2014/01/04

هولير حبيبتـــــــي ملحمة هولير الروائية المعاصرة التي تحولت إلى مرآة لمدينة هوليربقلم : عماد برهو



 
هولير حبيبتـــــــي
ملحمة هولير الروائية المعاصرة التي تحولت إلى مرآة لمدينة هولير
بقلم : عماد برهو                                
 مدخل
رواية (هولير حبيبتي )، للروائي السوري عبد الباقي يوسف، جاءت في 300 صفحة، ومن منشورات مكتبة التفسير للنشر والإعلان في أربيل، إقليم كردستان 2013.
وسط مقدمات لقيام "حرب أهلية" باتت تلوح في الأفق بسوريا، حيث كثرت مؤخراً عمليات خطف الأطفال والرجال والنساء طلباً للفدية، وبدأت أصوات الرصاص تتعالى في الطرقات، وقصف البيوت الآمنة بالصواريخ، اغتيالات في الطرقات، أمام أبواب البيوت، انفجار سيارات ملغومة، انفجار عبوات وقنابل في الطرقات، وانعدام وسائل الحياة حيث لا وقود، ولا هاتف، ولا كهرباء، لا غاز. ارتفاع المواد التموينية، وانعدام حاجات أساسية للمعيشة في ظل فلتان أمني تعجز فيه الدولة أن تحمي حتى أقطابها الذين تطالهم عمليات الاغتيال .
رحلة اللجوء
اتخذ بطل وكاتب رواية (هولير حبيبتي)، قراره بمغادرة البلاد، ضمن إجراءات "أمنية" استثنائية من قبله، وتأكيداته المتكررة لزوجته بضرورة التأكد أن أحداً لم يشك بأمرهم. وإنها بالنسبة لهم مسألة حياة، أو موت، ولا داع لأحد أن يعلم بأمر خروجهم من البلاد.
يسرد الكاتب رحلة لجوءه تلك وعائلته المكونة من زوجة (آفان)، وثلاث أطفال (بيرهات، لاوين، سيروان) بطريقة تفصيلية تدل على مدى صعوبة اتخاذه لقرار تركه لموطن ذكرياته، ومدى تعلقه بكل شيء هناك، وكل تفصيلة من رحلة اللجوء تلك، مكتشفاً بأن مصيبته تهون أمام مصيبة "جنكدار" رفيق دربه في هذه الرحلة، وتعرض عائلته المقيمة في "دمشق" للقصف بالصواريخ، مما تسبب بمقتل زوجته، واثنين من أفراد عائلته، فوجد نفسه يواسي الرجل، ويأخذ بخاطره، عارضاً عليه المساعدة.
 تجاوز الكاتب في روايته (هولير حبيبتي) السيرة الذاتية لمدينة (هولير)، أقدم المدن التاريخية التي ما تزال مأهولة بالسكان، بأن صاغ أحدائها بلغة شعرية سلسة، والقريبة إلى القلب أكثر منها للعقل، وسلط الضوء على كل كبيرة وصغيرة من عوالم مدينة (هولير)، محاولة منه لاستكشاف ذاك السحر في مدينة "الحب والحمام".
يعود الكاتب لسرد لحظات دخوله لإقليم كوردستان، ومدى الحفاوة والاستقبال التي تلقاء من قبل شعب كوردستان لهم، وبأن عليهم أن يحسبوا أنفسهم كمواطني كوردستان، وأن لا يخطر ببالهم لحظة واحدة بأنهم لاجئين. وبعد منحهم "إقامة" نظامية من مخيم "دوميز" للاجئين في مدينة (دهوك) قيل لهم بأنهم يملكون الحرية في الاختيار بين البقاء في المخيم، أو اختيار أية مدينة من مدن إقليم كوردستان الثلاث (دهوك، وهولير، والسليمانية)، وكانت صدمته الأولى، حينما استلم وثيقة الأمم المتحدة "الفورمة" وبأنهم باتوا لاجئين في سجلات المنظمة الدولية للاجئين، الأمر الذي أزعجه بادئ ذي بدء، لكنه بات أمراً محتوماً.

 

            اكتشاف مدينة هولير
هولير، منذ أن وطأت قدماه أرض كوردستان، لا يدري لماذا اجتاحه إحساس بأنه إن لم يَر هولير، كأنه ما وطأ كوردستان، لا يدري لماذا انتابه شعور بجاذبية سحريةٍ نحوها، وعلى الفور حين سألته زوجته، أين سنقيم؟ أجابها: في هولير.. خرج الكلام من فمه عفويا. وأدرك في لحظات أن هولير ليست كجميع المدن التي سافر إليها، وأقام فيها.
إنها مدينة الحلم الأزلية التي لا تقبل أن يدخلها المرء كما يدخل غيرها، أن يقيم فيها كما يقيم في غيرها، ثم يتركها كأن شيئاً لم يكن.
إنها ترفض ألاّ تتميز عن سائر أخواتها المدن في أرجاء الأرض، وهي التي استحوذت على قلوب ملوك وأباطرة وجبابرة وسلاطين وقادة الدنيا منذ فجر تاريخها، هي التي ضعف الجبابرة أمام قدميها، وهن الملوك أمام سحرها، استسلم الأباطرة لبديع قوامها ، خار السلاطين في حضرة هيبتها.
كل ركن في هولير يطفح بلمسة سحر مباركة
كل شيء يتعمد – طوعاً أو كرهاً – في معمودية هولير:
هديل الحمام على أسطح هولير
زقزقة العصافير على أعالي الأشجار في صباحات هولير الباكرة
قباب المساجد في أزقة أحياء هولير
إيقاع سكون الليل في بيوت هولير
متعة المشي الهوينا على فضة أرصفة هولير
حفيف الشجر في شوارع هولير
تذوق قشدة غفوة القيلولة في ظهيرات هولير.
ليس في هولير موضع غير قابل لخفقة عشق
ليس في هولير لمسة غير قابلة لهمسة قلب
كل ما في هولير يطفح في نظره بألق فتنة الجمال.
حينئذ يشدو فؤاده كما لم يشد من قبل:
ما أبهى خصلات الشمس في ثنايا جدائل شعرك ياهولير
ما أروع معالم غروب الشمس على ضفاف ضواحيك ياهولير
ما أجمل ظهيرات القيلولة في أركانك ياهولير
ما ألذ احتساء قهوة في فيء عصرك ياهولير
ما أطيب عطر العشاء في أماسيكِ ياهولير
ما أعظم شأنك ياهوليرتي
ما أسماك ياهولير وأنت هولير.
يسرد الكاتب في جزئية تاريخ ميلاد الكورد، فيقول "إذا أعدتك إلى ستين ألف سنة ماضية، سترى معي كما لو أنه حدث في رأس السنة الكوردية الماضية أن الناس قطنوا هنا في كهف شاندر". ويقول:"كان ذلك سنة سبعة آلاف قبل ميلاد المسيح، الناس بشكل عام كانوا يتوافدون إلى كل مدن هذه المنطقة الخصبة التي كانوا يسمونها أرض الكورد."
ويبرهن الكاتب من خلال المعلومات التي تقدمه له حبيبته (هولير) عظمة حضارة وتاريخ هذه المدينة، وأنها كانت من عصر حضارة مابين النهرين كانت أرض كوردستان.

تنشأ حالة من الحب بين بطل الرواية ومدينة (هولير)، والتي باتت تأتيه في منامه على شكل فتاة كوردية رائعة في الجمال، يستعرض من خلال الحديث الذي يدور بينه وبين فتاة أحلامه (هولير)، ملامح  وخبايا هذه المدينة الكوردية، الآخذة جذورها في التاريخ، والتي راحت تقدم نفسها، قائلة:
أنا هولير
سيدة أمجاد الكورد
قلعتي الشامخة شاهدة على أمجادي
من أجل ضفائري تنازع جبابرة العالم
أعدّوا من أجلي ما استطاعوا من قوة، ومن رباط الخيل
أقاموا في ربوعي حيناً من الدهر
ثم ما لبثوا أن مروا بي مرور الكرام.
وفي إحدى الحوارات بينه وبين حبيبته (هولير)، يسأل: كم لغة تعرفين سيدتي؟
فقالت: قل كم لغة لا تعرفين.. لا أظن أن هناك لغات لم يعلمني إياها الملوك، ولم تعلمني إياها الغزوات التي تعرضتُ إليها، كنتُ أتحدث كل تلك اللغات بطلاقة، لكن لا أخفيك أن أحب اللغات إلى قلبي هي اللغة الكوردية، كما أن أحب الأسماء إلى نفسي هه ولير.
يزداد حب الكاتب لهولير يوماً بعد يوم، ويقرر اكتشافها أكثر فأكثر، ويقدم تفصيلات دقيقة عن عادات أهل (هولير) الطيبين، الذين تعلموا من أجدادهم الكورد في قوة محبتهم للإنسان كقيمة، كمعنى، كسمو، لذلك يشعر الكوردي أي كوردي بفخر لأنه كوردي، يمشي في الطرقات مرفوع الرأس، يمشي بشموخ، يدب خطواته بثقة لأنه يقف على جذره الكوردي.
لقد أيقن أن الكورد عندما يشرع في أي إعتداء على أخيه الكوردي، يكون قد خرج عن إنتمائه إلى أمة الكورد.
يروي الكاتب من خلال قصة الحب مع (هولير) بعضاً من مشاهداته لمعالم مدينة (هولير) وأثارها، التي ما هي إلا جزءٌ من سيرتها، فهي الشاهدة على كل تلك الوقائع التي جرت على مر التاريخ (آثار جوار تاقان، تل قالنج آغا، تل كلك مشك، تل قصر، حصن بانمان، قلعة بوك، كهف شاندر، مصيف بيخال، مصيف جنديان، مصيف حاج عمران، مصيف كلي علي بك)، وتلك الحضارات التي تناوبت على الظفر بهولير، وكانت لهم:
نزهة الساسانيين،
حديقة البارثيين،
مخبأ كنوز الفرثيين،
سياحة السلوقيين،
كنيسة الآشوريين،
جوهرة أبناء فارس النفيسة،
ضفة العثمانيين،
زهرة إمبراطورية أور الثالثة،
ساحرة الملك السومري الجميل شوكـــي،
ملهمة آشور باني بال.  

في رواية (هولير حبيبتي) يستعين الكاتب بخبراته السابقة، ويقرر أن يكون محبوب هولير الأول، ومن خلالها يكتشف عوالم هذه المدينة الكوردية العريقة بشعبها قبل حجرها، ويقرر الغوص أكثر فأكثر نحو خصوصياتها، تاركاً للخيال الروائي جزءاً لا بأس به، مع الإبقاء على تماسك وترابط السرد الروائي، ومتجنباً كثيراً الدخول في المباشرية واللغة التوثيقية التأريخية.
الثورة السورية، وما خلفته من ويلات الحرب المستمرة فيها منذ ثلاث سنوات مضت، وحالة نزوح ولجوء الملايين من أبنائها داخل وخارج سوريا، هرباً من تداعيات تلك الحرب "المجنونة" التي تركت آلاف الأطفال دون آباء وأمهات، وحرمت الكثير من الآباء والأمهات من أبنائهم، وشردتهم، وجعلت منهم لاجئين في دول الجوار السوري (تركيا والأردن ولبنان، وكوردستان)، في حين كانوا منذ وقت ليس ببعيد هم من يستقبلون غيرهم من اللاجئين العرب من فلسطين والعراق ولبنان، الأمر الذي ترك عندهم حسرة لما آلت إليه الأوضاع في بلادهم.
بعد كل هذا الحب بين بطل الرواية (الكاتب)، وتحول مدينة (هولير) إلى "حبيبة" و "معشوقة" له، وللقراء من بعده، إلا أنها (هولير) عاقبته على تجرئه على الدخول إلى عالمها الخاص، وخدش حياء المدينة "العذراء" بأن حرمته من حقه في الحصول على "الإقامة" فيها، ربما تكون مشروع جزء ثاني من قصة الحب مع (هولير) المدينة التاريخية الكوردية، وعاصمة الكورد الوحيدة، وهي تناديه ليعود:
أنا هولير..
حاضنة كهف شانده ر..
لؤلؤة كوردستان المجيدة..
قلعتي الشامخة شاهدة على أمجادي..
انا هولير
فضة أحلام الملوك،
محط أنظار الجبابرة،
مكمن أطماع الغزاة،
مدينة الآلهة الأربعة،
مقام حاملة الإرث البابلي عشتار المقدسة.
ضفة العثمانيين، زهرة إمبراطورية أور الثالثة،
جوهرة أبناء فارس النفيسة، وسادة الميديين في ليالي الوحشة
محطة غزوات الرومان، محظية هولاكو، عروس إمبراطورية الصفويين، حلة تيمورلنكَ النفيسة، أسيرة الطليان الجميلة.
أنا هولير..
قصبة حفدة الكورد الذهبية
لي عند ربي مكرمات.
الكاتب في سطور:
-         عبد الباقي يوسف، روائي كوردي من مواليد مدينة الحسكة (غربي كوردستان) سوريا لعام 1964.
-         صدرت له مؤلفات روائية وقصصية وأدبية عديدة، حققت الكثير من الجوائز الأدبية العربية والدولية، ومنها: فازت روايته "خلف الجدار" بجائزة دبي للرواية العربية عام 2002، وحققت روايته "الآخرون أيضا" جائزة منظمة كتاب بلا حدود الدولية عام 2012.
وهو عضو في العديد من المنظمات والنقابات الأدبية العربية والدولية، منها:
-         عضو اتحاد الكتاب العرب، عضو جمعية القصة والرواية السورية.
-         عضو رابطة أدباء الشام.
-         عضو رابطة العالم الإسلامي.
-         عضو منظمة كتاب بلا حدود.
-         عضو اتحاد كتاب الإنترنت العرب.
ومن مؤلفاته: (سيمفونية الصمت، الحب في دائرة العبث، طقوس الذكرى، بروين، جسد وجسد، فقه المعرفة، روهات، إمام الحكمة، عالم الكتابة القصصية للطفل...).


ليست هناك تعليقات: