عندما تضيع الحقيقة وتتوه السُبل..
بقلم: خيري
عبدالعزيز
أجزم أن لا أحد يمتلك الحقيقة لأتفه
الأمور في مصرنا في وقتنا الراهن الممتلئ بالصراعات, ولا حتى نصفها, ولا ربعها. ولننظر
إلي قضية "حمادة" التي أثارت الرأي العام المصري, وفي النهاية لم يُعرف
لها أول من أخر: حمادة الشرطة سحلته وخلعته القميص والبنطلون.. لا دا حمادة أصلا
كان خالع البنطلون من نفسه لأن طلقة خرطوش أصابته.. حتى أني بدأت أشك أن حمادة
نفسه يعرف حقيقة ما حدث له..
وحقيقة بجملة ما لا ندريه, لا
ندري كُنة الصراعات بين القوي السياسية, أهي صراعات من أجل النهوض بمصر من كبوتها,
أم من أجل الهيمنة وتملك زمام الأمور, سواء للقوة المسيطرة أم للقوي المتطلعة.. ما
أعرفه حقا, ويعرفه الجميع, أننا نعيش في حالة عارمة من التخبط والشائعات والكذب.
وضع كارثي بصريح العبارة. وضع متردي ذميم تأباه أي أمة محترمة لنفسها, ويرتجف قلبها
هلعا من مجرد الاقتراب منه أو المساس بأمنها القومي..
خرجنا من متاهة مبارك لنتوه في
غيابات التخبط والتردي والانحطاط الأخلاقي, أو كما وصفه المخلوع مبارك: الفوضى.. الكل
يسعي لهدف في رأسه, ويشكك في نوايا الأخر, ويصفه بالعميل الموجه, وأقول الكل لأني
حقيقة أشك في نوايا الجميع بلا استثناء. بدأ هذا الشك في ذلك اليوم الذي خرج علينا
فيه أحد كبار رهان رئاسة الجمهورية علي شاشات التلفاز, بعد أن أعلنت النتيجة بوصول
الدكتور مرسي والفريق شفيق إلي جولة الإعادة, ليقول: "لن يرضي الشعب المصري
بأحد خيارين أحلاهما مُر, وعلي الشعب المصري أن يبحث عن مسار ثالث.."
قول آثم بكل تأكيد, قول مستخف
بمقدرات المصرين, أليست هذه هي الديمقراطية يا سيدي؟!.. أليست هذه هي الديمقراطية حتى
ولو نجح شفيق الذي هو امتداد لمبارك بشكل أو بأخر..
أين الديمقراطية -أيها السيد- التي
تزعم, وتتحدث عنها ليل نهار, وبالله عليكم ماذا لو كان قُدر لمن يمتلك تلك
النرجسية النجاح في الانتخابات -وقد كان قاب قوسين أو أدني بالفعل- أكانت حققت
الثورة أهدافها, واطمئن بال الشعب المصري؛ ليعيش المنكوبين بالذل والهوان أخيرا في
رغد من العيش, حُرموا منه قرون لا يعلم مداها إلا الله..
ما أريد قوله دون تحامل علي
أحد, أن زعماء جبهة الإنقاذ وعلي رأسهم الدكتور البردعي لو كانوا وصلوا إلي سُدة
الحكم ما حدث أقل مما يحدث الآن.. إنها توابع الثورات أيها السادة: التخبط,
والتردد, والعشوائية, والكذب, والتخوين, والانتهازية, وحدث ولا حرج..
لقد تناحر سيدنا علي وسيدنا معاوية علي أمر
اختلط علي كبار الصحابة, فانقسموا إلي ثلاث فرق: من انحاز لعلي وناصره, ومن انحاز
لمعاوية وناصره, ومن وقف موقف الحياد, ولهذا سميت فتنة؛ لأن الفتنة هي التي لا
يستبان منها الحق من الباطل ويلتبس كلاهما ويتداخلا.. السؤال: أليس ما نحن فيه
الآن يُعد فتنة, وخاصة أنه لا يوجد شر صريح, ولا خير صريح, ولكن الأمور كلها تدخل
في افتراضات, ووجهات نظر, ومزاعم, وإشاعات, وأكاذيب, فأين إذن الحقيقة؛ لنستطيع
الحكم, وتحديد الموقف؟!..
لقد سمعت رأيين علي النقيض
تماما في شرعية الإعلان الدستوري للدكتور مرسي, من أناس من المفترض أنهم فقهاء
دستوريين, أحدهما أجاز الإعلان تحت زعم أنه من اختصاصات رئيس الجمهورية, والأخر
أنكر كل الإنكار, فما بالنا نحن البسطاء, مَن يسترشدون بآراء المتخصصين؟!.. وسؤال
أخر يطرح نفسه عنوة: ألم يخدع المجلس العسكري الشعب المصري يوم أن استفتي علي خمس
مواد ثم أصدر إعلانا دستوريا مكونا من ستين مادة, لم يستفت عليهم, ولا يعلم أحد
عنهم شيئا, أين كان الثوريون الذين ملئوا الدنيا صراخا علي اختراق دولة القانون..
ما بالكم تكيلون بمكيالين, وما بال ثوريتكم الموجهة المستترة خلف حُجب نواياكم
الدفينة؟!..
ثمة تلاعب واستخفاف بعقول المصريين.. تلاعب ظاهره الرحمة ولا يعلم باطنه
إلا الله..
ثم يقولون بعد ذلك أن غالبية
الشعب المصري "حزب كنبة", نعم صدقتم هو حزب كنبة لأنه لا يفهم, وإن فهم
تحرك, والدليل الفرق الشاسع بين إقبال المصريين علي الانتخابات في بدايات الثورة
وفي الآونة الأخيرة..
الخلاصة نكبتنا في نخبتنا, ومن كان من المفترض
أن يضيء الطريق للحقيقة المستترة كان هو اللجة الكبرى والمنغص الأعظم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق