(محضر غير رسمي)
د.موسى نجيب موسى
الليل يرش سواده على القرية والسكون المميت يجثم على القلوب قبل البيوت فالعمدة الذي قتل منذ أيام كانت له سطوة عظيمة على الجميع سواء في القرية أو خارج القرية كانت الشائعات تتناثر حوله بأنه (مسنود) من مسئول كبير في الدولة وبعض الشائعات كانت ترمى إلى انه كان على علاقة قوية مع مسئولين أجانب وكان يُشاع بأنه يتاجر في الآثار والبعض قال انه يتاجر في السلاح وان اسمه جاء في تحقيقات فضيحة (إيران جت) والبعض قال أن العمدة كانت له علاقات قوية بالمافيا الايطالية حيث انه كان يساعدهم على تهريب المخدرات إلى مصر... ونظراً لأهمية العمدة في الخارج فقد قررت الأمم المتحدة إرسال قوة دوليه لحفظ الأمن في القرية حتى تنتهي التحقيقات وقد قوبل طلب الكونجرس الأمريكي في إرسال لجنة فيدرالية لتقصى الحقائق بالرفض والقرية منذ ذلك اليوم المشئوم تعيش في ليل طويل لم يطلع نهاره بعد فالبنادق والرشاشات الإلية مصوبة نحو مداخل الديار وصدور أهالي القرية ولا يستطيع احد أن يدخل أو يخرج من داره بعد صلاة المغرب فالحظر فرض على جميع أهالي القرية والقرى المجاورة ...الكل التزم الصمت والكل التزم الديار مهما كانت الضرورة في الخروج حتى انه ذات مرة كانت امرأة "حمدان" تعانى الأم المخاض وحاول "حمدان " أن يحضر لها القابلة .
ولكنه لم يستطيع فقام بتوليدها وأنجبت له ذكراً ..فرح " حمدان " كثيراً وعندما كان احد جنود القوات الدولية ينادى زميله "بيل" "أسمى حمدان" ولده على اسمه تيمناً وبركة ... " وأبو سليم" مات من الحمى التي هاجمته في إحدى ليالي الحظر وحاول ولده "حسان" أن يحضر حكيم الصحة الذي يسكن قريباً جداً من منزلهم وعندما حاول الخروج رطن العسكري الأجنبي بكلمات لم يفهمها فصوب ضابط مصري بندقيته نحو صدره وقال له ... خير لك أن يكون متوفى واحد في البيت من اثنين و " منصور ابن أبو الفرج" كان عائداً ذات ليلة من الجيش ولم يكن ما حدث بالقرية فاقتادوه إلى حيث لا يعرف احد مكانه ولم يظهر حتى الآن . الناس في القرية سئمت الحياة وسئمت الحال الذي وصلوا إليه وكلهم في انتظار معرفة القاتل حتى يرتاحوا أو يزول الكابوس . النيابة مازالت تجرى تحرياتها وتدون الأرقام والكلمات في دفاترها وتملا خاناتها الخالية وتأمر الشرطة بالقبض على المشبوهين ومن تحوم حولهم الشبهات والذين من بينهم "سعفان أبو حميدة" الذي يعتقد الجميع انه غسل عاره بقتل العمدة ويقال انه بذلك أراح أباه في نومته فالكل يعتقد أن العمدة قتل "حميدة أبو سعفان" حتى يتزوج "هنيه أم سعفان" والتي كان العمدة يريدها له قبل زواجها من " حميدة" ولكن والد العمدة رفض لان "هنية" ليست بنت ناس حتى يناسبهم ويزوجها لابنه الوحيد.....ويعزز هذه الشبهات التي حامت حول "سعفان" انه اختفى عن العيون منذ مقتل العمدة وعجزت الشرطة عن معرفة مكانه فكل الذين تم استجوابهم لم يعطوا جواباً شافياً فمن قال انه شاهد " سعفات" يدخل جامع سيدي الشيخ "أبو بكر" ليصلى المغرب ومن قال انه شاهد "سعفان" يتسلل إلى ضريح "سيدي المبروك" ومن قال انه شاهد "سعفان " نائماً في ساعة ظهيرة عند ساقية العمدة غرب البلد .
ومازالت الشرطة تبحث والنيابة تتابع وتملأ الخانات وتجمع التحريات وتواصل التحقيقات .
وفى مساء احد الأيام أذاعت شبكة(C-N-N) في إحدى تقاريرها الإخبارية والذي كان مقرراً عن ظاهرة الأخذ بالثأر في جمهورية مصر العربية خبراً عن مقتل العمدة وأشار التقرير إلى أن العمدة قتل بأيدي غريبة وقد شوهد بعد خبر مقتل العمدة صورة "سعفان" وهو يضاجع "ناعسة" الغازية في قلب الطاحونة القديمة ...
وبعد إذاعة الخبر حدثت أشياء كثيرة في القرية وخارجها فالجنود الأجانب رحلوا ...والمصريون أيضا وفك حظر التجول عن البلد وتنفس الأهالي الصعداء وخرج المسئولون كل واحد بتصريحاته...
مسئول أول:_
ظهر على شاشة التلفزيون عقب نشرة التاسعة وقرا بياناً أوضح فيه أن العمدة قتل بواسطة المافيا الإيطالية لعدم إتمام صفقة سلاح مهمة ...
مسئول ثاني:-
قام بعمل مؤتمر صحفي قال فيه أن العمدة قتل بتخطيط أمريكي وتنفيذ الموساد الاسرائيلى لأنه كان سوف يدلى باعترافات خطيرة في القضية الشهيرة ( إيران جت)
مسئول ثالث:-
نشر في صحف صباح اليوم التالي تقريراً يفيد بان العمدة قد مات ولم يقتل حيث أرفق بتقريره صورة من الطبيب الشرعي بان العمدة كان يعانى من السكر وضغط الدم والقولون العصبي وأمراض القلب.
في مساء نفس اليوم إذاعة شبكة(C-N-N) تقريراً أخر عن حادث مقتل العمدة أوضحت فيه أنها لم تقصد الأيدي الغريبة التي قتلت العمدة أنها من خارج القرية أو خارج مصر كلها ولكنها قصدت بالأيدي الغريبة أنها غريبة في شكلها لأنها كانت مقطوعة حيث أوضحت أن القاتل هو احد خفراء العمدة والذي قطع العمدة يده عندما شاهده يحاول أن يدسها في مفرق مقعدة "ستوته" خادمة العمدة .
وقد قتله هذا الخفير ثأراً له، وكذلك لأنه شاهده ذات ليلة –ليلة قتل العمدة- يبول على ضريح "سيدي المبروك" وهذا ما ثار حفيظة الخفير فما كان منه إلا أن استل سكيناً وغرسها في صدر العمدة ولم يتركه حتى فارق الحياة......
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق