ابتسامة قديمة
قصة بقلم : ياسر الششتاوي
لم أجد عمـلاً،
يناسب مؤهلي ، فلم أجلس رهين البيت ، فلدي أحلام تؤرقني ،كلما أنجز شيئاً أرنو لما
بعده ،وأحس بأن طموحي هو طوق نجاتي ، لا بد أن أتعب وأنا في غمرة شبابي حتى
أستـريح بعد ذلك ، وإن كنت أظن أن أمثالي لا يريحهم إلا التعب والاجتـهاد ، فأنا
لا أستطيع الاقتناع بالقليل ، والكثيـر بعيد لا أستطيع الحصول عليه إلا بوفرة
المكابدة ،وقد يتحقق أو لا يتحقق،فربما يكون الحظ بطل حياتي ، وربما يكون غير ما
أود ، لكنني لا أستطيع أن أغيرني،أو أن أغير أحلامي رغم ما يسبب لي تدفقها الذي يحتل
تفكيري من أحزان عندما أجد الواقع يحاربها، أو عندما تتعثر في طرقات الزمن .
عملتُ مندوب
مبيعات ،وكان هذا أول عمل أخوضه بعد تخرجي رغم ما في هذه المهنة من صعوبات وإجهاد
،لم أتعود عليها إلا بعد فتـرة ، حينها أدركتُ أن الحياة ليست بالبساطة والسهولة
التي ترسمها أحلام اليقظة التي طالما غرقت فيها .
في كل يوم
أحمل حقيبتي ،وبها ما قد أبيعه من بضاعة،أجوب شوارع القاهرة ، أشاهد السيارات
الفارهة ومظاهر البذخ في الأكل والملبس ، أحس بشيء من المرارة ، وأحس أن الأغنـياء
من طينة أخرى غير طينتنا معشر الفقراء .
أسائل أحلامي
:
هل سأكـون في
يوم مثل هؤلاء البشر ؟! هل سأصبـح غنياً ؟؟ هل سيكون عندي سيارة وشركات وموظفين
وأطيان ؟ آه مني آه .
لا أملك إلا
أن أبتسم من نفسي، وما تأخذني إليه من خيالات .
في شوارع القاهرة
التي تعـودت أن أبيع فيها ، كانت هناك فيلا يبدو أنها مهجورة ، أو أن من بها قد
سافروا،وكان لهذه الفيلا حديقة رائعة ، يوجد بها أشجار المانجو بارتفاعات كبيرة ،
تجعل فروعها تطل في الشارع ، وعند مروري بجـوار سور الفيلا ،وقعت ثمرة من ثمرات
المانجو فوق رأسي،أمسكت بها كانت تامة النضج،لم أتناولها، تذكرت أنها ليست ملكي،ولا
تحل لي،قذفتُ بها إلي داخل الحديقة، ومضيت .
وبعد عشرين
عاماً كنت أنا داخل الفيلا ، وفي إحـدي الشرفات كنت واقفاً مع زوجتـي ، فرأيت
شاباً يمشي بجـوار السور ،فوقعت على رأسه ثمرة من ثمرات المانجو ، أمسك بها ، كانت
تامة النضج ، لم يتناولها ، قذف بها إلى داخل الحديقة ، فهب كلبي من نومه يصيح ، فابتسمتُ
ابتسامة قديمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق