شرنقة
الجسد حكايات بين التقاطع والانفصال
قراءة فى رواية شرنقة الجسد لأيمن رجب
بقلم : مصطفى البلكى
يطالعنا العنوان , بنية
دالة , كانت تحتاج إلى إنهاء القراءة للوصول إليها.
تبدأ الرواية بحدثها
الأول والمتمثل فى موت كبير العزايمة , الموت كحدث له وقع الزلزال , يستوجب أحيانا
وقوف النفس للحظات واستدعاء السؤال الملح" ماذا بعد؟ هذه الحقيقة كانت مختلفة
عند مستور ابن سيد لقية , هى لحظة كاشفة استوجبت أن يستعيد ذكرياته , يعود إلى
المستور من حياته , بينه وبين نفسه أولا ثم بينه وبين صديقه مسعود الراوى , فنرى
زبيدة وحضورها الطاغى حتى بعد موتها , ومدى ارتباط مستور بمنامتها , أمامها يكون
المولوج وسيلة للمناجاة واستعادة تلك الذكريات , رغم وطأتها , إلا أنه يستعيدها
بروح مكسورة , مشفوعة بحبه لبزبيدة الحلم الذى غادره يوم أن بترت ساقه , والتى
قبلها وهى البنت التى لم تملك حق الحفاظ على أعز ما تملك , وما عدا هذا الحدث وما تلاه من تقاطع مشاهد
لعطيطو وزوجته صبية , هى فى حد ذاتها كاشفة عن العلاقة بين زوج لا يشبع رغبة زوجته
, فتقع أسيرة لملاحقات صابر ابن الجيران , وذلك الجوع يتماس مع رغبة الفرار مع
لملوم , هذا التقاطع والانفصال , يشغل النصف الأول من الرواية , أما النصف الآخر
فيبدأ بسرقة الصندوق , وما يمثله من رمز دال , وارتباطه بالشيخ يونس الذى عثر على
سيد لقية ورباه , وعند موته أوصاه على الصندوق , فظل معه , وعند موته أوصى ولده
مستور بالصندوق , وتحت إلحاح ولده , والحاح نفسه , فتحه ذات يوم فوجد بداخله كتابا
حمله إلى شيخ الجامع , فاخبره أنه كتاب عن الصوفية , وأن قيمته كبيرة , فطلب منه
أن يكون الكتاب أمانة عنده , ويظل الصندوف فارغا فى الحاصل , يراوغ عينى صبية ,
فتوسوس لعطيطو بسرقته , وأخذ ما به والهروب , فيزعن وهناك فى المولد يكتشفا أنه
فارغ , وتهرب صبية مع لملوم , ويخرج هو من جنة الرجل الذى رباه , ويقع مستور فى
قبضة الهم , ويموت بعد أن يوصى صديقه بدفنه فى الحاصل , هذه باختصار الخطوط
الرئيسية فى الرواية . وفى نهايتها نعود إلى العنوان فلا نجد فيه إلا المعنى
الشامل الذى عبر عن شخوصها , الذين عاشوا الواقع , فى مكان كان باهتا لحد ما , فقط
عرفنا من مكوناته البيت فى شق الضبعه , والمقهى , ومقام الشيخ يونس , والمدافن فى
عرب القداديح , كل تلك الأماكن باهتة , إلا منامة زبيدة كانت حاضرة بقوة فى نفس
مستور , ربما هذا الملمح جاء عن عمد , كى يشترك مع الشخصيات التى تشبه اليرقات
الموجودة داخل الشرنقة , فيصبح وجودها وجودا فاقدا للمعنى.وبذلك يكون العنوان قد
اتضحت معالمه , ومن هذا المنطلق فإذا نظرنا إلى الشخصيات , أمكننا أن نقول إن جل
الشخصيات فى الرواية شخصيات ذات تركيبة بسيطة , واضحة المعالم , كلها واقعة فى
دائرة الفقر والعوز , تستغل أبشع استغلال إما بعدم رضا ها, كما حدث لزبيدة ومستور
وعطيطو حينما تزوج من صبية , أو برضاها كما جاء فى الرواية من مشاهد تؤكد تطوع
مستور للنجدة , وتلك الشخصيات ذات التركيب البسيط كانت واضحة فى علاقتها بين من هم
ارفع منها , واقصد بها علاقة الغنى والفقير , ورغم أن هذه العلاقة قتلت بحثا , إلا
أنها هنا جاءت فى بناء فنى مرتبط بحالة نفسية عالية , يغلب عليها الحزن , تناسقت
فيها حكايتا زبيدة وصبية , من حيث الوضع الاحتماعى , والمصير المرتبط بالزوج , فألام
جاءت لإلى بيت سيد لقية وهى خاطئة , والثانية وأقصد بها صبية جاءت بنفس الفعل ,
ونظرا للفقر والعوز , قبل مستور بالأولى والأمور واضحة أمامه , والثانى دفع دفعا
من والده إلى صبيه , الشئ الوحيد الذى يباعد بين المرأتين هو خضوع الأولى وتمرد
الثانية , وبين الخضوع والتمرد تظهر شخصيتا الاب والابن , وهذا الفرق ظهر واضحا فى
مشاهد الحب بين مستور وزبيدة , وعلى العكس تماما نجح الكاتب فى إبراز مدى التباعد
بين صبية وعطيطو وليس أدل على هذا من مشهدها مع صابر , ذلك المشهد الذى كتب بحرفية
عالية.
ولكى يكتمل المعنى ,
كان لا بد من الآليات , وهذه الآليات تكمن فى التقنيات التى استخدمها ايمن رجب ,
فالرواية تعددت فيها التقنيات , وغلب عليها تقنية الفلاش باك , أو استنطاق التاريخ
عن طريق المنولوج ,وهذا الشكل كان صالحا لعب فيه الحوار دورا جيدا , عن طريقه عرفنا
تاريخ الشخصيات ,وهذا التاريخ الذاتي , رأيناه متفرقا ويشغل جزءا كبيرا من الرواية
, يتقاطع وينفصل , مما يجعلنا أن نقول بأن الرواية استخدم فيها التكنيك السينمائي فى
التنقل بين المشاهد المختلفة , مما جعل الرواية واقعية فى بناء حداثى , لم ينتهج
فى كتابتها الطريقة التقليدية التى تبنى على تتابع الأحداث , إلا أنها أخذت من
حادثة موت عزام منطلقا لها , وكما بدأن بالحديث عن الموت انتهت بغلق بيت
مستور , دلالة على موت آخر وهو موت المعنى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق