دوائر لانهائية
قراءة في المجموعة القصصية: "الجدار"
لنوال الغنم
بقلم: محمد ايت عبدي
1. عتبة العنوان
يصطدم المتلقي منذ النظرة الأولى، بعنوان المجموعة: الجدار. اسم معرف بـ ال،
لكن من يعرف هذا الجدار؟ أهو جدار الصمت؟ أم هو جدار برلين؟ أم هو المعتقدات التي كبلتنا
قرونا وستكبح جماح طموحنا أجيالا أخرى؟ فمعاني العنوان عديدة ومفتوحة على التأويل.
ويبدو عنوانا موفقا يحمل دلالات لانهائية، وإيحاءات لها امتداد في المتن القصصي لا
يحد منها كونه عنوان الأقصوصة الأولى في المجموعة.
إن إيقونتا العنوان والغلاف تحيلان إلى القهر، سلاسل تمنع من الانطلاق، قلاع
حصينة، حدود منيعة وأسوار تصد النور الساطع المنبعث من الدائرة البيضاء، تمنعه من الانتشار،
خطوط صلبة قاسية مرسومة بدقة، مفتوحة على الجانبين، يخرج منهما البياض على هوتين سحيقتين
في عبث ولامبالاة، تاركا مجالات تتوق إلى الشمس تسبح في ظلمة تائهة وساذجة.
2. مكونات العالم القصصي في مجموعة
الجدار
تتكون المجموعة من ثلاث عشرة أقصوصة، أولها "الجدار" وآخرها "الجندي"،
مبدؤها صلابة الحجر، ومنتهاها قسوة البشر. وإذا كان لكل أديب موضوعات تغويه، فإن القاصة
نوال استهوتها العوالم المهمشة، الجوانب القاسية في الإنسان، فأغلب المتون السردية
تدور حول شخوص تحتاج إلى من يعريها ويريها نفسها، تخاف من الفراغ وصوت الهواء الصادر
من التجاويف، فتهرب لتلحق بالصف تاركة وراءها الأرض والبيت وأشجار الزيتون، لتحتمي
بأسوار القلاع الحصينة، وتضع الطوق حول رقابها، وتستمر في الهدم ورسم الأحلام لاستنشاقها
في نهاية المطاف.
مجموعة "الجدار" إذن، عالم يرتاد بالقارئ آفاقا تخييلية رحبة، وقدرة
القاصة على توليد فضاءات حكائية غير متوقعة، يتقاطع فيها البعد المحلي بالبعد القومي،
أعطى النصوص رونقها وبهاءها. مما جعل قراءتها مغامرة نحو اكتشاف الهامش مع نوع من اللعب
السردي اللذيذ.
3. البناء القصصي:
لعل انتماء الأديبة إلى جيل الشباب، وسم أسلوبها بالشفافية ونوع من الغنائية
الممزوجة بسخرية خفيفة تنتقد الواقع المرير، المليء بالإخفاقات، فجاءت لغتها تبعا لذلك،
بسيطة وعميقة تلعب على التركيبات المجازية، وتقنية التكثيف اللغوي القائم على الإيحاء
الشعري، إنها لغة حداثية، رسمت الشخصيات بدقة ودون إسهاب، جاعلة القارئ يتعاطف معها،
يتعاطف حتى مع الخائن، والجبان، والموظف المرتشي...
ومن الملامح المميزة للمجموعة، نجد ذلك التنويع في أنماط الكتابة السردية والأساليب
اللغوية، بعيدا عن الألاعيب الشكلية، في استرسال خطي لا تتداخل فيه الأزمنة. فجاء النص
بناء سرديا لا يحمل هم الترفيه فحسب، بل حاملا لرسالة روحية وأخلاقية، يلمسها القارئ
في سلوك الشخصيات عندما ينسجم مع حالاتها الشعورية ويتتبع مصائرها.
تركيب:
" الجدار" نصوص قصيرة جدا، قدمت نماذج بشرية عزلها القمع والقهر حتى
طابت لها العزلة، فنزعت السماعة عن آذانها. نماذج متباعدة جغرافيا، من فلسطين مرورا
بالعراق وصولا إلى المغرب الجريح، لكنها متقاربة في الواقع، تنام وراء جدار مستأنسة
بدموع الأسى والحرمان.
إن نوال الغنم اسم جديد لقاصة جديدة، طموحة، مبدعة، منفتحة على محيطها، منشغلة
بمشاكل الإنسان وقضاياه، جاعلة من قلمها صوت الإنسان المقموع الشريد، المليء بالفجيعة
والألم. فمسيرة إبداعية موفقة ونحن في شوق إلى نصوص أخرى، ومغامرة حكائية جديدة.
هناك تعليق واحد:
مساهمة ستكون رائعة لو صاحبتها صورة الغلاف قد يساعدنا على في فهم تلك القراءة المركزة الخفيفة في العتبات
إرسال تعليق