2011/12/05

" رغبة عدوانية" قصة قصيرة بقلم: عبدالله السـلايمـة

رغبــة عدوانيــة
من قصص مجموعة
"أشياء لا تجلـب البهجــة"
عبدالله السـلايمـة
الصدفة أم تراه حظه العاثر،لا يعرف أيهما على وجه التحديد،دفع به عصر ذلك اليوم لأن يسلك الطريق المار بمحاذاة مزرعتهم .
دعوتها التى حملتها نظراتها الخجولة إليه،لم تشغلها وحدها عن مواصلة اقتلاع الأعشاب المنتشرة حول جذوع أشجار الليمون،بل شغلته بدوره عن مقصده .
لم تطل لقاءا تهم المسروقة،والمسيجة بمحاذير البداوة،وهو الذى لا ينتمي إلى قبيلتها،إذ سرعان ما استدارت عيون جماعتها تتربص به،ولما نجحوا فى اصطياده،أوجعوه ضرباً. وكوسيلة اعتقد أبوها أنها المثلي للخلاص من عارها!،قرر ألا يرد أول طارق لبابها،لذا ما أن تقدم"فالح" لطلب يدها،حتى وافق عليه.
"حماتها"الذى لم يصغ ابنها منذ البدء لنصحها،اعتبرتها نذير شؤم، فأخذت تعد علي "زهرة" أنفاسها، وتؤلب عليها زوجها، فاستحالت العشرة بينهما،لكنها كلما غادرت إلى بيت أبيها غاضبة ،أجبرها على العودة إليه. ساخطة،سارت"زهرة"خلفه متثاقلة الخطى،تنازع أفكاراً تكاد تعصف بمخيلتها،وتراها لا تناسب بداوتها، وصوت زوجها الذى تكرهه، ويحثها على العجلة لكى يصلا قبل حلول الظلام،لم ينجح فى التخفيف من حدة صخب حالة رفض تملكتها،ودفعتها بقوة لخداعه .
ثمة رغبة عدوانية تدفعها بجسارة لاتخاذ قرار مصيري، لم تراهن كعادتها على الوقت،حاولت شحذ عزيمتها بقول شاعر بدوى لا تعرفه"ميتٍٍٍٍٍِِِِ بالحسرات من دارى العواقب"، فأوهمت زوجها على الفور برغبتها فى قضاء الحاجة التى فاجأتها.
توارت فى حذر وارتباك شديدين خلف شجرة الأحراش،هاتف داخلى يهمس فى أركانها ،قائلاً: إن لم تمتلك الجرأة قطعاً ستفشل فى الوصول لما تصبو إليه من قناعات،تراجعت للحظات أمام حديث نفسها إليها عن الويل الذى سوف تلقاه لو فشلت محاولتها فى الهروب،وسياط ألسنة سوف تنال من سمعتها بلا شفقة حتى فى حال نجاح محاولتها، صور لها خوفها الرهيب أشجار الأحراش المتناثرة حولها تنقلب إلى أشباح ،تنبعث منها عيون لا حصر لها، تحدق إليها فى جرأة، فارتعدت أركانها ذعراً، وأسرعت للحاق بزوجها . رغبتها المحمومة فى التحرر من طوق عتمة يخنقها،تؤرق منامها، تشعل فيه حريقاً،نجح سعاره فى دفعها لاجتياز مساحات تردد،رأت فيه هلاكها،فتسحبت ذات ليلة على رؤوس أصابع قدميها فى حذر، ثم أطلقت العنان لساقيها هاربة.
صدمته اليقظة حين لم يجدها بجواره،ولما حالت الظلمة بدورها دون اقتفائه أثرها،ألقى مع أول خيوط الصباح بالخبر كقنبلة،انفجرت فى وجه أبيها،فجلس يرطن بكلمات مبهمة،بينما تتسلل ابنته فى تلك اللحظة إلى بيت مجيرها.
مال الصبي يهمس فى أذن أبيه الجالس بين جماعته فى" ديوان " العشيرة،فانتفض الرجل على الفور مغادراً، بينما تلاحقه نظرات جماعته المتسائلة فى حيرة .
تنحنح معلناً عن قدومه،فسرت فى بدن"زهرة"النحيل رجفة،وما إن حياها الرجل،حتى استغاثت به،قائلة: "أنا داخلة على الله وعليك يا شيخ "
هدأ من روعها،ثم باغتها سائلاً :"من وين المستورة" ؟
ولما أخبرته،اسقط في يده،لكن سرعان ما غلبت نخوته حنقه،على من تعدّوا على واحداً من رعيته من قبل.
أوصى زوجته بها خيراً،وعاد أدراجه مثقلاً بحيرته من خفايا قدر،يعبث بمصائرهم فى استخفاف لا يليق بآدميتهم.
وكما جرت العادة بينهم،دفع الشيخ على الفور بواحد من جماعته ليخبر جماعة"زهرة"بأنها فى حمايته.
الشمس تزحف باتجاه الغروب،متظاهراً بنسيانه ما حدث بينهم من قبل، رحب الشيخ بضيوفه،مما خفف من وطأة شعورهم بالخزي.
شربوا قهوتهم فى صمت،لم يقطعه غير صوت أحدهم سائلاً الشيخ فى حدة:عن سبب"إطناب "وليتهم" عليه؟
اعتدل فى جلسته،ثم قال متخذاً سمة الجدية: بأن"زهرة"جاءته كارهة لزوجها،وتطلب الطلاق منه .
ووضعهم أمام أحد خيارين: إما أن يلبوا" لطنيبته "مطلبها،أو اللجوء لقضاء عرفي ليفصل بينهم.
ولأنهم يعرفون أن قضاءهم يمنحه ذلك الحق،لم يترددوا فى الموافقة على مطلبه.
ولما وعدوه بأن يعود بعضهم إليه فى اليوم التالي بزوجها،اشترط عليهم أن يعلنوا عن اسم"الكفيل" قبل مغادرتهم .
ولأن تلك عادات أهل الصحراء،ويحفظونها،كانوا قد أوكلوا قبل مجيئهم لواحد من بينهم بتلك المهمة، لذا ما أن أتم الشيخ مطلبه، حتى وقف الرجل معلناً أمامه،عن استعداده التام لتحمل كافة ما يراه من شروط ،تضمن" لطنيبته "حقوقها،وسلامتها بعد عودتها إليهم .
إلا أن انتصار"زهرة" لم يعفها من مهانة ذل،ظلت تعاني وطأته،حتى دفع حظها العاثر بمن ترمل
،فتقدم يطلب يدها لتربى أولاده، وكمن يستغيـث بالنار من الرمضاء،قبلته على الفور كمُخَلّصٍ .

ليست هناك تعليقات: