أسباب العنف في مصر
فؤاد قنديل
شهدت "جمعة الخلاص" ضمن أحداثها غير الإنسانية
في اليوم الأول من فبراير بعد مرور عامين على الثورة التاريخية للمصريين هجوم عشرة
جنود بأوامر من رؤسائهم على متظاهر أمام
الاتحادية استطاعوا اللحاق به وضربه بقسوة
ثم تجريده من ملابسه في البرد القارس وسحله على الأسفلت الصلب الذي مضي يمزق لحمه
في مشهد يقشعر له بدن الشيطان فيخفي وجهه خجلا من بشاعة ما جري مع المتظاهر ومع
آخرين بدرجات متفاوتة ، ولم يخطر ببال الجنود أن قتل شخص خنقا أو شنقا أو بالرصاص
أرحم مما فعلوا ، لكن التنكيل به والاستمتاع بإهانته وتكسير عظامه وتمزيق جسده
بهذه الصورة من أجل إرضاء السلطة الغاشمة أيا كان مستواها فهو عمل ضد كل القيم
البشرية التي تحرص كل الحرص على الحياة ، وقد قال الرسول العظيم محمد : إن حرمة دم
الإنسان تفوق حرمة الكعبة المشرفة .
الشعب
المصري بالذات لم يعرف العنف أبدا ولو اضطر له للانتقام أو صد العدوان حتى اشتهر
بصفة رئيسة هي التسامح والعفو والنسيان وعفي الله عما سلف ، و قد بدأ العنف في
الظهور بعد الانفتاح الاقتصادي منتصف السبعينيات وهو الذي فتح الباب على مصراعيه
للامتلاك بكل الطرق ، الشرعي منها وغير
الشرعي فانطلق بعض الباحثين عن المال وطالبي الثراء للانقضاض على أموال الآخرين
وممتلكاتهم ولو اقتضي ذلك استخدام القوة ، فبدأت تظهر البودي جاردات والأسلحة
بكافة أشكالها للحماية والهجوم وتعددت الحالات وتجاسرت القلوب على العدوان حتى على
الأهل ، أضيف إلى ذلك الجرائم الإرهابية
البشعة التي اقترفتها الجماعات الإسلامية التي سعت لفرض شريعة الله بالقتل
والتخريب وترويع الآمنين ..أما ما يشيع الآن من عنف جماعي واسع النطاق حتى ليشمل
محافظات بكاملها فله أسباب عديدة ، منها :
1
– العنف .. أصبح الكثيرون - وهم مضطرون - إلى الرد
بالعنف على العنف ، فالشرطة تتأهب بالعنف قبل أن ترصد وتدرس وقبل أن تلجأ إلى لغة
سلمية إذ لم يتعلم رجالها شيئا عن الحوار والمنطق ويرفضون تماما فكرة أن الكنهم
بريءحتى تثبت إدانته بل هو متهم حتى بعد أن تثبت براءته ، ويؤمنون بأيسر الطرق
القائمة على الردع وبأقصى قوة ممكنة تنهي
المهمة في ساعات قليلة وليت ذلك يكون في لحظات بدليل كم المقتولين منهم في
المطاردات ، لأن العمليات في أغلبها هجوم ثقيل ومندفع غير مدروس. وقد شهدت كل
الميادين والشوارع في معظم محافظات
الجمهورية هجمات الشرطة التي لا ترحم بالقنابل المسيلة للدموع وهي قنابل
خانقة ، وتعرض الثائرون في أحوال كثيرة لوابل من طلقات الرصاص الخرطوش والحي
والمطاطي.. إذن فهناك تاريخ أسود لكثير من قيادات الشرطة قبل الثورة وأثناءها وبعدها ترك بصماته الدامية في قلوب الثوار
والمواطنين العاديين .
2
- الصدمة .. قام الشباب بالثورة
وانضم إليهم كافة طوائف الشعب بعد يومين على الأكثر عندما لاحظوا الجدية والعزم والوحدة
والتماسك ووضوح الأهداف ، وظلوا جميعا يرفعون اللافتات الحاملة لمطالبهم والمعبرة
عن أحلامهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الحرية والعدالة والكرامة ، حتى
وهم يتعرضون للقتل والضرب على أيدي الشرطة وغيرهم لأنهم ينتظرون جنى الثمار ، وسقط
رأس النظام كما طلبوا فالتقطوا الأنفاس وإذا بهم مع توالي الأيام يرون شمس الثورة
في السماء تبتعد وتحل محلها الصراعات بين جماعات وقوي بعضها خرج من باطن الأرض
فشعر الشباب بالصدمة .. لقد غابت الشمس وأريق دم الشهداء وغدت الأحوال أسوأ مما
كانت فركبهم الرعب والجنون والشعور بالخيانة ، لذا هبوا يحطمون ويكسرون في محاولة
للتعبير عن بشاعة الظلم والغدر.
3
- خيبة الأمل .. فوجئ الثوار بمرور
الشهورأن القوي السياسية فشلت في أن تدفع بعجلة التغيير خطوة واحدة إلى الأمام ،
وليس هناك إلا اتهامات متبادلة وتصريحات عنترية وغياب للرؤية والبرامج في حين
تسيطر على الجميع الرغبة المحمومة للاستيلاء على السلطة التي تحرك كل النوايا
والتوجهات سواء لدي الإخوان بمزيد من الهيمنة كل يوم على مؤسسات الدولة ، أو في سعي
القوي الليبرالية والمدنية للأهداف ذاتها لكنها بدون سلطة تلجأ إلى وسائل الإعلام
والفضائيات ، بينما الثوار لا يفكر فيهم أو في مشاكلهم أحد .
4
- سوء الأحوال الاقتصادية .. ذاق
جانب كبير من الشعب مرارة العوزوالفقر والجوع فترات طويلة من التاريخ لكنه في العامين الأخيرين عاني الكثير منه ولم تعد
هناك أية مصادر للدخل فضلا عن تفاقم مشكلة البطالة وارتفاع نسبة الغلاء بما يمثل
عبئا كبيرا على كاهل الأسرة المصرية ، وتوقف كثيرمن المصانع ، وتسبب ذلك في إنتاج
أعداد هائلة من البلطجية الذين يمارسون السرقة والخطف وكل أشكال العنف.
5
- الشائعات .. أدت الفوضي العارمة
مع هواجس الرعب والخوف وعدم الثقة في النظام والمستقبل إلى كثرة إنتاج الشائعات
التي تتمتع بمزايا البنزين والكبريت في سرعة الاشتعال وانتشار الحرائق التي تندلع
في كل مكان سواء حرائق نفسية أو دموية أو مادية مباشرة بإحراق فعلي لما يثيرويلفت
من منشآت وممتلكات خاصة الحكومية المهمة .
6
- العشوائيات .. معظم الشباب
الفاعل في المظاهرات وبالذات في استخدام العنف قادم من المناطق العشوائية حيث
تتوفر كل صور الظلم والتهميش والحصار والتكدس وغياب الظروف المناسبة لتأسيس حياة
إنسانية متحضرة تؤثر على العقل والوجدان . وكما انقض الهامش الإيديولوجي على المتن
، انقض أبناء الهامش الجغرافي والاجتماعي.
7
– التحريض .. ليس من شك أن كل ما يجري على الأرض تقف وراءه عقول محرضة
وقلوب متحجرة ونفوس مريضة ورغبات معادية لأطراف متنافسة ،ولما كانت هذه الأطراف
عاجزة فكريا وسياسيا وفاقدة للرؤية المقنعة بالمنطق والإخلاص والشرف فإنها تلجأ
للعنف عن طريق الاستعانة بالجوعي والمحتاجين والغاضبين والبلطجية والمرتزقة لإثارة
أجواء الشقاق ومحاولة كسر هيبة الدولة .
8
– عجز النظام .. فقد معظم الشعب
الثقة تماما في الرئيس ورجاله وجماعته بسبب عجزهم عن الإدارة ، وقد لاحظ
الكثيرون حالة الكذب المرضية التي تصمهم جميعا ، ففي كل يوم وعود ثم يظهر للناس
عكسها، ويطلقون قرارات ثم يسلكون على نحو يخالفها ، ولم يصدر رئيس الوزراء قرارا
واحدا في صالح الجماهير ولا استطاع أي
إجراء أن يخفف المعاناة بل العكس هو الصحيح ففي كل يوم تزيد المعاناة بسبب
القرارات الحمقاء ، وفي كل لحظة يري الشعب حكامه يركضون في حلقة مفرغة كالغافلين التائهين الذين مستهم الشياطين.
9
– الإعلان الدستوري ..ما يزال الإعلان الدستوري الذي أطلقه الرئيس مرسي
لتحصين قراراته وحماية مجلس الشوري واللجنة التأسيسية من الحل بناء على عباقرة
مكتبه القانونيين يلقي بظلاله المعتمة والخبيثة على أفق الحاضر والمستقبل وأدي إلى
انقسام شديد شق كل الصفوف وأثار موجة طاغية من التعاسة فلم يصدر في تاريخ مصر مثل
هذا الإعلان الاستبدادي المصاغ بطريقة جهنمية .
10
- الابتلاع .. ابتلعت جماعة
الإخوان المسلمين أغلب أركان الدولة وتسلمت مفاتيحها وتخطط على عجل للاستيلاء على
كل الشوارع والأزقة والهواء ونور الشمس ، ولا يؤخر ذلك إلا خروج المتظاهرين ، فضلا
عن تصريحاتهم الاستعلائية و إنفاقهم الاستعراضي والبذخ خاصة أسرة رئيس الجمهورية المتدين
وغياب القدوة والمثال ، والأسوأ أن كل الأئمة والوعاظ في جميع المساجد التي تبلغ
نحو ثلاثين ألف مسجد تؤيد الرئيس الواجهة وكل كلمة ينطق بها حتى لو ضالة ومضللة ،
وقد انتقل الابتلاع إلى المدارس حيث قام وزير
التعليم بحماس نادر بإجراء عملية محو لشخصية مصر وتاريخها .
وهكذا
يلحظ أي متابع ولو كان في آخر المعمورة أن
مستقبل أم الدنيا في ظل حكم الإخوان طبقات من ظلام فوق طبقات .. ولن ينجينا مما
ابتلانا الله به إلا رحمة منه وكفاح الشعب الذي كتب عليه أن يظل في كبد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق