تحفة النظّار، في غرائب بلاد (المنتديات)، وشعبها (المنتدياتيين)!
أحمد محسن العمودي*
منذ عام 2005 وحتى قبيل فترة ليست بالطويلة، وأنا أتنقَّل بين مختلف المنتديات الثقافية التفاعلية، مركزا وجودي على مختلف أقسام الشعر فيها إما عضواً وبالتالي مشاركا، أو زائرا بُغية القراءة فقط. والرابط المشترك بين كل تلك التنقلات المكوكية خلال الشبكة العنكبوتية أني لم أصمُد –سواء كزائر أو كعضو فاعل- لأكثر من بضعة أشهر، في أحسن الأحوال، بأيٍ من تلك المنتديات!
"...
...
...
ولا الضالين.
آآآمين"
والآن.. بعد أن قرأت الفاتحة لها –أي المنتديات- ولي، وللسامعين، ورغبة مني في النميمة.. على طريقة (إبن بطوطة) الذي لم يترك بلدا ولا شعبا إلا وخاض بالكلام فيه، ها أنا ذا أخوض في سيرة بلاد (منتديات الشبكة العنكبوتية المتحدة) وشعبها (المنتدياتيين) من واقع تجربتي الخاصة. وغني عن القول أن الآتي من الحديث، وإن كان هو القاعدة في نظري، إلا أن له إستثناءات تندرج تحت بند: (إلا من رحم ربي!).
يامسهل يارب...
من المعلوم أن من علامات يوم القيامة أن: "يأتي على الناس زمن.. لا يدري القاتِلُ.. فيما قَتَل، ولا المقتول.. فيما قُتِل"!
وأنا أدخل على بعض، بل معظم النصوص، الشعرية تحديدا، في بلاد (منتديات الشبكة العنكبوتية المتحدة) –حماها الله، آمين- فأتوقف أمامها (مزبهلاً) أي مُتَمَسْمِرا في أعلى النقطة لعلامة تعجب مقلوبة! فأحكُّ رأسي متفكرا، حتى أكاد أن أصاب بالصلع، وأُمصمص شفتيّ وكأنهما فص ليمون، و(تُبَحْلِقُ) عينايا في محتوى النص حتى تكادا أن تسقطا –صرعى- عليه كنقطتي حرف (الياء).. وكل ذلك وأنا أبحث في النص عن مسوغات ودلالات للـ "الجمال والروعة والإبداعية...الخ" التي يعلنها (المعلِّقون) على النص وتحفل بها زرافات تعليقاتهم، حد التُخْمة والقئ!!
فلا أدري ولا أتمكن –بأمانة- من وضع يدي على أي مبرر أو معلل لذلك! ويغدو الأمر بالنسبة لي (كشفرة دافنشي) قبل أن تُفك.
فأتماهى مع (أحمد مطر) في قوله:
"قلّبَ أوراق القرطاس
ضرب الأخماس لأسداس:
أرسل برقية تهديد"
غير أني بدلا من "برقية تهديد".. أُرْسِلُ في طلب عفاريت الجنّ للإستعانة بهم لفك الشّفْرة، بعد أن فشلت أنا (عفريت الإنس) أن أصبح كـ(دان بروان)!
فقمت بدعك مصباح أُمي "صفيّة" السحري، فظهر المارد لأسأله عما يحيرني من مسوغات هذا الإطناب في المديح لنصوص لا ترقى له ولا تقاربه بأي نسبية حتى؟
لكن، وبرغم ذكاء المارد ودهائه، عجز عن مجاراة ذكاء الأدباء والمبدعين (المنتدياتيين)، وهز كتفية بيأس.
فلم أيأس، وغافلت أبي "محسن" عن خاتمه السحري –حيث أن هذين "الفانوس والخاتم" السحريان لأبي وأمي بمثابة (أسلحة الردع) ليأمن كل منهما جانب الآخر، مما جعل عائلتنا الكبيرة تعيش في سلام تحسدنا عليه روسيا وأمريكا أيام الحربة الباردة- أعود فأقول، بأني غافلت أبي عن خاتمه السحري ودعكته، فكان المارد من الغباء والتخلُّف أنه لم يفهم سبب إستفساري أصلا. فصفعته وأنا أتعجب، كيف استطاع أن يجابه مارد فانوس أمي السحري كل هذه السنين الطوال!
وأيضا لم أيأس، والتجأت إلى الله أن يريني رؤيا تفك "سر" تلك المدائح المنهالة على نصوص ما أُنْزِلَ بها من سلطان في عالم الإبداع، وقد تكون نصوصي من ضمنها!
فجاءتني، ذات غفوة -فوق جهاز (اللاب توب)- المرحومه (جُهَيْنَة)، وهي التي عندها الخبر اليقين، فتعلقت بجلّابيتها التي تشبه جلَّابية (نانسي عجرم) وكدت أقول لها: "أحبِك آه، أسيبِك لأ"!، لكني تنبهت قبل الوقوع في المجون والجنون، وتداركت أنفاسي اللاهثة والمُتَقاطِرة من طلّتها، وقلت لها بلهجة مصرية فصيحة كعادتي: "عليّ النعمه.. مانا سايبك لحد ماترسّيني على بَر في الليلة الفُحْلوقي دي"!
فكانت جهينة، فعلا جهينة كما أخبرتنا عنها كتب الأسلاف، وألقت على قلبي بالخبر اليقين. وهو: أنه يا سادة ياكرام، جماعة "المنتدايتيين" مبرمجين بشريحة ممغنطة، تتفق في نفس معنى المدائح المجانية، وتختلف في الصياغة الفانتازية، كل حسب جهاز إرساله، وكلمة السر لهذه الشريحة كي تكون فاعلة: "إفتح يا شِلّة"!!
فتفتح ثقافة التكريس (المنتدياتي) المجانية، والمديح العمياني، دون أن يكون في طي ذلك -غالبا- أي تعليل او مسوغ. بل أحيانا يصل الأمر لدرجة أن تتناقض تماما قيمة النص الحقيقية في مقياس (ريختر) للإبداع بمختلف نسبياته –حيث أن تقييم الإبداع نسبي-، مع محتوى التعليق المُبَالِغْ في تطبيلة وتزميره إحتفاءا من فصيلة "إستهبالا".
بل ويشطح ذهني ليقول: بأنه لو نطق "النص" –وليته ينطق- لقال للتعليق "المدائحي" المرفق على متصفحة: "إنت يا أخ!.. ياعم الحاج!.. أتقصدني؟! أأنا المعني؟!.. بالتأكيد هنا ثمة خطأ وتداخل في أسلاك الدورة الكهربائية الخاصة بـ(نفسية) صاحب التعليق" وبالتالي، تسري الكهرباء.. وتنور (لمبته) الحمراء بقوة "عُشْرومية" فولت تبعا لأهوائه المحضة، لاسيما المتعلقة "بآماله وخيباته"، وتبعا لمآرب أخرى تتكنّى بـ(حاجة في نفس الشلَّة).
مما يجعلني أجْزم أن صاحب التعليق لم يقرأ النص بالمرة، أو قرأة كما تقرأ الغجرية المُحْتَالة فنجان قهوة (الزبون).. فتجعل عينا على الفنجان.. والأخرى على وجه صاحب الفنجان، بحثا فيه عما يسعده ويرضية من معسول قولها كي تنال رضاه.. وبالتالي ينعم عليها بما يرضيها، حتى لو انتهى ذلك إلى الضرر على المدى البعيد!
هي الـ"الشِلَلِيّة" التي تكونت بدون ميثاق ولا أتفاق مكتوب ولا نقاش، وإنما تكونت -وتتكون وتتوسع بشكل سرطاني- مباشرة بشكل عملي محدثة أمرا واقعا، لا يفرز سوى: المدائح العاقرة/المعقورة، ومارست وتمارس عادة التكريس المجانية (للرُّكَب). كل واحد منهم يسخِّر قلمه طبلا وزمرا، لاعضاء "الشلة" الرائعين، وبطبيعة الحال، هم سوف يبادلونه التسخير.. بتسخيرٍ مثله، وسوف تتفقع الآهات من الروعة، وتتنحنح الحناجر من النشوة، وتقرع الطبول وتصدح المزامير في إثر كل النص لأعضاء الشلة الموقرة. والمسألة.. وكما هو واضح، تصبح مقايظة بمنتهى البساطة، وكما قالوا في الأمثال الشعبية: (يابخت من نفّع.. واستنْفَع) و أيضا (شيلني.. واشيلك).
بناءا عليه.. جعلني ذلك أُعيد حسابي في مسألة "الحكمة" والتي أحسبها يمانية!!
يا مثبت العقل والدين، فقد اتّضح أنها لا يمانية ولا من يحزنون عند (شعب المنتدياتيين) الكريم! إنما الحكمة عندهم: أن تراقب موجة رقصتهم كيف تتثنى وتتمايل، ومن ثم تدخل حلبة الرقص على نفس إيقاع الموجة، حتى لو كانت معاكسة لعقارب الساعة وتعود بنا إلى حيثيات المادح والممدوح الفجّة، وإلا لأصبحتَ "غريب الوجه واليد واللسان".
يقول جاري اللدود، ذو الأنف الذي يسبقه في الحضور، ليزيد من إغاظتي، ويصبّ الزيت على النار-:
أفهم من هذا أنك تريد أن تقول:
- أنه من باب أن الكلمة أمانة، وبالتالي التفاعل مع / والتعليق على النصوص الإبداعية يندرج ضمن ذلك؟!
- أنه يفترض أن لا يتموضع التعليق على النصوص ويتفهرس كمتلازمة لإسم صاحب النص، وليس لقيمة النص؟!
- انه يفترض، إن لم يكن يجب، التعامل مع النصوص بحيادية وإجابية وموضوعية تليق بنفوس المبدعين، ولغرض الارتقاء؟!
- أنه يفترض بفئة "الأدباء والمبدعين" في المنتديات إن كانوا كذلك أصلا، أن لا ينهجوا ويهرولوا ويتهافتوا على مختلف المتصفحات فيما بينهم من باب (إمدحني لإمدحك) مما يجعلنا قسْرا، وبألم.. لا نجد بُداً من الإعتقاد بأن هناك ثمة (Sense of inferiority) يسري في كثير من النفوس، فيتم تعويضة بهذه الطرائق المجانية الزائفه، والممجوجة بسخفها المُتَوَحِّل؟!
"هل هذا ما تريد أن تقول".. يقول صديقي..
"لسا فاكر.. كان زمان.. كان زمان"
وبالتالي..
هذا ما جنته الشِلليَّة:
لا حيادية، ولا موضوعية، ولا نقاش تفاعلي حقيقي ولا فكر. لا تعليق نصي يوازي النص الإبداعي.. فيفصفص جمالياته وخيلاءها، ويعكِّز مثالبه وهنّاته في بلاد (منتديات الشبكة العنكبوتية المتحدة) وشعبها.
والنتيجية الطبيعية: بعض (مشاريع شعراء) ذوي خامات إبداعية، كثير منها حقيقية لكنها (بِكْر)، فلاقوا تطبيلا وتزميرا صاخبا، من حيث يدرون ولا يدرون. وبعد أن كَسّرَ،هذا التطبيل والتزمير، المرآة -العاكسة للحقيقة- التي أمامهم، صعقهم بهالة مُبالغ في إضاءتها من الخلف، فكان أن انعكس ظلهم بأضعاف حجمه أمامهم، فظنوا أنه انعكاس لصورة حجمهم في المرآة، فانتفخ الواحد منهم (وانْتَفَشَ) مثل الديك الرومي، حتى أوشك أن يبلغ "سدرة النتهى" في وهمه.
وبالتالي.. نُسيَ سلّم الإبداع الذي يجب إرتقاءه. نُسي قلق التسآؤل الذي يجب أن لا يبرحه المبدع للبحث في لغته، وهيكلية نصه، وإطار التناول، والمغايرة.. خروجا وتمردا على كل مألوف.
ونُسي أن يسأل الشاعر نفسه –بعض أهم الاسألة في الإبداع الحقيقي والجاد-:
** ما الفرق بين نصه هذا ونصه السابق؟ أو حتى تلك التي كتبها منذ فترات طويلة؟ بالطبع غير فرق "الموضوع" والذي هو محور واحد من عدة محاور يتألف منها النص.
** ثم.. ماذا يكتب؟.. وكيف يعبر عن أحاسيسه وأفكاره ومشاعره دون أن يكرر نفسه أو غيره؟
** ما الشكل والهيكل الذي يُفرغ فيه شعره؟ وكيف يوفِّق بينها لخدمة النص إجمالا؟ أليس من الضروري البحث بإستمرار عن شكل وإطار جديد ومتجدد؟
** هل ما يكتبه فعلا جدير ويستحق القراءة؟ هل ينقل شحنة تحدث وقعا لدى المتلقي؟
ولو فُعِلَ ذلك، لوجد الكثير من (المنتدياتيين):
- تشابه اللغة والمفردات عموما في مختلف نصوصهم، بل وكثيرا من التشابه حتى بين الصيغ والتراكيب.
- نفس هيكلية النص، بنفس المساحة النَفَسيّة والإيحائية للجمل، في إنتفاء شبه تام ولا مراعاة ولا إستغلال ذلك لربطه مع موضوع النص.
- نفس طرائق التناول، من حيث التساؤل والإطراق، التأمل، مزج الأصوات الداخلية للنص والضمائر، ميكانيكية الإيقاع الداخلي والخارجي "علوا وانخفاضا، تراخيا وصخبا" هي نفسها لمختلف المواضيع.
وقد يجتهد الشاعر عن وعي وتثقيف لتوظيفها.. ويخفق، فنلمس الإجتهاد كما نلمس الإخفاق، فنحترم التجربة ونتوقع إثمارها لاحقا.
لكن –ومع الأسف- لدى الغالبية (من ذلك الشعب) ما يشبه الجهل بها، وعدم التثقُّف بجد لإدراكها ومن ثم محاولة توظيفها. بل متروك كل ذلك لمصادفات الموهبة الإبداعية الـ(خام)، فإن صادف و والتقطته، يكون من حيث لا يدري ولا يعي المبدع بالمرة. وإن حدث مرة.. غاب عن النص عشرات المرات، مما يفسر –بشكل أو آخر- هذا الخط البياني الإبداعي المتذبذب لدى البعض. كما، ومن مسافة مساوية، يُفسر بالمقابل.. شدة "النفخ" في النصوص المتواضعة، ذاك الخط البياني الهابط لأصحابها!
ياسادة.. تهمس العصفورة الخبيثة –كالوسواس الخناس- في أذني فتقول: "بأنّ الكثير من شعب شعراء بلاد (منتديات الشبكة العنكبوتية المتحدة) حدود قراءاتهم وثقافتهم هي من ينابيع (النت)!
فقلت لها مباشرة وبلغة دفاعية: وإن كان في ذلك نقصا تثقيفيا، إذ لا غنى عن النهل من الكُتب الورقية -إن صح خبر هذه الخبيثة بالطبع- إلا أن النت محمّل بآلاف مألفة من الكتب الكاملة –شعرا ونثرا- في شتى صنوف الثقافة، كفيلة إلى حد ما بلثم ورقْع هذا الفراغ الثقافي ولو إلى حين إن جدّ الشخص إليها. وأنا شخصيا حمّلت "عشرات معشّرة" من كتب ودواوين من النت كانت تتبع مقولة "في المشمش" أن أستطيع الحصول عليها ورقيا. ومنذ فترة قصيرة فقط كنت قد غزوت النت عبر محرك البحث بحثا عن الثلاثية النقدية البديعة –وهي من بواكير قراءاتي حين دراستي الثانوية-، لأحد أبرع نقاد عصر وأكثرهم ذائقة وصاحب تيار "النقد الوجداني" (سيد قطب) رحمه الله، وهي: "النقد الأدبي".."مهمة الشاعر في الحياة" .. و "التصوير الفني في القرآن". فتمكنت من تحميل إثنين منهم. وكانت صفقة رابحة على طريقة اللصوص، إذ لم أغرم ولا (مِلِّيم)!
فعادت العصفورة الخبيثة بنت أبيها لتقول:
(يا عبيط).. أقصد أن اغترافهم التثقيفي متوقف على هذه المنتديات بما يزحمها من قص ولزق و(هبْش) وهذر طاغٍ على مواد أصحاب الرأي والإبداع الأصيل!!
وهنا..
خبطتُ براحة يدي على جبيني، بشكل درامي/مسرحي، وأعطيت للكاميرا منظرا جانبيا من وجهي.. وأنا أتمتم –على طريقة يوسف وهبي بيك-:
"يااااا للصاعقة"!!
*شاعر يماني، مقيم بمصر
Ahmed_Alamoudi24@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق