2011/12/18

الزواج والاختيار بقلم: منير المنيري


الزواج والاختيار

بقلم: منير المنيري
هكذا أراد له الإله عز وجل أن يكون؛ بوثقة تنصهر فيها الخصوصيات والاختلافات، وصرح شامخ يعلو مع عليائه الوئام والحب والإخلاص، وقد عبر عن هذا في الجم من أيات الذكر الحكيم، فقال: "ومن أياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" سورة الروم، الآية:21 "والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة، ورزقكم من الطيبات" سورة النحل، الآية :72.
وإذا كان هو الاقتران والازدواج من أجل العفاف وبناء الأسرة، والحفاظ على النسل، في جميع الألسن التي نطقت بالشريعة الكونية التي انتظمت أخيرا تحت لواء الإسلام وتعاليمه، فهو أيضا وبلا مراء؛ تلك الوشيجة التي تربط نفسين لتصيرهما نفسا واحدة، نفسا متحدة ضد طوارق الدهر وعادياته. ولقد حرص الإسلام أيما حرص على قداسة هذه العلاقة، فطالب بصيانتها،والذود عن حياضها بالإخلاص المتبادل وبالتضحية المادية والمعنوية، فأثبت دلائل على قداستها منها:
أولا:كونية العلاقة "سبحان الذي خلق الأزواج كلها، مما تنبت الأرض، ومن أنفسهم ومما لا يعلمون" سورة ياسين، الآية :36.
ثانيا:سنية رسله وأخياره: " ولقد أرسلنا رسلا من قبلك،وجعلنا لهم أزواجا وذرية" سورة الرعد،الآية:38 وهذا ما أكده المصطفى الأمين، صلى الله عليه وسلم بقوله:(أربع من سنن المرسلين:الحناء،والتعطر،والسواك،والنكاح) رواه الترمذي في سننه.
إذا فالزواج من كل هذا؛أمر من الله، وحب للزوج وقداسة لا يجب فك عراها وخرقها. وهو بذلك علاقة ليست كباقي العلاقات المشرعة، لأنها تتعالى على ماهو مادي وتتصل بالروحي من أجل تتميم خلافة الإنسان ربه فوق البسيطة، وهو الشيء نفسه الذي جعل مراحل الزواج في الإسلام تتسم بكثير من الدقة والعناية والاحتياط، فالاختيار وهو قطب رحى ، و منشأ العلاقة وأسها الأكبر الذي ينبني عليه هرم الزوجية، قد تتدخل فيه النص ووجهه، وجعل الدين هو ركيزته الأساسية، ولذاك قال النبي الأمين بعدما ذكر قيد المال والجمال والنسب :"فاظفر بذات الدين، تربت يداك". وليس معنى هذا أن الاختيار هو للرجل دون المرأة كما يدعي بعض جهلة التأويل، وإنما الاختيار، موكل للمرأة ولوليها، ولا يجب التعسف في إجبار البنت على اختيار من لا تراه أهلا لدينها أو لمستواها الفكري أو لذوقها في أعم الحالات، لأن هذا يجعل ارتباطها أكراه ولا إكراه في الدين.وإنما المعول عليه الإرشاد ومساعدتها في الاختيار وكشف الحُجُبِ عن من يتقدم لها، أما الكلمة الحسم فهي لها وليست لغيرها، ولكن أليس هناك لاختيار الشريك بواعث ثانوية بعد الركيزة الكبرى التي هي الدين؟ الحق كل الحق نعم، فكما هو جلي من الأثر؛ أن هناك بالفعل أسس لا يجب التغاضي عنها عند اختيار الزوج وهي بالتفصيل:
الرؤية الشرعية:
وهي فاتحة الكنه إلى سكينة الزواج وأريحيته، وتكون بنظر الخاطب إلى مخطوبه، والوقوف على محاسنه، كالقوام والعينين والوجه، وفقا للعادة والشرع، وبغيتها أنها تمكن الحب في القلب، وتمنع النفور الذي قد تحدثه بعض تطلعات الزوج التي لا يجد منها إلا سرابا يوم زفافه، كما نجد في الزواج التقليدي الذي لا يحترم الرؤية الشرعية، ويجعل من التخمين والرسم والحكي وسيلة لتعريف الزوج بمحاسن وبمساوئ زوجه المادية والمعنوية. والرؤية هذه كما حددها الشرع لا يجب أن تتم اعتباط وإنما يجب أن تكون تحت رعاية الأهل والعرف، فهي إن صح القول في رأينا وتبث؛ رؤية تحت رؤية.
المستوى المعرفي:
مما لا يشك فيه ذو لب في عصرنا الحديث، أن الزواج لم يعد تلك المؤسسة التي تُعنى فقط بتكوين الأسرة ورعايتها، وإنما أصبح قناة لتشريح العديد من الأراء التي تنفذ إلينا من خلال وسائل التثقيف الاجتماعي ولأن الفرد أنيس بمن يعاشره، فلابد أن يكون هذا العشير ذا مكانة معرفية، تؤهله لمسايرة قدرات شريكه، لأن الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف،والائتلاف لا يكون إلا بالبوح ومشاركة الأراء والأفكار والمناقشة.ومن تم جاءت رعاية المستوى المعرفي كضرورة تفرضها روح العصر وتشعباته.
بيئة الزوج ومحيطه:
يقول صلى الله عليه وسلم:"إياكم وخضراء الدمن.فتساءل أصحابه ومن تكون خضراء الدمن هذه يا رسول الله؟ فأجابهم بحكمة من ينطق عن وحي: هي المرأة الحسناء في المنبت السوء" ولا يأخذ أي إنسان شك،في أن البيئة والمحيط تترك بصمتها على سلوك أي فرد مهما علت درجة وعيه وثقافته، ناهيك عن الفرد الذي سنعاشره تحت سقف واحد لمدة قد تطول على ما عشناه مع أبائنا وأمهاتنا قبل الزواج.ومما يجب أن يراعى في الاختيار انطلاقا من هذا البند؛ أسرة الزوج ومدى التزامها بتعاليم الإسلام والأخلاق العامة إضافة إلى كونها أسرة ود ورأفة.
وانطلاقا من معطيات الإختيار هذه، نعود لنؤكد، أن حرية الزوج في اختيار زوجه هي موكلة لتعاليم الإسلام وتعاليم العرف السليمة، ولضمير الزوج الذي يجب أن يخضع لسلطة العقل، وأن ينأى عن الشهوات البهيمية. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بشدة هنا وهناك وهنالك ، هل يمكن مراعاة شروط الاختيار هذه في مجتمعتنا التي خلعت زيها الديني وانغمست في ملذات الدنيا وشهواتها؟ الجواب بلا تردد سوف يكون؛ نعم ومليون نعم، لأن الإسلام دين كل زمان ومكان وتعاليمه هي النبراس الذي ينير طريق أي زوج من أجل بلورة حياة زوجية سليمة في المجتمعات البشرية.



ليست هناك تعليقات: