"سُلطةُ التُّراث وبلاغةُ المُتخيَّل" كتابٌ جديدٌ للثلاثيِّ الأكاديميِّ الأشهر
بعد أن صار حضورهم الثلاثي الناجز ظاهرة لافتة استحقت ثناء الوسط الأكاديمي والنقدي، يواصل الدكاترة أحمد يحيى ، وأحمد عبد العظيم، وعلاء عبد المنعم (أبو ياسين) رحلتهم التأليفية المشتركة من خلال مؤلف جديد صدر عن دار الآداب في 320 صفحة، حاملاً عنوان "سُلطةُ التُّراث وبلاغةُ المُتخيَّل" وهو كتاب يوجه كامل طاقته صوب البحث عن آلية توظيف الرواية المعاصرة للتراث.
ويوضح المؤلفون فلسفة الكتاب ومضمونه في مقدمته فيقولون "يمثل هذا العمل المحطة الجديدة التي حطت عندها رحالنا في مغامرتنا البحثية مع السرد العربي، التي بدأناها مع كتاب "هوية الشخصية العربية" ثم كتاب "النقد الموضوعي" بمشاركة ورعاية شيخنا الجليل د/ سيد قطب ثم اتبعناهما بكتاب "بلاغة القصة .. مقاربات تطبيقية في القصة القصيرة"؛ حيث قدمنا فيه مقاربات نقدية متنوعة لفن القصة القصيرة؛ اتخذت مسارا تاريخيا أفقيا؛ يقارب الجذور الأولى لهذا الرافد المهم من روافد السرد العربي والإنساني.
لقد أفدنا في هذه المقاربات مما تقدمه الدراسة التاريخية (الخطية الزمنية) التي ترى أوجه الشبه والاختلاف بين القصة القصيرة المزدهرة في عصر الصناعة مع تدفق الصحف في زمن الطباعة من جهة والأخبار والحكايات والنوادر القديمة بما لها من قيمة في مجال التاريخ والدراما من جهة أخرى.. كما واصلت القراءة التاريخية رصد ملامح خريطة التطور في ضوء الكتابة الرقمية عبر المواقع والمنتديات والمدونات الآلية. وفي الوقت نفسه أفدنا من الطاقة المنهجية للدراسة الوصفية التي تتابع تعدد طرائق التعبير وخصائص التشكيل في اللحظة التاريخية الواحدة نتيجة تنوع المواهب واختلاف التيارات.
في عملنا هذا، وقد عنوناه "سُلطة التراث وبلاغة المتخيل- توظيف التراث في السرد الروائي المعاصر"، ليس ثمة اختلاف جوهري في الرؤية التي ينطلق منها وعينا النقدي، ونحن نقارب فن الرواية، الفرع الآخر، الذي يشكل بانضمامه إلى فن القصة القصيرة دلتا خصيبة –إن صح لنا استعارة دلتا نيلنا الطيب المبارك- تجمع بين ثناياها تراثا إنسانيا زاخرا بصنوف التجارب والمعادلات الإنسانية والنماذج البشرية، والخبرات الحياتية.
لقد انطلقنا في بحثنا؛ متسلحين بأدوات المنهجية النقدية الحديثة؛ من البنيوية إلى علم السرد إلى آفاق النقد الثقافي الرحبة؛ التي تربط –بوعي عميق- بين النصوص الأدبية وسياقاتها الثقافية التي أفرزتها.
من منطلق هذا المفهوم الأخير "النقد الثقافي"، ومن منطلق مصطلح نقدي آخر له حضوره وناجزيته في تحليل النصوص الأدبية، هو "التناص"، تتأسس منهجية العمل النقدي في هذا الكتاب؛ منطلقة من وعي بأن النص الأدبي عامة –والروائي منه خاصة- ماهو إلا إفراز طبيعي لتراكمات ثقافية، وتداخلات نصية عدة، منها ما هو أدبي يتعلق بتداخل الأنواع الأدبية، واستثمار المبدع الروائي لجل طاقات الفنون الأدبية الأخرى في حبكه لمتن نصه السردي، ومنها ما هو تاريخي يستلهم أحداث الماضي، الذي تحرص الذات المبدعة على تعزيز ملفوظها السردي بالرجوع إليه تارة، وإلى كتب التاريخ ومراجعه تنتقي منها موضوعات تؤسس عليها مشهدها الروائي تارة أخرى، ومنها أخيرا ما يتعلق بالعقل الجمعي للأمة وتأطيره للذاكرة الإبداعية للروائي عبر موروث شعبي يختال في الوعي الفردي والجمعي بحكم العادات والتقاليد والاحتفالات الاجتماعية، وهو ما يشكل مادة خصبة لإمداد السرد الروائي بطاقات تخييلية ورمزية شديدة الحيوية، وعميقة الدلالة في آن.
روافد ثلاثة إذا يستلهم منها السرد الروائي معينه العذب، رافد التراث الأدبي، ورافد التاريخ، ورافد التراث الشعبي، وهي الروافد التي انبنت عليها فصول هذه الدراسة الثلاثة على النحو الآتي:
الفصل الأول (سطوة التراث الأدبي): وفيه تستعرض الدراسة ثلاثة من أشكال التداخل والتفاعل النصي؛ الذي تستلهم فيه الرواية فنون العرب التراثية الأخرى، وهذه الفنون هي النص الشعري وفن المقامة ونظام المعجم العربي.
الفصل الثاني (سطوة التاريخ): حيث تتتبَّع الدراسة ثلاثة نماذج روائية تقوم في بناء حكايتها على فكرة استدعاء التاريخ بفتراته وحقبه المتتابعة: الفرعوني واليوناني والأندلسي والمعاصر.
الفصل الثالث (سطوة التراث الشعبي): وفيه نقف مع اثنين من رواد السرد الروائي (خيري شلبي-محمد ناجي)؛ أما أولهما فيغرق في المحلية؛ فتفيض رواياته بمفردات التراث الشعبي، التي يستمدها من معطيات البيئة المحيطة به، التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة في آن. وأما الآخر فيقوده ميله إلى تمثل تيار الواقعية السحرية في رواياته إلى استلهام الرموز والطقوس الممتاحة –غالبا- من عمق الموروث الشعبي.
حاولت الدراسة عبر هذا التطويف بعدد لا بأس به من النماذج الروائية المتنوعة، أن تضبط بأدوات النقد المنهجي المختلفة أبرز مظاهر اكتناز الفن الروائي عبر عمليات التفاعل والاستلهام والتناص الدائم والمستمر مع عناصر التراث العربي، التي حرص عليها كتابنا على تتابع أجيالهم واتجاهاتهم، ليثبتوا من ناحية امتلاكهم مقومات تراثية أصيلة قادرة على مواجهة تيارات الرواية المتجددة والمتدفقة باستمرار من الغرب إلى الشرق، وليحققوا في الآن ذاته لفنهم المحبوب كل مقومات الجدة والنضارة، حتى غدا فن الرواية اليوم –مع كثرة فنون المتفننين فيه- حقلا معرفيا إنسانيا هائلا، يحفل بصنوف التجارب، وألوان الخبرات؛ فتشعبت تياراته ما بين رواية تاريخية ورواية رحلة ورواية ترجمة ذاتية، وتحولت من رواية واقعية إلى واقعية سحرية، ومن رمزية إلى تجريبية... إلخ. وهو ما ضاعف من قدرة هذا الفن على الجمع بين عنصري الإمتاع والفائدة في آن.
وَلإن كانت الرواية وتياراتها الأدبية بكل هذا الثراء، فمن غير المقبول عقلا ادعاء الإلمام بكل دقائقها، واستيفاء كافة جوانبها التشكيلية والدلالية بالتحليل النقدي. ولذلك فغاية ما سعت إليه هذه الدراسة هو وضع لبنة تتبعها لبنات، لأجل بناء تصور كامل بحدود العملية الإبداعية التي ينهض بها الروائي في بناء عوالمه الفنية، في ثرائها وعمقها وتنوعها، وفي بزخها الجمالي، ونزقها القادر دوما على الإيقاع بالقارئ في شرك التلقي الاستمتاعي النهم"
والجدير بالذكر أن المؤلفين الثلاثة سبق لهم الاشتراك في الحصول على العديد من الجوائز منها جائزة رامتان في النقد الأدبي، وإحسان عبد القدوس في الدراسات الأدبية، فضلا عن جائزتي اتحاد الكتاب، الوسطية العربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق