكاتب المفضل ليس بالضرورة أن يكون صاحب تأثير، واعتقادي أن وقوع الكاتب
في أسر كاتب ما نقيصة في التلقي.. لأن لكل كتابة جمالياتها الفنية التي
تترك أثراً في وعي متلقيها خاصة إن كان المتلقي كاتباً.
بدأت رحلة القراءة مع روايات الهلال المترجمة ثم قادني نجيب محفوظ إلى قراءة الأدب العربي.
،، في روايتك «رقة القتل»، هل تحاكم ظروف المجتمع، أم أفراده المغلوبين على أمرهم؟، وما مغزى هذا العنوان الغامض؟!
- في رقة القتل حاولت أن أتقصّى أثر الفساد الذي أصاب النخب وما نتج
عنه من فساد استشرى في مفاصل المؤسسات والمجتمع، الأبطال في رقة القتل جناة
وضحايا في آن واحد.. كثيرون في مجتمعاتنا تحولوا إلى هذه الكائنات الهشة
التي تضعف بسهولة أمام اختباراتها وتسقط لتتحول إلى كائنات قاتلة رغم ما
تدعيه من براءة، ولعل العنوان يجسد جوهر مهم في الرواية، لأننا إزاء قتل
يمارس في المجتمع ولكنه قتل أبيض لا يخضع لطائلة العقاب ولا تحكمه نصوص
القانون لأنه قتل معنوي بالأساس.
،، هل تفضل الكتابة للأطفال أم للكبار؟، وهل الكتابة للأطفال تحتاج إلى تخصص أم أنها رغبة وحالة إبداعية؟!
أنا أكتب وفق ما تفرضه علي الكتابة، والكتابة واحدة في الحالتين وإن
اختلف الشكل وتباينت الأدوات الفنية، ربما الأثر يبدو أكثر وضوحاً في
الكتابة للأطفال، فكلمة ربما تعدل من مسار حياة عند الطفل.
الكتابة للأطفال إذا كانت في إطار الهواية رغبة وحالة إبداعية تلح على
الكاتب فيستجيب لها، أما إذا احترفتها فلا بد أن تراعي المعايير النفسية
والتربوية للطفل الذي تخاطبه بكتاباتك.
،، هل أنت مع «أدب الطفل المترجم» المنقول عن اللغات الأخرى إلينا؟
- الترجمة أحد أهم الروافد التي أفادت وما زالت تفيد الأدب العربي عامة
وأدب الطفل خاصة، وما زال ما ينقل إلينا من اللغات الأخرى محدوداً ولا يلبي
احتياجاتنا واحتياج أطفالنا، لكن علينا في الوقت نفسه الانتباه إلى اختلاف
الثقافات بين مجتمعاتنا العربية والإسلامية وما بين الثقافات التي نترجم
عنها لأن الأمر بالنسبة لأدب الطفل المترجم يتعلق بتشكيل هوية أطفالنا
وهويتهم الثقافية ومنظومة القيم التي لا تتعارض مع قيمنا الدينية
والأخلاقية.. ولعلنا نلمس التغير الحاد في سلوكيات الشباب اليوم الذين
تُركوا لفضائيات تنقل ما يقدم في الغرب وتقدمه لأبنائنا دون أن ينتبه
الآباء والأمهات لخطورة ما يقدم لأبنائهم من قيم لا تتوافق مع قيمنا
العربية والإسلامية.
،، فزت بجائزة «أفضل عمل من مصر مترجم إلى الإيطالية في مسابقة دول حوض
البحر المتوسط 1997»، برأيك ما العقبات التي تواجه أدب الطفل العربي كي يصل
إلى أرجاء الدنيا مترجماً؟
الجائزة كانت في القصة القصيرة ولم تكن في أدب الأطفال، كما أن مشكلة
ترجمة الأدب العربي ونشره عالمياً لا تتعلق بأدب الأطفال فقط وإنما الحال
هو نفسه بالنسبة إلى الأدب العربي بأشكاله كافة، فالترجمات الأجنبية للأدب
العربي محدودة وتقتصر على بعض أقسام الأدب في الجامعات الغربية ومكتباتها
وباستثناء ترجمات نجيب محفوظ بعد فوزه بنوبل، لا توجد ترجمات حقيقية للأدب
العربي الحديث وفي ظني أن التغلب على هذه المشكلة لن يكون إلا من خلال
مؤسسات عامة أو خاصة تقتحم سوق الكتاب العالمي وفق آلياته وتعمل على ترجمة
الأدب العربي ونشره وهي تعي أن الصراع الذي يحكم العالم في الأساس صراع
ثقافي ولا مفر من الدخول إليه من خلال ترجمة الأدب العربي الذي يعبر عن
هويتنا.
،، فى ظل الإنترنت وقنوات التلفاز المخصصة للأطفال، هل ما زالت مجلات
الأطفال وقصصهم المطبوعة لها التأثير نفسه الذي كانت عليه منذ عقود؟
- التطور العلمي والتكنولوجي لا يقتصر على مجال دون آخر، فالطباعة أيضاً
استفادت من هذا التطور، وبلا شك أن وسائل الاتصال الحديثة والميديا اقتطعت
من جمهور المجلة والكتاب المطبوع، لكن الكتاب المطبوع أيضاً استفاد من هذه
الوسائل الجديدة في الترويج له واجتذاب قراء جدد. أنا مؤمن بالتجاور،
وخصوصية الأشياء التي تجعل مذاقها مختلفاً.
،، يري رائد أدب الأطفال «كامل كيلاني» أن حوار قصص الأطفال يجب أن يكون بالفصحى، هل أنت متفق مع ذلك؟
- أنا مع الكتابة بالفصحى للأطفال لأن الطفل يتأثر بما يقدم له،
والطفولة مرحلة بناء على المستويات كافة وللكتابات التي تقدم له تأثيراً
كبيراً في تكوين معجمه اللغوي والجمالي؛ وهنا تأتي خطورة الأعمال التي تقدم
باللهجات المحلية للأطفال وخطورة تأثيرها على هوية الطفل اللغوية.
،، قلت سابقاً إن الكتابة للأطفال «أصعب أشكال الكتابة وأخطرها، لأنها
تسهم في رقي الأمم وبنائها»، ما تقييمك لأدب الطفل العربي الآن؟
لاشك أن أدب الطفل العربي الحديث يشهد تطوراً نوعياً وكمياً، ربما
للاهتمام الذي توليه بعض المؤسسات العامة والخاصة بأدب الطفل وتخصيص عدد من
الجوائز الكبرى عربياً في أدب الطفل والتشجيع على نشره، لكن التطور الذي
يشهده أدب الطفل عالمياً أكبر، ربما لأن النظرة لأدب الطفل عربياً ما زالت
لا تعطيه مكانته اللائقة التي تتناسب مع أهميته وثقافة الطفل عموماً في
بناء الإنسان العربي وتشكيل وعيه ومستقبله.
،، لديك مدونة نشطة على الإنترنت وتحظى بعدد زيارات كبير، هل ترى أن المستقبل لصالح النشر الإليكتروني على حساب النشر الورقي؟
- دعنا نتفق أولًا أن سوق النشر الورقي يعاني عربياً لأسباب مرجعها من
وجهة نظري لعدم وجود جهات محترفة في تسويق الكتاب والدعاية له، هذا بخلاف
أن ثقافة القراءة ثقافة غائبة عن مجتمعاتنا العربية لأسباب كثيرة لا مجال
لسردها هنا، وأن النشر الإلكتروني عالج بعض مشاكل تسويق الكتاب الورقي،
وبالتالي وصل إلى متلقٍ كان محروماً من وصول الكتاب إليه. وفي ظني أن النشر
الإلكتروني اجتذب جمهوراً جديداً إلى جمهور القراء، لكنه لن يكون بديلًا
عن النشر الورقي.. والأصح أنه مكمل للنشر الورقي، لذا نرى حرص المؤسسات
الإعلامية والصحف الكبرى على وجود بوابات إلكترونية لها.. التكامل لا
التصارع هو الذي سيحكم العلاقة بين النشر الورقي والنشر الإلكتروني
مستقبلاً بصورة أوضح.
،، ما مدى اقترابك من أدب الطفل السعودي؟، والأدب السعودي بصفة عامة؟
- الأدب السعودي جزء من مشهد الأدب العربي ولا يمكن الإلمام بالمشهد
العربي إبداعياً دون إطلالة على المشهد السعودي الذي يشهد حراكاً واضحاً في
العقود الأخيرة وتنوعاً بين الكتابات والأشكال الفنية يثري المشهد، ما
دفعه لصدارة عدد من الجوائز العربية منها الجائزة العربية للرواية (البوكر)
في إحدى دوراتها. أيضاً أدب الطفل السعودي له وجود واضح في المشهد العربي
من خلال المجلات السعودية المتخصصة في أدب الطفل، وقد شرفت بنشر بعض أعمالي
على صفحاتها، بخلاف أن مدينة الرياض تحتضن مقر مكتب التربية العربي لدول
الخليج الذي يدعم مسابقة في تأليف كتب الأطفال شرفت باختيار ثلاثة كتب من
تأليفي ضمن إصداراتها.
،، فزت بجائزة الدولة التشجيعية في فرع الآداب عن كتابك للناشئة «أحلام السيد كتاب»، لكن ما أحلام «أحمد طوسون»؟
- أن ينهض المثقف العربي بدوره في تشكيل الوعي في مجتمعه وفق المرجعيات
الصحيحة لثقافتنا العربية والإسلامية والتصدي لقوى التطرف والأفكار
الظلامية التي لا علاقة لها بديننا الحنيف، وزرع فكرة أهمية العلم في تقدم
المجتمعات والأخذ بيدها في اتجاه المستقبل.
،، ما نصائحك المختصرة للكتاب المبتدئين من خلال تجربتك الطويلة؟
- أهم نصيحة في ظني أن تؤمن بما تفعل.. أن تكون أول مؤمن بموهبتك، فهذا
الإيمان سيفرض عليك الاهتمام بموهبتك ورعايتها من خلال القراءة والاطلاع
على الفنون كافة وتقدير دور الكلمة التي قد تكون دواء يشفي من الأمراض أو
قنبلة تقتل وتنشر الفزع والخوف والدمار.
،، لك قصة بعنوان (زهرة حب لمن يستحقها)، لو طلبت منك أن تهدي زهرة حب، فلمن ستهديها؟!
- سأهديها لكل صاحب كلمة أو رسالة تنشر الحب والعدل والسلام والتسامح والقيم النبيلة بين الناس.
،، ما الذي يمكن أن ننتظره منك قريباً؟
- أشرع هذه الأيام في مشروع روائي جديد ما زلت أحاول الولوج إلى عتباته الأولى.
http://www.alriyadh.com/alyamamah/article/1097332
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق