2012/06/05

عودة من طلاق..بقلم: أوباها حسين

عودة من طلاق..
 أوباها حسين/ القنيطرة _المغرب
 ...طرق باب زينب ووراءه شاهد عيان ،فتحت.. المطلقة زينب باب دارها لترى غدارا يصفر وجهه استئذنها الشاهد للدخول ..رفضت لأنها وحدها ولا وجود لرجل لحظتها ،خافت من الرجلين ومن عداوة مطلقها ولربما قدما للإنتقام منها أو طلب المرفوض منذ الفراق ..
 الزوج :هل تسمحين لنا بالدخول؟
 زينب :لا 
الشاهد :نود الزيارة فقط فزوجك يقصدك فى خير 
زينب : انتظرا خارج الدار ،ريثما يحضر ابنى 
الزوج :أمرك..سننفذ طلبك. 
اتخذا مقعدين فى إحدى المقاهى القريبة من دار زينب.
 الزوج:أتمنى أن توافق على عودتى ..لقد كرهت دنيا وحدتى بعد طلاق مشئوم
  الشاهد :ما ندمت إلا بعد سنوات طحنتك فى الفراغ وكبر أولادك بدونك..
 الزوج :أعلم الظروف السوداء ..المسكينة زينب أخلصت لأولاها وربتهم بدون وجودى تربية رائعة تفوق مستوى الحضيض الذى أضرمته حولى .
 الشاهد :زوجت ابنتها لخيرة شباب الحي وابنها الأكبر يتابع علمه الجامعي والثالث الأصغر فى طريقه على خطى الأكبر كلهم على خلق وأدب رضعوه من ضعيفة فقدت جناحي أب طائش.
 الزوج : تمكنت من ضبط شعورها رفضت الزواج من أجلهم تعففت عن مغريات المال والتحرش الهمجي. 
الشاهد : صدمتها بالخيانة ففقدت الثقة بالرجال لكنها شجاعة داست على ميولاتها فانتصرت 
الزوج : فى البداية خطوبة وعشرة كنت سعيدا ..بعدها تحملت سكرى وغيابى..لبت كل طلباتى لا تسألنى عن راتبى وسهراتى ونزواتى ، كل همها منصب على البيت وراحتى وتربية صغار فى ريش النعومة وتحميهم من تصرفاتى المغادرة للتعقل وتمنعهم من حضور أفعال مخمور تحول إلى قرد
 الشاهد :ضيعت امرأة ثمينة 
الزوج : إيه..قتلت سنوات من عمرى مع ساقطة جعلتنى غطاءا لفسادها لا أدرى كيف تعلقت بها ؟فهل السحر الذى قادنى إليها ؟ أو سلبنى النشاط الأحمر ! 
الشاهد :ربما زواجك فى الثالث والعشرين سن النشوة الساحقة لفظتك نحو العربدة فاحمرت غلطتك ..والآن لا زال العمر فى خدمة العودة. 
الزوج : إنها أم أولادى ..لي اليقين أنها تحبنى
 الشاهد : فبعد سكون العلاقة وفتورها ، لا أظن أنها ستقبل رجوع أخطاءك ، ربما بردت جوارحها نحوك وهي الرافضة لزواج ثان كدفء لها وستر من الاتهامات السوقية..
 الزوج : كانت خدماتها وعناياتها وما تقدمه لى وتتنازل عنه من أجلى تدل على الاحترام قبل الحب ..وإخلاصها فى تلك الفترة الوجيزة دليل قاطع على الوفاء . الشاهد : جميل..من خلال هذه النقط الميزان يميل إليك ومن خلالها أراك دارسا لنفسيتها وأرى فى عينك أملا يشع ..بقيت الطريقة الناجعة لترميم الكسر ..والترميم يتسبب فى اعوجاج معقد. 
الزوج :لا عليك ..علي ضبط الكلمات لأثير ما بقي لديها من تعاطف وعلى الأقل سأجنى ثمار الأبوة وسأستجدى العيش معهم كضيف سيحيى عائلة تصدعت . الشاهد : وما دور الأولاد ؟
 الزوج : أنهم يحبون أمهم ويرون فيها البراءة ..لها أوامر معقولة ونابعة من نخوة التربية فإن وافقت ستضبطهم لصفها بدون منازع . 
الشاهد : نشفنا سوائل القهوة ، وثرثرنا ما فيه الكفاية ..هيا بنا إلى الموعد فربما يكون ابنك قد حضر. 
الزوج : لنعد الزيارة 
طرق الباب..ظهر الإبن..
 زينب : من بالباب يا ولدى؟
 الإبن : رجلان لا أعرفهما ! 
زينب : دعهما يدخلان
 الإبن : تفضلا 
زينب : مرحبا
 الشاهد : شكرا 
زينب لابنها : هات صينية الشاي التى أعددتها خصيصا لعودتهما ولا تنس طبق الحلوى 
الشاهد :لماذا أتعبت نفسك ؟جئنا لغرض مهم 
زينب : واجب الضيافة موروث ..وبعد شرب الشاي قل ماشئت تناولوا الشاي وقضمت الحلوى اللذيذة فى ذكريات الزوج ..
بعد ذلك الشاهد : بدون مقدمات النفاق والزيف ..صاحبت هذا الرجل وأنا ابن حيك ليصالحك وعفا الله عما سلف
 زينب : أولا ..عليه أن يتعرف على أبنائه ويتعرفون على من هجرهم وهم فى كفالة الصغر والحرمان..ثانيا سيكون كل الاعتماد على موافقتهم فهم المحرومون من حنان الأب والمصروف
 الإبن فهم قصدها :أهذا أبى؟ 
زينب : نعم
 الإبن : لم أره من قبل ! 
زينب :الآن تراه..وستراه بعد عمر طويل
 الشاهد : عانق أباك
 زينب : لم نرتب أمورنا ..فحضور العائلة مكتملة ضروري لمناقشة العودة من طلاق غادرا المنزل بعد انتهاء المقابلة الشبيهة بجفاف الحلق ..
وفى الطريق. الشاهد :الحق بجانبها ..إنها امرأة ناضجة تعرف أدب المواقف ولا تندفع 
 الزوج :كيف ؟
 الشاهد : لم تر أبناءك منذ هروبك وطلاق الضحية ضحية نزوة حرمتهم من عطف الأب ،تركتهم فى أزهى أيام شبابها المتورم بالعشق ..زينب صممت اعتزال الرجال بعدك ..فأنا ابن حيها وما سمعت عنها سوى العفاف ورفضها للزواج ومغريات أموال التحرش الهمجي ..وأنت الرجل الرزين ذبت فى زيت الفساد ..فكيف لهذه المرأة الناعمة فى صلابة الأخلاق أن تدوس عواطف أبنائها من أجل نزوة؟ فأبناؤها لم يتلذذوا عسل الأب ولم يشموا روحه تحوم حولهم كأرواح آباء تهيم بين فلذات الأكباد..أعتقد أن حضور الأبناء مصلحة لصد الهجر.
 الزوج : ما أطول حديثك! فأنت بصدد موعظة قد تفقدنى أمل العودة من طلاق...كنت عبيطا دون أن أخفي الصفة عنك لما حررت زينب بلسان عربيد . الشاهد :ومع ذلك لن أشك فى لقاءك معهم ..لكنى أحس برجوع عبرات الألفة إلى مجارى دماء القلب وغالب الوئام فى يد زينب. 
الزوج : سأنتظر هذا اللقاء ..وأتمنى أن يكون فيصلا لتجديد عمرى وقطع أوداج الماضى الملطخ..أنا الذى ضيعت وضعت فى وحل زمن فرض علي بالخيانة ..سأكون سعيدا إن تحولت إلى إنسان صنعه الحق لإرضاء أحبة ذبحتهم بما لا ثمن له ..
 الشاهد : عشت أطول صبر ، بقي أقصره ،اعتمد على نور المهجة وارض بالسلبية والإيجاب إن صدرا من زينب
 الزوج :سأرضى وأتحمل وأهب كل قلبى وسأخضع لقبول جنة دنيوية زلزلتها بزلة طيش لست مالك جحيمه من عالم متسخ أنبت الأحزان والفراق. ومضت الأسابيع كجمر يترمد ثم تفحم أسابيع أخرى لتشعل أخيرا سيرا سعيدا نحو دار زينب دار قد تضم الأحلى للعودة من طلاق.. طرق الباب عشية جمعة تمناها الزوج مباركة فتح الباب أطل شاب مؤدب النظرات 
زينب : من الطارق؟ 
إبنها الأكبر:رجلان يا أمى 
الشاهد بصوت خافت: إبنك لا يعرفك ..حتى الصور مزقتها ضدهم
 الزوج يرد :فلتة مجنونة ..ستكون صورتى اليوم أجمل إن......! 
زينب :ليدخلا 
 الإبن الأكبر:تفضلا 
وفى قاعة الضيوف المتواضعة وجدا زينب وابنتها مع زوجها والإبن الأصغر والإبن الأكبريقف إلى جانبهما 
 البنت وبها إحساس غريب: مرحبا بكما 
زينب : تفضلا الدار داركما أنتما ضيفان ونرحب بكما 
الإبن : أهلا أبى 
 ألقت ابنة زينب نظرة ذكية أبصرت بينهما أبا مبهما ..اختارت ..توجهت وقلبها يجرها نحو كلمت غابت ..اندفعت على خطى البنت تحن على الأب ..مدت يدها أصابت ،ابتسمت زينب ..مسكت يدا أعرقتها وأرعشت بدنها المحروم من ضم الأب ..غاص والدها فى حرارة الأولاد . جلسوا جميعا ليشربوا شاي العادات
 الشاهد : من يفتح الموضوع
 زينب :أطلعت الأولاد على سبب مجيئكما ..أولادى هذا أبوكم الذى سمعتم منى حكايته ولم تروا وجهه منذ أن هجرنا بلا سبب الأبناء فى آن واحد : تشرفنا به البنت:حرمنا من صورة على الأقل 
زينب:كان فى ظروف أعمت عينيه حجبته عن العشرة المقدسة
 الإبن الأكبر:تعلمت من أمى أن أحترم الناس ولو أخطأوا
 زينب :الله يرضى عليك يا بني..كم خطإ جارف لا يمهل التفكير وكأنه ضربة قاضية تسقط فى بئر يابس ليفقد صاحبه وعيه أو يموت ..المهم أبوكم حي ينتظر. 
البنت :المهم حضر
 الشاهد :أجد نفسى بين أسرة عظيمة ..والله...والله لم أكن على موعد مع رقة الحديث وضبط الجراح
 الزوج:سامحونى..أعتذر..أتوسل إليكم ..أطلب البراءة والعفر ..أجيرونى بينكم لأنعم بجو الأسرة ..أرجوكم امنحونى سترة لبقية عمرى
 زينب:إسمع ..أنا لا أحقد على ما أعطانى القدر ..ولا أتألم الضياع الغاصب أومن بمسلسلات الحياة سعادة وحزنا ..أسامحك لأنى أمضيت سعادة لا توصف مع أولادى ..أحترمك إلى الآن ولا زال احترامى صافيا ..فربما سأسعدك فى باقى العمر لكن هذا الباقى مرتبط بموافقة أولادى ..فهم الضائعون الذين لم يتمتعوا بجزيء ذري من عمرك ..أما أنا نلت قسطا من سنواتك
 الشاهد : قالت الواقع ..امرأة مكمولة انسحبت زينب الشاهد :لقد اتضح الأمر..فالشرط سيفك ربطة مصيرك مع العودة من طلاق
 الزوج :أشعر 
الشاهد : اسكت ..دع الأولاد يتكلمون هم أصحاب الرأي 
الإبن الأكبر:سأمثل أفراد أسرتى..وأصرحك موقفنا لأننا ناقشناه قبل مجيئكما
 الشاهد :لا تقسوا على الوالد أكثر من قسوة السنوات العجاف ..أنا شخصيا لا أرى إلا خيرا فى أعينكم 
الإبن الأكبر:كلامك طيب يارجل ..لقد وافقنا على رجوعك بشرط 
الزوج والفرح ينط من كل مكان فيه:أقبل كل الشروط وحتى الإضافية 
الإبن الأكبر :أعد السعادة لأمنا الحبيبة ولا تنغص بقية عمرها
 الزوج :سأترك كل شيء من أجلها ..خدوم..مطيع..سأقتل باقى العمر بين قدميها ..تبت
 الشاهد :هل نقرأ الفاتحة؟
 الزوج :الفاتحة ..بعدها عدلان وخرفان..كي أعود من طلاق أهلك عمرى ولم يبق إلا بقية للفرح 
تظهر زينب تزغرد :هنيئا لأولادى وللبقية أب فى بيتنا.. 
***
 التأم الطليقان وسخن البيت بوهج الحنان ..بدأ الزوج يكتسح آثار الحزن وألغام النفور ..توردت الآلام ففاح عطرها المتبدل ..نالت زينب الصابرة الكرامة بين الأهل والسكان ..اهتزت مشاعرها بعد عرس جديد فى آخر عنقود من العمر ..تغيرت ملامحها ..أسرعت بهم الأيام لقطف حلاوة الدنيا ..اهتمت بالمطبخ لتعد ما يغرى بطن الزوج ،رفعت من معدلات الخدمات حتى لا يشعر ونيسها بالندم ..وفى المقابل بذل الزوج كل ما يملك لإرضاء زينب ..أسفار..زيارات ..هدايا وكأنه يشترى الغفران من أنثاه ..وجد الزوج النبل ..ووجد الشرف المصون ..نسي الأيام السوداء..ولد بين ليلة وفجرها ،ولم منفذا إلا وأدخل منه اللطف..والتناغم الظريف فى خطب الود ..وكان تاج هذه الأوصاف كلمات والدى وأبى وبابا التى إذا سمعها من أبنائه ترن كشعاع يذيب أعماق ضمير سيحيى من موت سريري لقلب فى قفص لم ينج منه بعد ..لكن تلك الكلمات مع مرور الشهور كانت تحريرا مطلقا أكدت العودة من طلاق ..عودة غسلت شرا لم يكتسبه من والديه ودينه وتقاليده . مع زينب تمتع واستلذ لذائذ السنوات الباقية .. كل هذه المشاهد فى حياته رآها على فراش المرض حين لمح شعيرات بيضاء بين شعر زينب وهي ترعاه وتفرض وجود أولاده حوله .

ليست هناك تعليقات: