قراءة في رواية "امرأة في المنام" للكاتب محمود أبوعيشة
بقلم: خيري عبدالعزيز بالطبع الرواية كجنس أدبي تحتمل, بل تحمل على عاتقها كافة الأشكال السردية, بل وتقدر أن تخوض في مضمار التجريب بكل جسارة, وفي رواية "امرأة في المنام" للكاتب محمود أبوعيشة لون سردي يلون الكاتب ويعطيه جيناته الخاصة ككاتب..
ففي رواية "امرأة في المنام", وما بين
آدم وحواء تدور أحداث الرواية, خطان دراميان متوازيان أحيانا, متقاطعان أحيانا,
ومتنافران أحيانا أخرى, وعلى عاتقهما قامت الرواية تفور بالحياة وتمور بالكثير من
الحكايات الفرعية, تخلص من حكاية لتلقفك أخرى, وتنتهي من حياة لتبدأ أخرى, مما
يتطلب تركيزا حتى لا يفقد القارئ طرف الخيط بين زخم وضجيج الشخصيات التي ما أن
تظهر حتى تختفي..
وتبدأ الرواية بالعقدة, ويستمر البحث عن الحل العصي
حتى الصفحات الأخيرة, من خلال زمن متقطع, مبعثر على طول الرواية, مبتدءاً من
الحاضر عائدا للماضي.. وما بين ذهاب وإياب, عكف الكاتب يغزل بناءه الروائي,
مستخدما تقنية الراوي العليم لقص ما لديه بلغة سلسة انسيابية بعيدة عن التقعر, هي
لغة وسطية وقورة تظهر فيها سمات القص من حيث الرشاقة والتكثيف والانتقال السلس بين
الأزمنة والأمكنة بلا كثير مجهود, وحقيقة لا أعلم إن كان الكاتب انطلق لعالم
الرواية من خلال عالم القصة القصيرة أم لا, وإن كنت أظن ذلك وأستشعره فيما قرأته
له من أعمال روائية؛ هذا على مستوى اللغة بوجه خاص..
أما
على مستوى السرد عموما فكما نوهت فإنه قد استخدم تكنيك الراوي العليم في سرد النص,
حيث تكفل الراوي, وحمل على عاتقه إخبارنا بكل دقائق الأبطال وأفكارهم وخلجات
نفوسهم دونما الحاجة إليهم, وبالطبع هذا كان يوقع السرد في بعض المطبات الخطابية
والتقريرية, كما أن النص افتقر للحوار إلى درجة الشح, حتى أن الراوي العليم ظل
جاثما على صدور الشخصيات يحكي عنهم أدق خلجاتهم بلا منفذ يعبرون منه عن أنفسهم, وكأنه
إله يحرك دميا لا حول لهم ولا قوة, وبالطبع فإن مثل هذا الاتجاه في السرد يؤثر على
العمل من ناحية التشويق والإمساك بتلابيب القارئ.. أما أكثر ما لفت نظري في العمل؛
فهو موسوعية الكاتب وثقافته وقدرته الفذة على التحليل, وسبر أغوار الشخصيات
ودوافعها, وتفهمه للطبيعة البشرية وتنوعها, وهي أمور جد مهمة للكاتب عامة وللروائي
على وجه الخصوص, وكذلك تملكه لناصية اللغة وأدوات الكتابة بحذق وحرفية.. وبصفة عامة
فإن مساحة الجمال شاسعة في النص, ولكني أخلص في النهاية إلى أن مأخذي على النص -وهو
أيضا من وجه نظري التي تحتمل الصواب والخطأ- هو أولا: تخمة النص, هي تخمة عامة على
أصعدة عدة؛ تخمة بالشخصيات, وتخمة بالأحداث, وتخمة بالحكايا الفرعية التي تؤكد على
قدرة الكاتب الفائقة على الحكي, وكذلك تخمة سردية حيث أن الكاتب كثيرا ما كان يقع
تحت تأثير إغواء السرد, وهذه الأخيرة, ومن ناحية أخرى تؤكد على قدرات الكاتب
العالية وثقافته الموسوعية.. ثانيا: دكتاتورية الراوي العليم وتحكمه وخنقه لشخصيات
العمل..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق