المجلس الأعلى للثقافة بين فشير والتلاوي!
بقلم/ أحمد طوسون
في اتصال هاتفي بيني وبين د. جمال التلاوي نائب رئيس اتحاد كتاب مصر سألني عن رأيي في استقالة د. عز الدين شكري فشير من رئاسة المجلس الأعلى للثقافة؟ فقلت له: أن قشير اكتسب احتراما وتقديرا أكبر لدى المثقفين بهذه الاستقالة.. فالمفترض لدى من يقوم بالإدارة الثقافية أن يكون صاحب رؤية يسعى إلى تطبيقها وليس مجرد ترس في عجلة الدوام الوظيفي، فإن اصطدم صاحب الرؤية بواقع معقد يحول دون تحقيق رؤيته عليه أن ينسحب احتراما لضمير المثقف داخله الذي يأبى أن يصبح ترسا في آلة جامدة وهو من المفترض أن يكون وهجا مشتعلا يضيء ما حوله بالفكر والثقافة.
وفضيلة الانسحاب والاستقالة يفتقدها كثيرون ممن أعجبهم فلاش الكاميرات والتواجد بين صفوة المجتمع والحكم والإمساك بزمام المنح والعطايا بخلاف ما تدره الوظائف العليا من مزايا مادية وعلاقات الداخل والخارج!
فلا مكان في قاموسهم لمفردة "الاستقالة" ثقيلة الظل والتي تحجب عن صاحبها الكثير مما يعيشه تحت وهج مقعد السلطة الوثير في مؤسسة أو هيئة ما.
ثم تطرق الحديث بيننا إلى مواضع شتى في أحوال الثقافة والمثقفين، حتى عاد وسألني عن الشخصية التي أرشحها للدكتور عماد أبوغازي ليحل محل د. عز الدين شكري فشير في رئاسة المجلس الأعلى للثقافة.. باعتبار أن وزير الثقافة قرر أن يختار رئيس المجلس الأعلى للثقافة من بين من يرشحهم الأدباء والمثقفون الذين يلتقي بهم.
فأجبته بعفوية: أنت!
وصمتُ برهة قبل أن أستفيض في شرح وجهة نظري بغض النظر عن علمي أن اسم د. جمال التلاوي رشحه بعض الأدباء مع اسم د. شاكر عبد الحميد لرئاسة المجلس.
لم يكن في الأمر أي شبهة مجاملة أو حيلة لاستجلاء نوايا من أحادثه أو لأنه صديق عزيز أعتز بصداقته ، بل لأن إجابتي العفوية كانت ستكون الإجابة نفسها إذا سألني هذا السؤال عدد من المثقفين باختلاف توجهاتهم أو أعمارهم ممن أعرفهم ونتوافق على أفكار بعينها.
كانت الإجابة في كل الحالات ستكون: أنت!
أنت إذن ترتبط بمواصفات أو شروط يجب أن تتوافر فيمن يشغل هذا المنصب لعل أهمها إيمانه أن الثقافة المصرية لا يوجد بها متن أو هامش إلا في عقول من أداروها لثلاثين عاما بمنطق العزبة الخاصة.. وأن ثراء الشخصية المصرية الحقيقي يتجلى فيمن يعيشون خارج الدائرة الضيقة لمؤسسة الحكم الثقافي والإعلامي وأن المجلس الأعلى للثقافة يجب أن يكون انعكاسا حقيقيا لثراء الإبداع المصري والعقلية المصرية وأن يؤمن من يقود دفته بالاستفادة بأفكار المبدعين من كافة أقاليم مصر والاستماع بآذان مفتوحة لرؤاهم لصالح الثقافة المصرية.. وإيمانه أن من حق الأجيال المختلفة أن تأخذ فرصتها في عرض رؤاها والتفكير والحلم لصالح ثقافة هذا الوطن وألا تقف عجلة الحياة عند جيل بعينه استنفد كل الفرص حتى صنع هوة سحيقة بين المثقف وبين باقي طبقات الشعب وأصبح ذيلا من ذيول النظام يعمل على توطيد أركان حكمه بعد أن انفصل عن هموم الناس وقضاياهم.. وأن يؤمن من يقود الدفة بضرورة استقلال المجلس الأعلى للثقافة عن الوزارة ليباشر مهام رسم السياسات والإشراف على أنشطة الهيئات الثقافية وما يستتبع ذلك من ضرورة انتخاب أعضاء اللجان.. مع حفظ الحق في تعيين بعض المثقفين الذين لن يسمح الانتخاب في الوقت الحالي _الذي ما زال تداعيا للمرحلة الكابوسية السابقة_ بانتخابهم.. وأن يكون رئيس المجلس صاحب رؤية وحلم وإصرار وتحدي على تحقيق الأهداف التي يبتغي تحقيقها، كما أتمنى أن يكون الرئيس واحدا من الذين تربوا داخل الوسط الثقافي والأدبي ويعرف مشاكل الحياة الثقافية كما يعرف الأدباء والمثقفين في كل أقاليم مصر وليس واحدا ممن يعيشون في أبراج عاجية ويرون في العمل العام وجاهة اجتماعية وتحقيقا لصعود اجتماعي ووظائفي سلطوي لا أكثر.
أريد أمينا للمجلس من أصدقائي الذين يجلسون على المقاهي ويعرفون من هو زائف ومن هو حقيقي، ولا أريد أن يهبط علينا رئيسا للمجلس من ذوي الجرافتات وأساتذة الجامعات الذين لا علاقة لهم بالثقافة إلا من أجل دراسة أو بحث في مؤتمر ليحصل به على ترقية هنا أو درجة هناك ثم نفاجأ بأروقة المجلس تحتشد بتلامذته وأصحابه ويغيب عنها المثقفون والأدباء.
أنا سأكون سعيدا لو اختير واحد من هؤلاء الذين يؤمنون بأفكاري بغض النظر أنني ربما أخسره في اليوم التالي لأنني سأقف في الجهة الأخرى ناقدا لكل خطوة يقدم عليها، لإيماني بضرورة النقد للبناء بشكل صحيح.
لكنني في نهاية المكالمة اعتذرت لصديقي د. جمال التلاوي لأنني لم أرشحه أو أرشح أحدا من أصدقائنا من جيلي لأن وزير الثقافة لم يستشيرني ولم يفكر يوما أن يدعوني وأصدقائي من الأدباء الذين يقيمون خارج العاصمة ولا يعملوا بمؤسساته الثقافية للاستماع إلى رؤانا وأفكارنا بشأن الثقافة التي أعتقد أنها ملكنا جميعا، تماما مثلما هو حال الوطن، وعلينا جميعا أن نتشارك في صياغة الأفكار التي سترسم مستقبله
هناك تعليقان (2):
مريت من هنا وحبيت اقولك .. كل عام وانت بخير بمناسبة قرب شهر رمضان ..
اعاننا الله واياكم على صيامه وقيامه..
دمت بخير ..
كل عام وأنت بألف خير
جعله الله شهر عتق ورحمة ومغفرة لأمة المسلمين
إرسال تعليق