2011/07/26

بانتظار ثورة الفِكرِ في مُجتمعٍ النّفاق

بانتظار ثورة الفِكرِ في مُجتمعٍ النّفاق
بقلم: زينب البحراني 
أكتُبُ لكُم هذه السّطور؛ حافرةً كلماتها لكُم بأظافري على جُدران تابوتي المُتعفّن، حيثُ كُتِب لي أن أولد، وأعيش دون أن أتنفّس، ثمّ أموت. أحفرها لأعلن أنّني اجتزت وجه الأرض ذات يوم، وأنّني لم أكُن مُجرّد رقمًا تافهًا راضيًا بقضاء مُجتمعه المُتخلّف، وقدر أرضه التي تعشق ثقافة الموت الرّوحي، وتصنعها، وتستميت في تصديرها لكّلّ عقلٍ كُتب عليه الرّضا بأن يكون إسفنجةً تُسيّرها عقول خبيثة.

أكتبها موقنةً بأنّني سأُرجَم، وأصلب، وأُلعَن بألسنةٍ أشبه بقاذفاتِ القنابل، لكنّ الأحياء هُم من يخشون الألم، وأنا توفّيت وفاةً تعصمني من أن يضرّني السّلخ بعد الذّبح. وإذا كان لكُلّ محكومٍ بالإعدام أمنية يحقّ له تحقيقها، فأمنيتي اليتيمة أن أعبّر عن نفسي بحُريّة.. تلك التي يعتبرها ميثاق حُقوق الإنسان مُلكًا مُؤكّدًا للفرد وحقًا من حقوقه هي بالنّسبة لأمثالي أمنية.. الله.. ما أشقاها من أُمنية. الله.. ما أعسرها من أمنية.. الله.. ما أغلاها من أمنية.. الله.. يا الله.. إلى متى ستبقى تلك لنا مُجرّد أمنية؟!

قبل فترةٍ من هذا العام؛ أجرى الإعلاميّ السّعوديّ سُليمان الهتلان حوارًا من الأديبة السّعوديّة زينب حفني عبر شاشة قناة الحُرّة الفضائيّة، واجتازت الحديث حكايةً ذكرتها الرّوائيّة زينب حفني عن قُدومها إلى المنطقة الشّرقيّة، ولقائها بأحد رجال الدّين المشهورين في المنطقة، والذين تبزغ صورتهم كثافةٍ كبيرة عبر وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة، ولا أبالغ إن قلت أنّه الأشهر على الإطلاق في هذا المضمار إلى حدٍ أظنّ معه أنّ جميع سُكّان القطاع الشّرقي من المملكة العربيّة السّعوديّة سيعرفونه دون أن أذكر اسمه الذي لا أريد أن أذكُره لئلا يُلازم تعليقي على ما قاله.

خُلاصة القول؛ أثناء لقائها برجُل الدّين هذا فوجئت بأنّ جميع النّساء الجالسات مُنقّبات، بينما كانت هي الوحيدة المُكتفية بالحجاب وحده دون نقاب، فقالت له:
- يبدو أنّ المدّ الوهّابي قد وصلكُم أنتُم أيضًا، وإلا لماذا يرتدين جميعهنّ النّقاب رُغم أنّ هذا ليس في مذهبكُم.
فردّ عليها بإجابةٍ قالت عنها أنّها "ذكيّة"، بينما سأقول عنها صراحةً أنّها إجابةٌ جبانة، مُتهرّبة، مُتملّصة من دورها في إصلاح المُجتمع وتوعيته وشطف عقله من التخلّف والتّراجُع المَرضيّ إلى الوراء، إذ اكتفى بقوله:
- اسأليهنّ أنتِ.
أحسنت.. قمّة القرصنة العقليّة.. قتل القتيل ثمّ اتّهامه بقتل نفسه.. الجريمة الكامِلة التي لو سُئل فيها القتيل لاعترف أنّه تجرّع السمّ على جُرعاتٍ خلال سنواتٍ راضيًا مُبتهجًا إلى أن أصيب بالسّكتة الدّماغيّة، وفطس وعلى شفتيه ابتسامةُ سُرورٍ أبله! يا أخي كُن شُجاعًا واعترف.. قُلّ لها أنّكُم جميعًا شاركتُم في تلك الجريمة.. أنّكُم كنستُم عقولهنّ، ثمّ شطفتموها، ثمّ بذرتم فيها بذور العجز، لتحوّلوهنّ إلى مُعاقاتٍ عاجزاتٍ عن التفكير والتّحليل والمُناقشة. قل لها أنّكُم سُعداء بأن تبقى المرأة في هذا البلد مُكرّسة للجنس فقط بحُجّة الدّين، وأنّها بالنّسبة لكُم يجب أن تبقى كيس قمامةٍ أسود يُغلّف قطعة لحمٍ شهيّة بلا رأيٍ ولا قرار.. قُلّ لها أنّكُم تكذبون كثيرًا على الله، وباسم الله، وأنّكم تُريدون احتلال مكان الله في الأمر والنّهي والتّشريع لأجل مصالحكم الخاصّة، ولأجل مصالح السّياسة التي تستميت في إضعاف المرأة لأنّ ضعفها هو سرّ ضعف الرّجُل وعجزه في هذا البلد.. قُل لها أنّ من مصلحة الطّبقات الثريّة في هذا البلد ومن مصلحة الوافدين عليه أن تظلّ المرأة مُجمّدةً ومُحتقرة ومُعاقة بألف حُجّةٍ وحُجّة كي يستغلّوا ضعف النّاس وسذاجتهم.. كُن صادقًا مع الله وذاتك أمام النّاس ولو لمرّة.

يا سادة يا كرام.. غول التخلّف شبع من امتصاص قوّة مُجتمعنا السّعودي طوال العقود الماضية. نحن ميّتون.. ميّتون.. ميّتون.. مذبوحون حتّى العظم، ومُتورّمون مُحتقنون دون عِلاج. أجيبوني بحقّ الله ثمّ بحقّ ما تبقّى للعقلاء من عقل؛ لماذا تصمتون عن الخطأ رُغم علمكم بفداحته؟ لماذا يكذب كُلّ منّا على نفسه مُدّعيًا أنّنا نعيشُ في مُجتمعٍ (مُحافِظ) رُغم أنّنا نموت بالتقسيط كُلّ يومٍ في مُجتمعٍ (مُنافقٍ) بامتياز؟ لماذا تستميتون في تغييب عقول النّاس وتخديرها بدلاً من إيقاظها وتوعيتها؟ كُلّنا جميعًا بسببكُم أنتم أسرى؛ فلماذا ترفعون أصواتكُم بالدّعاء ليل نهارٍ أنِ "اللهمّ فُكّ قيد أسرانا" رُغم أنّكم أنتُم بتكريسكُم للجهل كُنتُم ومازلتُم سبب أسرِ أولئك، والسرّ الأكبر في بقائنا نحنُ جميعًا تحت قيدِ أسرٍ مُركّبٍ لا أمل لنا بالفكاكِ منه؟

يا رجال الدّين.. وحدكُم بيدكم إيقاظ هذا المُجتمع مثلما غيّبتموه، ووحدكُم بيدكُم إحياء عقل المُجتمع السّعودي بعدما سمّمتموه، فلا تتملّصوا من دورِكُم بألف حُجّةٍ وحُجّة. وتذكّروا أنّكُم ستُسألون يومًا عن سرّ استشراء الفساد في قريةٍ ظلم أهلها أنفُسهُم، لأنّهم لم يعوا قيمة أنفُسِهِم.

ويا أيّها الرّجال في هذا البلد.. يا جميع الرّجال الذين يُدركون حقًا مدى نتانة التخلّف الذي ترزح المرأة تحت وطأته، لا تُلبسوا الحقّ بالباطل، ولا تكتموا ما في أنفُسِكُم جُبنًا من غيرِكُم، ولا تُطالبوا مهيضات الجناح بأن يتحوّلن إلى جسرٍ تعبُر عليه طموحاتكم التقدّميّة دون أن تمدّوا يد المعونة والمُساعدة، فأنتُم تُدركون جيّدًا أنّ سهام الانتقام التي ستصوّب نحوها إن نطقت؛ تربو كثيرًا عمّا قد يُقال لكُم أنتُم إن نطقتُم من تلقاء أنفُسِكُم. واعلموا جيّدًا أنّ ضعفكِم الذي تسخر منه شعوب الأرض قويّها وضعيفها؛ من ضعف شخصيّات نسائكم المحكومات بإعاقة الرّوح من المهد إلى اللحد.

ليست هناك تعليقات: