السيد نجم : الأدب الحقيقي هو المحرض على التثوير والتجديد..
أدب الطفل العبري يعرز العداء للعرب وينمي روح المغامرة العسكرية في الصغير
كتبت: سميرة سليمان
س: تكتب الرواية والقصة القصيرة وللطفل.. حدثنا عن تجربتك الإبداعية؟
** نشرت أول قصة قصيرة لي عام 1970م، بمجلة روزا ليوسف، وهو ما يعنى أنني من جيل السبعينيات، وان نشرت أول مجموعة قصصية فى كتاب عام1984م.. وهذا الجيل تحديدا هو جيل أكتوبر73، وتعتبر تجربة الحرب التي عاشها هي جوهر تجربته الحياتية، وان تنوعت فيما بعد، حسب مجريات حياة كل مبدع. وأظن أن أغلب ما كتبت سواء فى الرواية (أيام يوسف المنسي- السمان يهاجر شرقا- العتبات الضيقة- يا بهية وخبريني- الروح وما شجاها).. او فى المجموعات القصصية التي نشرتها (السفر- أوراق مقاتل قديم- المصيدة- لحظات فى زمن التيه-عودة العجوز إلى البحر- غرفة ضيقة بلا جدران)..
كلها تضمنت بعض من التجربة الحربية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، كما بعض الشخصيات فى الروايات.. لكن مجموعة أوراق قديمة- ورواية السمان هاجر شرقا- ونصف مجموعة عودة العجوز إلى البحر، كلها تتضمنت التجربة بشكل مباشر.
ومع ذلك تنوعت الاهتمامات والتجارب، فقد كنت أول من تناول حياة المهمشين ومساكن الإيواء فى روايتي "أيام يوسف المنسي"، وتناولت مجمل أهم أحداث الثمانينات والمتغيرات المجتمعية بعد الانفتاح الاقتصادي، واتفاقية كامب ديفيد فى روايتي "العتبات الضيقة" و"الروح وما شجاها".. وهو ما برز أيضا فى المجموعات القصصية.. حيث "الغربة" والاغتراب داخل الوطن.
س: وماذا عن أدب الطفل بالتحديد.. هل يتميز هذا اللون بالصعوبة؟
**المؤكد أن لأدب الطفل خصوصية مضافة إلى عملية الإبداع المعتمدة على الموهبة وخبرة الممارسة.. ألا وهى ضرورة أن يتسلح كاتب الطفل بالكثير من المعلومات العلمية حول عالم الطفل النفسي، فى مراحله العمرية المختلفة، التي قد تنعكس على خبرات الطفل وبالتالي على سلوكه ولغته والفروق الجنسية بين الذكر والأنثى.. وهو بالتالي ما يجب مراعاته عند مخاطبة الطفل فى قصة، ويجب أن يحدد الكاتب إجاباته حول بعض الأسئلة قبل أن يبدأ الكتابة، مثل: إلى أي مرحلة عمرية سوف أكتب القصة؟ هل لذكر أم لأنثى أساسا؟ كيف يحول الأفكار والمصطلحات المجردة مثل الأمانة والإخلاص وغيرهما، يحولها إلى أحداث تعبر عنها دون أن يذكرها مباشرة؟ وهكذا.. وربما بسبب تلك الزاوية من تناول أدب الطفل يعتقد البعض بصعوبته.
س: ما هي أبرز الأفكار والقيم التي تركز عليها أثناء كتابتك للطفل؟
**من حيث المبدأ أعتقد أن كل الأفكار والقيم التي يتم تناولها للكبار، هي التي يمكن تناولها للصغار.. والفارق الوحيد هو طريقة التناول للفكرة، وطريقة معالجتها فنيا بما يتناسب مع تفكير ورؤية الصغير. وبالتالي يجب على كاتب الطفل مراعاة اختيار الكلمات والمفردات البسيطة المعبرة، ثم تركيب الجملة القصيرة السريعة الواصفة، ثم الفقرة القصيرة التي تنقل الأحداث وتصف الموقف المتجدد، مع مراعاة اختيار الشخصية القصصية المناسبة، والأحداث التى يمارسها أو يسهل على الطفل ممارستها (الا اذا كانت قصة ضمن نمط معين من الادب مثل الخيال العلمى).. وهكذا.
ومع ذلك أعترف أنني حريص على كتابة مفاهيم (المقاومة) للطفل، ولكن بشكل مبسط وجذاب وغير مفتعل.. مثل قصة فازت أخيرا على مستوى الوطن العربى، لمسابقة نظمها "مكتب التربية العربى لدول الخليج" للمرحلة العمرية من (9 الى12سنة) وهى بعنوان "العصفور الصغير ينقذ الغابة".. وقصة أخرى نشرت فى سلسلة "قطر الندى" بعنوان "الأشبال على أرض الأبطال" وقد اقتنتها وزارة التربية والتعليم.. بالاضافة الى أهمية الجانب التاريخى للطفل، وقد كتبت ضمن سلسلة "كتاب أولاد وبنات" بدار الهلال: "كامس.. اله الشمس" و"مرنبتاح.. فرعون الخروج" وهما لمخاطبة الصغار من (15 الى 18) سنة.
وقصص أخرى كثيرة، فقد نشرت حتى الآن 11 كتاب ابداعى فى أدب الطفل، ولى تحت الطبع أربعة كتب، فى دار المعارف وهيئة الكتاب وغيرها.
س: يستحوذ أدب المقاومة وأدب الحرب على اهتمامك، سواء فى الإبداع أو فى مجال الدراسات والكتب النقدية، لك أكثر من كتاب فى الرواية والقصة، وخمسة كتب فى تنظير أدب المقاومة، واعلم انك حصلت على جوائز حولها.. حدثنا حول تلك الخصوصية، وهل ترى أن ما كتب عنه يفىً؟
**بعد أن شاركت فى تجربة حرب أكتوبر73، وبعد أن أنهيت الخدمة العسكرية، وانخرطت فى الحياة الثقافية، تلاحظ لي أنه كلما تحدثت عن "أدب الحرب" وأن للتجربة الحربية أهمية خاصة وقادرة على إنتاج أدب يميزها.. كان هناك من يدهش ويرفض، وكانت بنسبة أكبر مما توقعت. وهو ما جعلني أتفرغ للبحث ودراسة خصائصه النقدية وملامحه الفنية، وهو ما أنتج أول كتاب تنظيري فى أدب الحرب، وصدر عن هيئة الكتاب المصرية بعنوان "الحرب: الفكرة- التجربة- الإبداع"، ثم نشرت كتاب "المقاومة والأدب"، ثم "المقاومة والحرب فى الرواية العربية"، كما تم تكليفي من اتحاد الكتاب الفلسطينيين لكتابة كتاب عن أدبيات الانتفاضة، ونشره الاتحاد بعنوان "المقاومة والقص فى الأدب الفلسطيني.. الانتفاضة نموذجا".. وأخيرا نشرت "الطفل والحرب فى الأدب العبري".
يكفى أن أشير إلى أنني لم أفكر فى كتابة الرواية إلا بعد معارك أكتوبر73، عندما شعرت فى حينه أن تجربة الحرب أفضل أن أعبر عنها بكتابة الرواية، وبالفعل كتبت رواية "السمان يهاجر شرقا".. ثم كتبت رواية "أيام يوسف المنسي". لكن حدث أن نشرت الرواية الثانية قبل الأولى.
كما أضيف هنا أن مشكلة النشر بمصر خلال فترة السبعينيات والثمانينيات، هي السبب وراء تأخر نشر "السمان يهاجر شرقا".. أما نشر رواية "أيام يوسف المنسي" فقد تمت من خلال تجربة خاصة لجماعة أدبية شكلتها مع عدد من الأصدقاء من النقاد والأدباء، هم علامات فى الساحة الثقافية الآن، بحيث نتناقش فى القضايا الأدبية، ونعرض أعمالنا على بعضنا البعض، ومنها قررنا أن نصدر سلسلة من الكتب تحت عنوان (سلسلة نصوص90) نطبع كتبنا على نفقتنا الخاصة بعيدا عن مؤسسة الدولة التي يتأخر فيها نشر الأعمال إلى سنوات طويلة.. وكانت تجربة رائدة للأجيال بعدنا.
س: إذن ما المقصود بـ أدب الحرب وأدب المقاومة فى تعريفك؟
**لقد نحت تعريفا أدافع عنه وأسجله فى كثير من الدراسات التي أنشرها منفصلة.. وهو:
أدب المقاومة: هو: الأدب المعبر عن الجماعة الواعية (بهويتها).. الساعية إلى (حريتها).. فى مواجهة (الآخر المعتدى).. متمسكة بالقيم العليا، وتدعو (للخلاص الجمعي).
وبذلك يتشكل أدب المقاومة من عناصر الهوية، والحرية، والآخر المعتدى والخلاص الجمعي.. حيث تكون (المقاومة) حلقة بين (العدوان) و(الحرية).. فلا مقاومة إلا لمواجهة عدوان ومعضدة بمفاهيم الحرية.. ولا حرية من غير مقاومة فى مواجهة آخر معتدى.. ولا خلاص حقيقي إلا الخلاص الجمعي مسلحا بالقيم العليا.
وبذلك يصبح الأدب المعبر عن مواجهة الاستبداد والفساد والعنصرية، أدبا مقاوما بجانب الأدب الموجه ضد العدوان المباشر فى صراع الشعوب والذي يتبدى على صورة الحروب. وبالتالي فان الأعمال الأدبية التي تتناول التجربة الحربية ضمن عناصر أدب المقاومة.
أما "أدب الحرب" هو: الأدب المعبر عن التجربة الحربية.. قبل وأثناء وبعد المعارك.. سواء كان الكاتب مشاركا بالسلاح أو ضمن المدنيين الذين عاشوا التجربة.
س: فى حوار منشور لك، قلت أن تجربة الحرب مثل تجربة الحب لها خصوصية.. كيف ذلك؟!
**يخطئ البعض فى اعتقادهم أن العمل الابداعى فى أدب الحرب، يتناول مظهر المقاتلة خلال فترة زمنية من التاريخ. بينما الحقيقة أنه يعالج موضوع الصراع, وتأثيراته المختلفة, خلال فترة معايشة المبدع للتجربة. ليس من الضروري أن يكون المبدع يتناول محاربا, قد يكون مدنيا ويعايش التجربة كما الأم أو الزوجة التي تنتظر ابنها أو زوجها المقاتل.
وما أعنيه أن التجربة الحربية لها عدة أوجه وليس وجها واحدا: هناك الجندي المقاتل على البر، وفى الجو وفى البحر.. هناك المدني الذي وجد فى ميدان المعركة وشارك كمقاتل.. وأيضا تجربة ذهاب وعودة الجندي إلى أرض المعركة.. وتجربة البطولات الفدية والجماعية للمقاتلين.. كما هناك تجربة الأسر.. وتجربة الطرد والتهجير.. ولا ننسى تجربة الحصار والاستشهاد وغيرها.
كذلك تجربة الحب ليست على وجه واحد، والصراع فيها ليس مع المحبوب، بل من أجله.. تماما كما الصراع من أجل المحبوبة الأرض والناس والبلاد. والفت الانتباه إلى أن العمل الابداعى الناجح والجيد فى أدب الحرب، ليس هو المتبنى للصوت الزاعق، أو للايدولوجية ممجوجة أو للدعاية لفكرة ما تتسم بالعنصرية والتعصب.. تماما مثل تجربة الحب الرومانسية. تذكرت مشهد انسانى جميل فى رواية "كل شيء هادئ فى الجانب الغربي" لاريك ماريا لامارك الألماني: حيث عاد أحد الجنود من المعركة منهك القوى، حتى لم يستطع أن يخلع حذائه، فما كان من زميله أن ساعده على خلعها.. ورصد الروائى تلك اللحظة بأن تذكر الجندي أمه، وكيف أنها كانت تفعل نفس الفعلة وهو صغير السن بعد عودته من المدرسة الابتدائية!
س: أصدرت مؤخرا كتاب حول "أدب الطفل العبري".. وكتبت مقالا انتقدت فيه غياب الدراسات العربية حول أدب الطفل العبري.. لماذا تهتم به وتحث على دراسته؟
**لقد اتضح لي أن التوجه للطفل العبري إستراتيجية لهم، وهم على وعى بأهمية (الطفل) من كل الجوانب، ومنها الأدب. يكفى الإشارة إلى أنهم فى الأدب يصدرون سلسلة للصغار منذ1950م، وعندما مات الكاتب، تابعوا بسلسلة أخرى وبكاتب آخر، لها التوجه نفسه.. وهو غرز العدائية للعرب، وتنمية روح المغامرة العسكرية في الصغير.. والأهم أن تلك السلسلة تصدر بانتظام، وتترجم إلى خمس لغات أوروبية، وتوزع بالمجان على الطفل اليهودي والاوروبى، وتخاطب الطفل الأوروبي بالأفكار ذاتها!
أما اهتمامي بهذه القضية، فهو يرجع إلى ما وصلت إليه من نتائج، فبعد أن درست تنظير أدب الحرب، ثم أدب المقاومة.. وبان لي أن الهدف النهائي من أدب المقاومة، هو تعضيد الذات والكشف عن عناصر القوة والضعف فينا، وأيضا البحث فى أدب الآخر وبيان عناصر القوة والضعف فيه، ولا يكفى القول بأهمية أن تعرف عدوك (اعرف عدوك)، بل الأهم أن تعف كيف يفكر عدوك، وكشف عناصر القوة لتلافيها وعناصر الضعف لأخذه بها، حتى إذا لزم الأمر نكون قادرين على المواجهة. وليس أفضل من الأدب عموما، وأدب الطفل خصوصا، لبيان طريقة التفكير، وجملة الآراء والتوجهات التي يشيدون بها أفكارهم وبالتالي توقع سلوكهم، الذي يجب مواجهته بوعي وحنكة.
ولما كانت "اللغة العبرية" من اللغات الميتة، التي لا يتحدث بها أحد، منذ حوالي عشرين قرنا، إلا في معابدهم، بات الطفل هو مستقبل تلك اللغة، والحافظ عليها من الاندثار ثانية، كما أنه مع الطفل يمكن ترسيخ جملة الأفكار التربوية الصهيونية المتضمنة في كل المراحل التعليمية ومن خلال الأدب.
ومن الأمثلة علي ذلك: مجموعة كتب "الأرض الطيبة" وهي التي صدرت عن وزارة المعارف الإسرائيلية عام 1986م، تدرس بالمدارس الدينية اليهودية تحت عنوان لأحد كتب السلسلة "لمن تنتمي أرض إسرائيل"، ويجيب المؤلف علي أن أرض إسرائيل تنتمي لليهود، لكن جاءت بعض الشعوب "كالإسماعيلية" ويعني العرب وكانوا قليلون جدا، إلا أنهم جعلوها خرابا!
وغير ذلك كثير، مما يجب الانتباه له!
س: أنت نائب رئيس اتحاد الانترنت العرب (الآن).. كيف تقيم الصحافة الالكترونية؟ وكيف ترى تأثيرها على نظيرتها الورقية؟
**حققت الصحافة الالكترونية تميزها، بما تتميز به الشبكة العنكبوتية (الانترنت) من مزايا.. مثل السرعة فى نقل الخبر.. الانتشار فى مساحات شاسعة هي سطح الكرة الأرضية.. اللا زمن فى الاتصال والتواصل.. بالإضافة إلى مزايا (المالتى ميديا) أو خصائص البرامج المتميز على أجهزة الحاسوب، مثل لفوتوشوب والجرافيك وإضافة شرائط الأفلام والفيديو والصور الثابتة.. وغيرها كثير. بينما بقيت الصحافة الورقية تسعى إلى تحقيق صوره: الطباعة الجيدة، والمواد المتميزة (التي يمكن توفرها فى الصحافة الالكترونية).
هذا جانب تقنى، أما الجانب الاقتصادي، الذي يتمثل فى التكلفة الفعلية لإصدار العدد.. فلا مقارنة، حيث أن الصحيفة الالكترونية أقل تكلفة بنسبة لا تقارن مقارنة بالصحيفة الورقية.. حيث اللامكان تقريبا، ولا حاجة لمبنى مكلف وضخم.. ولا عمال وعاملين.. ولا تكلفة للورق والخامات، حيث الشاشة الزرقاء تتكفل بالعرض.
وربما من أهم الانجازات التي تحققها الصحيفة الإلكترونية هي قدرتها على استقطاب القراء بأعداد لا قبل للصحيفة الورقية بمواجهته.. بالإضافة إلى التفاعلية التي وفرتها الصحيفة الالكترونية للقراء، سواء لإبداء الآراء أو بإضافة مواد وغير ذلك.
كما تتميز الصحيفة الالكترونية بعدد من المزايا الإعلامية الجوهرية مثل قدر الحريات التامة مع قدتها على تجاوز كل أشكال الرقابة والممنوعات والمحاذير.
هذا كله بالإضافة إلى توفر الطزاجة الدائمة للأخبار، وملاحقة كل جديد من أحداث بالصورة والصوت والكلمة.
ومع ذلك هناك بعض السلبيات ترجع إلى القائمين على بعض الصحف الالكترونية، تتمثل فى توجيه الصحيفة بما يخالف أخلاقيات المهنة وحرفياتها، وهى تخص سلوكهم الخاص، وشجعتهم سهولة النشر والانتشار السريع على ذلك.
أما تأثيرها على الصحافة الورقية، فيبدو أنه تمثل فى غلبة سمة التحليل الصحفي ومقال الرأي والعمل على إشراك الصورة بنسبة أكبر، وكلها محاولات من القائمين على الصحيفة الورقية لإعطاء ميزات إضافية لها لمواجهة الصحيفة الرقمية. ومع ذلك فان الكثير من الصحف الورقية أضافت موقعا لها على الشبكة العنكبوتية، حتى لا تفقد موقعها تماما وصلتها مع القارئ الجديد.
س: لك كتاب يتناول كيفية تأثير التكنولوجيا على الأدب..كيف ذلك؟
**فى مجال الأدب هناك من وظف الميزات التكنولوجية الجديدة، ونزع إلى فرض (صورته) أو لنقل أعماله الإبداعية، التي قد تكون اقل مما يجب، والمؤسف هو مناخ المجاملة وليس النقد الموضوعي بين الجماعات الشابة على الشبكة، سواء فى المنتديات أو غيرها من المواقع.
مع ذلك فان المبدع الحقيقي والجاد هو الباقي، وهو من أنتج بعض الأشكال الجديدة التي تتناسب مع توظيف التقنية الرقمية ومعطياتها. ويمكن حصر تلك الإبداعات الجديدة فيما يلي: الأدب الرقمي (المعتمد على استخدام الشاشة بدلا عن الورقة)، الأدب الرقمي السمعي البصري (الإبداع المعتمد على توظيف الصورة والصوت إلى جانب الكلمة، ولعل الكلمة أقل توظيفا)، والأدب التفاعلي (المعتمد على تفاعل القارئ بإضافة أبيات شعرية إلى القصيدة المنشورة، أو إضافة بعض الأحداث إلى القصة المنشورة.. وهكذا).
والغالب الآن هو الأدب الرقمي، بينما السمعي البصري أقل منه، أما الأدب التفاعلي لعله لم يتضح بعد في محاولات الكاتب العربي.
فى المقابل أثرت التكنولوجيا على بعض المبدعين فى الشعر والرواية والقصة القصية، بحيث وظفوا ملامح التقنية الرقمية وخصائصها النظرية فى كتاباتهم الإبداعية. ومنهم من الكتاب المجيدين، خرجت أعمالهم متميزة وتضيف إلى النسيج الابداعى فى الشعر والنثر. أتذكر الآن فى الشعر "شريف الشافعي" وعمله "إنسان آلي".. و"إبراهيم عبدالمجيد" روايته "فى كل أسبوع يوم جمعة".. و"ياسر شعبان" فى روايته "أبناء الديمقراطية".
س: هل ترى أن الإنترنت ساعد في انتشار مبدعين متوسطي القيمة إلا أن رواج نصوصهم على الانترنت ساهم في انتشارهم؟
**الحقيقة هناك سلبيات فرضت وجودها على الإنسان العربي، مع شيوع الفضائيات والانترنت وأجهزة التليفون المحمول (الموبيل). وهو ما يعرف بسلبيات ثقافة الصورة التي طغت على الكلمة وبقية عناصر التشكيل.. حتى قال أحد العلماء بوجود "العالم الافتراضي" الذي يحاصر الإنسان إلى درجات مرضية.. وفى مجال الطفل وجد بعض الأطفال يصابون بأمراض نفسية. وربما يمكن إجمال السلبيات بسبب طغيان تكنولوجيا رواج الصورة بسبب التقنية الرقمية في الأتي:
هيمنة ثقافة المظهر والشكل والإبهار والاستعراض على حساب ثقافة الجوهر والمضمون.. هيمنة الصورة معاكس لنزعة الإبداع والنزوع إلى الجديد.. مع غلبة ثقافة صناعة النجوم, وما يستتبعها من أساليب غير أخلاقية.. توليد حالة من خالات "غسيل المخ".. ما يعرف بجرائم الصورة (جرائم الانترنت) وهى تقوم على الخداع واستخدام الصور المزيفة أو حتى الحقيقية لوقوع الضحية.. وغيرها.
لذلك أستطيع أن أفهم ضعف مستوى ما ينشر أحيانا على الشبكة العنكبوتية فى داخل هذا الإطار.. لكن باعتباري أتابع الظاهرة منذ عام 2000م، أستطيع أن أجزم أن الظاهرة انحسرت فى السنوات الأخيرة بنسبة كبيرة.
س: كيف ترى علاقة الأدب بالثورات وهل يكون محفزاً لقيامها..وكيف ترى دوره أثناء وبعد الثورات؟
**يردد البعض أن أدب الملتزم الجاد مفعول به ومنفعلا, وكأنه رد فعل لعدوان من السحاب, وليس لموقع أقدامنا على الأرض دورا. وعلى الجانب الأخر يفتقد إلى الفنية والجاذبية.. والحقيقة أن الأدب الجميل الفني بالضرورة أدب تحريضي، نظرا للمصداقية التي يستشعرها المتلقي.
وأظن أنه خلال السنوات العشر الأخيرة، بزت الكثير من الأعمال فى كل أشكال الأدب، ولا يمكن وصفها إلا بأنها أعمال تحريضية جادة. وأرى كذلك أن يخطى البعض إن ظن أن الأدب غير فاعل.. فكل الفنون والآداب الصادقة هي تحريضية بمعنى ما، وإلا اعتبرت استهلاكية، وهى الأعمال التي ينساها الناس والزمن. وهذه الأعمال بالتالي تثمر نتائجها على المدى البعيد.. فليس من المطلوب أن من يقرأ رواية مثلا، يخرج إلى الشارع، أكيد المسألة أعقد من ذلك بكثير، كما هي النفس البشرية معقدة أو مركبة!
أما دور الأدب أثناء الثورات وبعدها، هو الوثيقة الباقية بعد أن يذهب الجميع. وسيظل ما يكتب أثناء الثورات انفعاليا ومتسرعا وتسجيليا، حتى يحين الحين وتتشكل النتائج وتختمر الأفكار وتنضج فنيا، وهو المنتظر دوما بعد فترات من قيام الثورات.. سواء نجحت أم أحبطت!
س: متى برأيك تبدأ الكتابة عن ثورة يناير؟ وما هو تقييمك لما كتب عنها؟
**كما قلت من قبل هناك من الأعمال الإبداعية ما مهد وعبر عن مبررات ثورة 25يناير، والآن نعيش فترة الثورة وتوابعها: وأرى أن كل ما يكتب مشروع ولا مجال للتقييم الفني الآن.. ومع ذلك ننتظر ما هو مرجو وباق خلال الفترات القادمة، وبعد أن تجيء الثورة بثمارها ويشعر بها رجل الشارع فى حياته اليومية، وتنضج الأفكار فى وجدان وعقل المبدع..
*******************
Ab_negm@yahoo.com
السيد نجم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق