2011/07/26

يعقوب الشارونى.. وحقيبة بابا نويل

يعقوب الشارونى.. وحقيبة بابا نويل

عبده الزرّاع
منذ أيام قلائل، احتفلت لجنة الأدب بأتيليه القاهرة بثمانينية الكاتب الكبير يعقوب الشارونى، أحد رواد الكتابة للأطفال فى مصر والعالم العربى، وشارك فى هذه الاحتفالية عددا كبيرا من تلامذة الشارونى وأصدقاؤه والمهتمين بأدب وثقافة الأطفال، كانت ليلة رائعة تلك التى تحدث فيها الشارونى عن مشوار حياته المليىء بالأحداث والصعوبات والنجاحات المتتالية حتى صار قامة سامقة فى مجال الكتابة للأطفال، كما حكت د.هاله الشارونى نجل الكاتب عن علاقاتها بوالدها، وكيف كان يحكى لها القصص فى المنزل بمصاحبة الفانوس السحرى، تلك الحكايات التى أثرت فى مخيلتهما هى وأخيها، وجعلتهما أيضا يحلقان فى عالم الكتابة والرسوم للأطفال، كما جاءت كلمات تلامذته وأحبائه مليئة بالحب والاعتراف بقيمة وقامة الشارونى، والذى لم يتأخر يوما بمد يد العطاء لكل من يسأله المساعدة، قدم هذه الاحتفالية الناقد الدكتور شريف الجيار نائب رئيس الأتيليه والمشرف على لجنة الأدب، والذى ألقى هو الآخر شهادة حب ربطت بينه وبين الشارونى.
ينتمى يعقوب الشارونى إلى الجيل الثالث فى الكتابة للأطفال بعد جيل كامل كيلانى الرائد الأول لها، ثم تبعه جيل سعيد العريان، وبرانق، وعادل الغضبان، وغيرهم من الكتاب، ليأتى جيل الشارونى، وعبد التواب يوسف، والراحل أحمد نجيب، هذا الجيل الذى رسخ لأدب وثقافة الأطفال، وجعلوه أدبا معترفا به من قبل مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدنى، لإنتاجهم الغزير والمتنوع بين القصة والرواية والمسرح للطفل، والبحوث، والدراسات النقدية، ومشاركتهم بفاعلية فى كل ما يخص أدب وثقافة الأطفال.
شلال من الثقافة
تعرفت على يعقوب الشارونى لأول مرة من خلال كتبه التى كانت تملأ رفوف مكتبة الطفل ببيت ثقافة أنور المعداوى بمطوبس، الذى عملت به بعد ذلك مسؤلا عن الثقافة العامة فى بداية حياتى الوظيفية، وقبل أن أنتقل إلى القاهرة ، هذه الكتب أثرت فى وجدانى، وحركت مخيلتى الإبداعية، قبل أن أكتب للأطفال حرفا واحدا، ولم أكن أعد نفسى لأكون كاتبا للأطفال فى يوم من الأيام، ولكن الأقدار هى التى ساقتنى إلى هذه الكتابة، حينما إلتحقت للعمل بمجلة قطر الندى سكرتيرا للتحرير، التى تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة للأطفال، وذلك فى منتصف التسعينات، منذ ذلك التاريخ بدأت اهتماماتى تزداد بثقافة وصحافة الأطفال، ودخلت إلى هذا العالم السحرى على استحياء شديد، إلى أن فتنت به، وأخلصت لهذه الكتابة أشد الاخلاص، وكنت كلما ذهبت إلى ندوة أو مؤتمر للأطفال أجد الأستاذ يعقوب الشارونى فى مقدمة الحضور، ولا تفوته أى مناسبة خاصة بثقافة وكتابة الأطفال


إلا وأجده من أوائل الحضور سواء كان متحدثا رئيسيا أو متلقيا، لا يهمه ذلك ولا يضعه فى حسبانه، قدر ما يهمه الحضور والمشاركة، وحينما يتحدث تجده وكأن شلالا من الثقافة العميقة قد انفجر فلا تستطيع أمامه إلا أن تنصت وفقط، وقد تجرأت ذات يوم فى بداية علاقتى به وسألته: لماذا أنت حريص على حضور كل الفاعليات الثقافية الخاصة بالطفل؟ قال: لكى أتعلم، من يومها وعيت الدرس جيدا، وعرفت أننى طالما أحى على وجه هذه الخليقة، لابد وأن أتعلم كل يوم جديد وأضيف إلى معارفى ما يجعلنى جديرا بأن أعيش الحياة، هذا الدرس الأول الذى تعلمته من الشارونى، بدأت أتقرب من هذه الشخصية الثرية، وأذكر حينما أقامت الهيئة العامة لقصور الثقافة إحتفالية بمناسبة صدور العدد (50) من مجلة قطر الندى بمدينة الاسماعلية، أيام أن كان حسين مهران رئيسا للهيئة، والفنان عبد الرحمن نور الدين رئيسا للتحرير، شارك معنا الشارونى ببحث فى هذه الاحتفالية وكان من أشد المتحمسين لها، بدأت علاقتى به تزداد، وراح يدعونى للمشاركة فى الندوة الشهرية التى كان يقيمها فى مكتبة الطفل بالجيزة، وكانت ندوة ثرية يجيىء إليها كتاب الأطفال من القاهرة والمدن الأخرى خاصة أدباء محافظة الغربية، وقد تعرفت على معظم هؤلاء الكتاب والرسامين من خلال هذه الندوة، والتى نقلها بعد ذلك إلى بيته، نتيجة خلاف حدث بينه وبين القائمين على هذه المكتبة، كانت هذه الندوة بمثابة ورشة أدبية وثقافية تناقش فيها أعمال كتاب الأطفال الجديدة من رواد الندوة، وأثناء الندوة يعرض علينا الأستاذ الشارونى أحدث الكتب الحائزة على جوائز فى أمريكا وأوربا والتى جلبها معه من سفرياته المتكررة إلى أمريكا، تعرفت على بيت الشارونى الذى يعتبر بحق مؤسسة ثقافية، الكل فى هذا البيت يعمل بدأب، تجد السكرتارية تصور لك الأعمال التى ستناقش وتوزعها عليك، وتتصل بك لتخبرك بموعد انعقادها أو تأجيلها، وكثيرا ما كان الأستاذ الشارونى يرسل لى بعض أعماله المخطوطة عن طريق البريد ليأخذ رأيى ورأى الأصدقاء ممن يثق بهم فى هذا الأعمال قبل أن يدفع بها إلى المطبعة، وكثيرا ما كنت أتقاعس عن أن أرسل له رأيى، لكنه بحب كان لايكف عن دعوتى لمناقشة تلك الأعمال فى ندوته الشهرية، وكانت تمنعنى ظروفى كثيرا عن الحضور، لكنه لا يكف عن المحبة أبدأ ووجهه دائم الابتسام، وأعترف أننى لم أذهب إليه مرة فى بيته إلا وخرجت بفائدة، أو حاملا العديد م الكتب الجديدة التى جلبها لنا من سفرياته.
غاية فى النظام
تعاملت مع الأستاذ يعقوب الشارونى عن قرب حيمنا كان يكتب لنا بابا ثابتا فى مجلة قطر الندى عن السياسة، وكان الرجل غاية فى النظام فيرسل لنا أكثر من ثلاث حلقات مرة واحدة حتى لا يكون سببا فى تعطيل صدور المجلة، لأن الرجل يعمل بجدية ويرسخ لها لتكون مبدأ حياة وسلوك، دعوته ذات يوم من أيام شتاء عام 2005 لحضور عرض مسرحيتى "القلم المغرور" التى كان يعرضها المسرح القومى للأطفال بمسرح العرائس ضمن المهرجان الأول للكاتب المسرحى المصرى، توقعت يومها عدم حضوره خاصة وأن العلاقة بيننا كانت عادية، ليفاجأنى ليكون أول الحاضرين يجلس فى الصف الأول فى مواجهة خشبة المسرح، وبعد انتهاء العرض إذا به يصافحنى بحرارة ويشد على يدى قائلا: "برافو" عليك، استمر، أنت كاتب متميز فى المسرح، بل وشارك برأيه فى الندوة التى عقدت بعد العرض ليأتى كلامه مصدقا لما شعرت به من إخلاص تجاه عملى، هذا هو الدرس الثانى الذى تعلمته من الرجل، كلما قابلنى الأستاذ يعقوب الشارونى مصادفة أو فى إحدى الندوات الخاصة بالطفل إلا ويقول لىّ أنا سعيد بما تكتب قرأت لك كذا فى جريدة القاهرة، وفى نهاية الندوة يوزع علينا عطاياه من آخر إصدارات كتبه عن دار المعارف وغيرها من الدور التى يتعامل معها، فحقيبته مليئة دائما بالكتب، وعلى حد تعبير د. عطيات أبو العنين فى الاحتفالية: إنها حقيبة بابا نويل التى يوزع منها عطاياة على الصغار، فيعقوب الشارونى يوزع كتبه التى كتبها للصغار على أبنائه من الكبار، ولا أنسى يوم رشحنى الأستاذ الشارونى مع آخرين فى البرنامج الدولى للقضاء على عمل الأطفال (ipec) التابع لمنظنة العمل الدولية ((ilo، والتى نظمها الإتحاد العام للكشافة والمرشدات، للمشاركة بالتحكيم فى مشروع نادى الصرخة لعمل الأطفال بالقاهرة (دعم حقوق الأطفال من خلال التعليم والفنون والإعلام)، وأيضا رشحنى ضمن ورشة العمل التى أقامها المجلس العربى للطفولة والتنمية والتى ضمت أكثر من ثلاثين إعلاميا على مستوى الوطن العربى على هامش مؤتمر الأطفال ذوى الإعاقة العام الماضى، وقد زاملته فى العديد من المؤتمرات وشعبة أدب الطفل باتحاد الكتابـ، ولمست فى الرجل مدى إخلاصه فى مساعدة الآخرين خاصة من المتميزين فى مجال الكتابة والرسوم للأطفال، وقد كتب الكثير والكثير للأطفال إذ يربو إنتاجه فى التأليف لهم على 400 كتابا، علاوه على موسوعة "العالم بين يديك" التى صدرت فى عشرة أجزاء، وموسوعة "الكتب الموسيقية" التى قام بترجمتها فى ثمانية كتب قصصية، تشترك فيها الكلمة والصورة والأصوات الموسيقية فى خلق نوع من المشاركة والتفاعل بين الطفل وكل كتاب، كما ترجم عدد كبير من قصصه ورواياته إلى عدة لغات أجنبية، منها: الانجليزية، والفرنسية، والايطالية، والألمانية، والماليزية، وقد حصل على أكبر الجوائز المصرية والعربية والعالمية، ففى عام 1981حصل على جائزة أحسن كاتب للأطفال عن قصته "سر الاختفاء العجيب"، وفى عام 1991ونتيجة استفتاء تم أثناء مهرجان القراءة للجميع بمدينة السويس، اختار الأطفال كاتبنا يعقوب الشارونى كأحسن مؤلف لأدب الطفل، وفى 23 يوليو 1993، وبمناسبة المهرجان الثالث للقراءة للجميع، سلمته السيدة سوزان مبارك ميدالية التكريم الذهبية تقديرا لجهوده فى مجال أدب وثقافة الطفل، كما حصل كتابه "أجمل الحكايات الشعبية" على جائزة من معرض بولونيا الدولى للكتاب، والعديد من الجوائز الأخرى، وقد أختير عام 1982 ليكتب باب الطفل بصحيفة الأهرام بعنوان "لطفلك"، وقد اختار الشارونى للقصة التى ينشرها عنوان "حكايه أعجبتنى"، وينشر هذا الباب حاليا تحت عنوان"ألف حكايه وحكايه"، وتم دراسة إبداع الشارونى للأطفال فى أكثر من رسالة ماجستير ودكتوراه، ومازال الرجل يعطى الكثير للحياه الأدبية والثقافية، وخاصة فى أدب وثقافة الطفل التى نذر نفسه لها، أعطاه الله الصحة والعافية ومتعه بالعمر الجميل.




ليست هناك تعليقات: