2015/11/14

الشّاعر الكعبيّ الدّكتور سليم رهيوي بقلم: عبد الله لالي



الشّاعر الكعبيّ الدّكتور سليم رهيوي
بقلم: عبد الله لالي ( الجزائر )
هكذا تغنّى الأمير..( محمّد جربوعة ):
" لا ترقبي عودتي ليلا وتنتظري
لا تتركي ضوءك السهران مشتعلا
لكي ينبّهني (الشبّاكُ) للسهرِ
قطْع الطريقِ حرامٌ، لا يهمّ إذا
قد كان بالشوك، أم بالكحل والنظرِ " ــــــــــــــــــــــــــــ من قصيدته ( راهبة الدّير القديم)..
الشّاعر الكعبيّ الدّكتور سليم رهيوي   
أحد نوابغ المدرسة الكعبيّة ومعجزة من معجزاتها الفذّة.. هو نابغة بحقّ إذ جاءه الشعر على حين غرّة ، وكان قد تجاوز الأربعين من العمر، جاءت القصيدة الأولى وجاء مدد الشّعر بعد عكاظيّة وادي ريغ التّاريخيّة ( مارس 2015 م    التي حضرها أمير المدرسة الكعبيّة ( محمّد جربوعة ) وكثير من نجومها المتألّقة..
والشاعر سليم رهيوي[1] هو القائل في قصيدته (خربشات تائه في واد عبقر )  : 
حنانيك ربي فقلبي ترهــلْ  *  *  وفي حب أحمد هــا قد ترجلْ
فؤادي عليل يعاني شقــاء  *  *   ولكن بأحمــــد قلبي تجمـــــلْ
سأنسى سعادا وأبقى بعيـدا  *  *   وإني لربي نويت الترحـــــــلْ
نسيم عليل به الروح تحيـا    *  *    هواه فؤادي وفيه تغلغـــــــــــلْ
فحب البشير عَلا كلَّ حبٍّ   *  * جرى في عروقي وفيها تخــللْ
وهي قصيدة مكوّنة من أحد عشر بيتا في مدح الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، جاءت بين الأسلوب القديم والحديث، إذ نجد فيها النّفسين متعانقين متكاملين.
وقد دبّج كثيرا من القصائد الكعبيّة أو تقترب من نهج الكعبيّة، وإن جاء متأخرا فقد لحق بالمتبارين وأطلق لجواده العنان بالحلبة المترامية الأطراف، فسلك مسالكها وجرى في مضمارها ..وإن كان هو يرى نفسه دون فرسانها، متطفلا على شعرائها ولذلك قال:
ولولا سمو الأمير دعانـــا             إلى الشعر ما كنت أبغي التسللْ
فهو يرى نفسه متسلّلا كأنّه يقول على لسان الشاعر الآخر:
فتشبّهوا إن لم تكونوا مثلهم  *  * إنّ التّشبّه بالكرام فلاح.
وكان الفتح الرّباني بأوّل قصيدة كتبها بعد عكاظيّة المغيّر التّاريخيّة، وكانت بعنوان ( ذبذبات مشتاق ) ونسوقها كاملة تثبيتا لبداية تاريخ الشعر في حياة الشّاعر سليم رهيوي:
ذبذبات مشتاق البعد حال عن اللقاء وكشــرا
والشوق أشهر ورده وتعطـــرا
عبق القلوب تذبذبت نسماته
فتمايلت وتراقصت كي تظهـــرا
إن النفوس تعانقت في جوها
عند اللقا فَرَقَت بذلك منبـــــــرا
هي في الأثير كذبذبات تلتقي
ذاك التلاقي في الأثير تبلــــــورا
لا تحسبوا بُعد المسافة عائقا
فالبعد أصبح للقلوب مُبــــــــررا        
وهو ميلاد مبارك تتجلّى فيه موهبة الشاعر بشكل جيّد، وتأثره بشعراء المدرسة الكعبيّة الذين شارك كثيرون منهم في عكاظيّة المغيّر، وقد تأثر بالخصوص بالشّاعر الكعبي الفحل الشيخ رمضان بونكانو، إذ كان يستمع إلى قصائده ويستفيد من قدرته الكبيرة على نظم الشعر، كما اتصل بالأمير عندما زاره في بيته، وسمع منه مباشرة فازداد هياما بالشعر، لاسيما وأنّه كان من قبل يحفظ منه كثيرا من الأبيات والقصائد، بدءا من المعلّقات وشعر ( الإمبراطور ) المتنبّي كما يسميه الشيخ عائض القرني ، ووصولا إلى قصائد شعراء النّهضة من مثل الشوامخ: شوقي وحافظ وطبقة شعراء النهضة الكبار ، إلى أن رست سفينته على ضفاف المدرسة الكعبيّة، فعزم أن يخوض في لججها السنيّة ويغرف مع الغارفين من البحار العِذاب.. 
وينسج في قصيدته ( طيف الأحبّة ) واحدة من أجمل قصائده ، فيقول في مطلعها مضمنا شطرا من بيت لقصيدة ابن زيدون ( أضحى التنائي ):
طيفُ الأحِبّةِ ما راعى الهوى فينا
                        )أضحى التنائي بديلا عن تدانينا(
قد كان يزرع فينا لوْ بدا أملاً
                       ويغرسُ الأرضَ  وردا أو ريا حينا
مابالُهم أعْرضوا عنَّا أمَا عَلِمُوا
                       أن الجفا لوعّـةٌ في القلب تُضْنينا
ذِكراهمُ كمدادٍ جفَّ في  قلمٍ
                       أَطلالُهُ نُقِشَتْ فينا عَناوينا  
يهفوا الفؤاد لهم شوقا إذا خطروا
                       وربما غاب  عن دنيا الهوى حينا 
وهي قصيدة من ثلاثة عشر بيتا على وزن وقافية قصيدة ابن زيدون الشهيرة، وهي قصيدة صارت أنوذجا في تاريخ الشعر، لقوّة معانيها وجمال ألفاظها وروعة سبكها وإحكام نسجها، إذ كتب على منوالها كثير من الشعراء فأبدعوا وأجادوا ، وقصيدة ابن زيدون نفسها جاءت على شاكلة قصيدة جاهلية قبلها (قافية ورويّا) هي قصيدة عمرو بن كلثوم الشهيرة
ألاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِيْنَـا... وَلاَ تُبْقِي خُمُـوْرَ الأَنْدَرِيْنَـا
ويعجبني قوله من هذه القصيدة :
يا شوق كن في الهوى بردا إذا رحلوا
وكن سلاما إذا ما الشوق يكوينا 
وهو نوع من التناص بتعبير المدرسة النقديّة الحديثة؛ مع قول الله عزّ وجلّ:
" قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ [2] "
وهو تناص جميل ولطيف رفع من قيمة البيت وعمّق معناه، والشوق يكون عادة بحرارة قد تتأجج في ذات المحبّ حتّى تصير لهيبا ( يكوينا ) ، ويخشى على من تصيبه من احتراق المحبّة، فتلطّف الشّاعر فقال: وكن سلاما ، تماما مثلما كانت النّار سلاما على إبراهيم..
وفي قصيدة ( أميرة الورد ) التي تمثل توجهه الكعبي بشكل أكثر جلاء يقول موقعا بالبصمة الكعبيّة:
ألا إن حصني ضعيف فرفقا ** سأعلن فوق الحصون منايا
وأسلم أمري وأفتح قلبي    **   لخير الأنام وخير البرايا
فما الورد إلا بروض الحبيب ** يضوع شذاه ويروي هدايا
فذا فارس آخر يلحق بالمضمار ويدخل السّباق متوشحا حبّه لنبي الورد والجمال، لا يرى أيّ جمال أو بهاء يرقى إلى سَنائه أو بهائه، وكلّ أنثى مهما بلغ سحرها وطوّح بقلبه هيامُها؛ فحبُّها أمام حبّ النبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم لعبة أطفال، ونشوة عابرة ..
وما يزال في المضمار فرسان كثرٌ تقدح قرائحهم خلَلَ الظلام ، بشعر يُرتَل كالصّلاة كما يقول مفدي زكريا.


[1] - هو من مواليد 1970 م تلقى تعليمه الأولي بمسقط رأسه بالمغيّر، ثم انتقل إلى بسكرة ليتخرّج في جامعة محمّد خيضر، وهو مسجل الآن للدّكتوراه بجامعة ورقلة.

[2] - سورة الأنبياء الآية 69

ليست هناك تعليقات: