2011/12/08

"الشماسية والأقراط الذهبية" قصة لسعاد محمود الأمين

الشماسية والأقراط الذهبية
من مجموعة " اولاد الشوارع "
د.سعاد محمود الامين

كانت الشماسية تجلس خلف جدران كوخها.المقام داخل منزل مهجور، فى تلك الناحية البعيدة عن وسط المدينة. تصغى لأصوات الليل المعتادة. نباح كلب أو ضجيج مركبة وكان يدخل اليها النسيم باردا، من ثقوب كوخها .يحمل الى مسامعها صوت حديث الجيران الخافت. الذين قد قضوا النهار يجهزون ليوم العيد وأصوات الأطفال تاتيها من حين لآخر، فرحيين بقدوم العيد يستيقظون ويعاودون نومهم. فى إنتظار صباح العيد.
عندما أصبح العيد إتجهت الشماسية نحو الباب. تشم هواء العيد وتنصت للأصوات التى تصدر من الأطفال .كانت فى تللك اللحظة. تقوم بحركة تلصص تراقب الأطفال .هى غير سعيدة .لأ نها وحيدة تهيم نهارا فى شوارع المدينة. وتختبى ليلا فى كوخها خوفا من أولاد الشوارع، الذين يطفون غرائزهم الحيوانية بوحشية. تحاكى الإغتصاب. اذ كل شى لديهم يوخذ بالقوة. لايعرفون الحب أو الشفقة. عندما تهاجمهم الرغبة الجامحة. وقد تعودوا ذلك منذ الصغر، يمارسون الرذيلة بكل أنواعها ، لذلك تختبى بنات الشوارع ليلا. كانت تراغب صامتة .وترى الأطفال يمرحون فى ملابسهم الزاهية. وحليهم الذهبية .كان رأسها قد إمتلاء بضجيج الشر كأن هناك من يطرق على جنباته بمطرقة لم تعرف لذلك سببا .كن النسوة ينادينها لخدمة المنازل فتعرفت على الأطفال وتعلقوا بها. ولكنها اليوم متابطة شرا فقد داهمها حقد لعين لم تدرى له سببا. رأت سارة ذات الخمسة أعوام خارج المنزل، فنادتها فإستجابت فمدت لها يدها، فتبعتها الطفلة وعند وصولها لمجرى مليئة بالمياة الآسنة. نزعت أقراط الطفلة بقسوة ،ودفعت بها داخل المجرى فصرخت الطفلة وغابت.... دفنت الشماسية الأقراض بعيدا. قرب شجيرة العشر التى سرت الإشاعة إنها سام’ وحذر الأطفال من ملامستهاهى مكان آمن وشاهد صامت على جريمتها. أحست الشماسية بأن الصداع الذى كان يلازمها قد زال. فذهبت الى كوخها الكائن وسط الركام لمنزل مهجور وقيل أنه مسكون بالجن توسدت يدها ونامت.
فركت عينيها، وتمطت ووهرشت رأسها وسكنت، تستمع فقد أيقظها صوت الميكرفون يعلن عن إختفاء الطفلة سارة منذ صباح العيد. خرجت الشماسية الى الشارع تبحث مع الجيران. كان يوم العيد يوما حزينا والأطفال واجمون. وأم سارة تنتحب وتلطم .خدها أنتهى اليوم وسارة تتوسد الطحالب والقاذورات فى اعماق المجرى.
فتحت عينيها ونظرت إلى الشعاع الذى رسمته الثقوب فى الجدران. فأدركت إن صباح يوم العيد الثانى قدحل وهى نائمه على الحصيرة المفروشه على الارض لايدخل كوخها العيد ولم تذهب الى قاع المدينة. على غير عادتها فى الأعياد السابقة حيث كانت ورفيقاتها يسرقن النقود من الصغار ولكن فى هذا العيد كانت قد تقمصتها روح عدوانية.
خرجت من كوخها على أصوات الأاطفال رأت مصطفى ابن الثالثة ومنى شقيقته الكبرى يقفزان امام كوخها ،فنادت عليهما فتبعاها حتى المجرى وكان الصداع يطرق بسندان من حديد على جمجمتها، فتسمع أزيزاوطنينا فى أذنيها. فتسرع الخطا وخلفها الأخوين دنت من الصغيرة ونزعت منها أقراطها. فبكت فدفعت بها فى المجرى عندها صرخ مصطفى تناولته وغمرته بكلتا يديها داخل المجرى فابدى مقاومة يائسة وأختفى مع شقيقته.. عادت الى كوخها بعد أن وارت الأقراض الثرى تحت شجيرة العشر. تلاشى الأزيز والطنين وهدأ الصداع. ونامت كما لم تنم من قبل بعد أن تناولت قليل من الكعك. الذى أتى به الجيران لها فى يوم العيد. جاء النداء فى الأعلان لثلاث أطفال، وكأنها لم تسمع شى.
إستيقظت من نومها، وقد فقدت الشمس ضيائها ،وتزاحمت السحب وهبت رياح منذرة بعاصفة ابتعدت قليلا عن كوخها، تبحث عن ضالتها فاليوم لم يخرج الأطفال فقد تخوف الأهالى من الإختفاء المريب . كما أن الطبيعة الغاضبةقد شاركتهم يوما مطيرا . جلست قرب شجيرة العشر، تنبش الأرض بسبابتها، فقد عاودها الصداع والطنين وسواس الشر الذى ينبحث من داخلها. فجاءة رأت الطفلة مريوم بت الخادمة التى تغسل الملابس. خارج المنزل تلهوا برذاذ الأمطار. فنادتها فتبعتها حتى المجرى نزعت منها أقراطها .ودفعتها بقوة لم تألفها فى نفسها فاطاحت بها فى منتصف المجرى .والتفت لتغادر، فسمعت مريوم تناديها بعد أن قذفها المجرى عند الحافة. هرعت اليها ممسكة برأسها وغرسته فى الوحل وجهها على الأرض فضغطت عليها بقوة حتى أمتلات رئة الطفلة بالطين الذى جرفته الامطار الغزيرة التى هطلت فى تلك اللحظه. تحت شجيرة العشر إنتابها غضب شديد، فلقد كان قرط مريوم ليس من الذهب .فألقت به بعيدا ،وذهبت الى كوخها وقد إشتد صداعها وخرج الطنين والأزيز فالتحفت بطانيتها وتكورت على الحصيرة. وسمعت صوت جلبة خارج الكوخ، رأت أم مريوم ومعها أهل الحى هجمت عليها تهزها بعنف وتسألها عن ابنتها التى رأتها تسير معها. نفت الشماسية مانسب إليهاوأنكرت وجودها معها . ولكن أهل الحى كانوا قد بلغوا المخفر . إن قاتل أطفال متسلسل يعيش بينهم. أشارت أصابع الإتهام إلى الشماسية، التى لاحظ سكان الحى إنها على غير عادتها ،تركت الذهاب الى القاع المدينة وإن سلوكها أصبح عدوانيا.
كم هائل من صفعات رجال الشرطة أخرجت الجثث من المجرى وأخرجت الأقراط من تحت شجيرة العشر،الشاهد الصامت. أحرق الأهالى الكوخ وأزيل الحطام .حارب أهل الحى الغرباء المشردين الوافدين من الشوارع الخلفية. وأختفت الرحمة والعطف عليهم وقبعت الشماسية فى غياهب السجون. وإختفت من الشوارع فافتقدها رفاق الشارع. بعد رأوا صورها تتصدر الصحف. بحثوا عنها وصاروا يزورنها حتى إختفت .كانت نبت شيطانى لاجذور له. قرر الطبيب أنها مريضة فى عقلها،وتعانى من الحرمان و...و... لابد من علاجها. ولكن لا صوت له، ولا صوت لمشردى العالم الثالث.

ليست هناك تعليقات: